تحقيق مستقبل الطاقة المستدامة في إفريقيا

بقلم مايكل ر. بلومبرغ، وداميلولا أوغونبي

نيويورك- يؤدي تنامي الاقتصادات وتزايد عدد السكان إلى تنامي احتياجات الطاقة. ويجب أن يتعاون المجتمع الدولي مع البلدان النامية لتلبية تلك الاحتياجات عن طريق حصول الجميع على طاقة ميسورة التكلفة، ومضمونة، ونظيفة. وفي الوقت نفسه، يجب أن نتيح الانتقال العادل والمنصف من طاقة الفحم وغيره من أنواع الوقود الأحفوري، تماشيًا مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015.

ولا يصدق هذا في أي مكان أكثر مما يصدق في إفريقيا، التي تتمتَّع بإمكانيات غنية في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ وقد أحرزت تقدمًا كبيرًا باستخدام مصادر متجددة أخرى، بما في ذلك الطاقة المائية، والطاقة الحرارية الأرضية، والوقود الحيوي. ولكن بدون دعم دولي، بما في ذلك الاستثمار على نطاق واسع، لن تتمكَّن البلدان الإفريقية من توسيع الفرص أمام الجميع للوصول إلى الطاقة وتحقيق أهدافها المناخية.

إنَّ البديل- زيادة الاعتماد على الفحم- سيكون له عواقب وخيمة. فعلى الصعيد العالمي، يعدُّ الفحم المسهم الأكبر الوحيد في تغيُّر المناخ؛ واستخدام الفحم بصورة متزايدة سيجعل المجتمعات أكثر عرضة لتأثيراته. كما يؤدي حرق الفحم وغيره من أنواع الوقود الأحفوري إلى إطلاق مواد كيميائية مميتة في الهواء والماء، مما يسهم في وفاة أكثر من مليون شخص على مستوى العالم بسبب احتراق الوقود الأحفوري كل عام.

ومن ثم، فإنَّ تفضيل الطاقة النظيفة على الفحم سيحقِّق فوائد صحية فورية. كما أنه سيخلق وظائف جديدة ويحفز النمو الاقتصادي. إنَّ تكلفة الفحم تزداد ارتفاعًا مقارنة مع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، هذا دون الأخذ في الحسبان آثاره الرهيبة والمكلفة على الصحة العامة. ونظرًا لأنَّ تكاليف تشغيل محطات الفحم ترتفع كلما ازداد عمرها، فإنَّ تكاليف الاستثمار في الفحم سوف تنمو فقط لسنوات عديدة مقبلة. وفي غضون ذلك، سلَّط الغزو الروسي لأوكرانيا الضوء على الحاجة الملحة للبلدان لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري المستورد.

وتعدُّ الطاقة النظيفة بتحقيق فرص أكبر في إفريقيا، حيث تتم إزالة العديد من المجتمعات من الشبكات المركزية، وقد لا يكون توسيع نطاق الشبكة للوصول إلى الجميع ممكنًا من الناحية المالية. وتوفِّر الطاقة النظيفة اللامركزية طريقة أسرع وبأسعار معقولة لتوسيع نطاق الوصول إلى الطاقة، ومن ثمَّ نشر الفرص وزيادة تسريع النمو الاقتصادي لإفريقيا. ويمكن للشبكات الصغيرة التي تستخدم الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أن تزود المنازل بالوقود؛ بل أيضًا المستشفيات المحلية، والمدارس، والشركات وغيرها من موارد المجتمع الحيوية.

وتتحمَّل الدول الغنية- بما في ذلك الولايات المتحدة- مسئولية مساعدة إفريقيا على اغتنام تلك الفرص. فقد استفادت من أكثر من قرن من التنمية كثيفة الكربون التي تعرض الآن السكان في إفريقيا وفي جميع أنحاء العالم النامي لخطر كبير. وكانت البلدان الإفريقية، التي تمثِّل 2 إلى 3٪ فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية الحالية، أقل إسهامًا في أزمة المناخ، ولكنها تواجه أشد العواقب تدميراً.

وفي عام 2009، تعهدت الدول الغنية بتقديم 100 مليار دولار سنويًّا لمساعدة العالم النامي على مكافحة تغيُّر المناخ والاستعداد لتأثيراته، لكنها لم تحافظ على وعدها. ويجب أن يتغيَّر هذا السلوك فورا، ولكن يجب بذل المزيد من الجهود. إذ ينبغي للحكومات، والبنوك المتعددة الأطراف، وشركات الاستثمار الخاصة، والمنظمات الخيرية تكثيف جهودها للدفع قدمًا بعملية تمويل الطاقة النظيفة في البلدان النامية التي قد تضطر لولا ذلك إلى الاعتماد على حلول كثيفة الكربون.

وفي مبادرة الطاقة المستدامة للجميع لعام 2022 الجاري في كيغالي برواندا، والذي يجمع قادة أفارقة وعالميين آخرين، أعلنت بلومبرغ الخيرية عن استثمار جديد بقيمة 242 مليون دولار لتسريع وتيرة تقدم الطاقة النظيفة في عشرة بلدان نامية. أربعة منها في إفريقيا: كينيا، وموزمبيق، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا. وكل بلد من هذه البلدان لديه موارد هائلة فيما يتعلق بالطاقة المتجددة، ويمكن أن يكون قدوة لبلدان أخرى في جميع أنحاء العالم.

وبالشراكة مع منظمة الطاقة المستدامة للجميع، والتحالف الدولي للطاقة الشمسية، ومنظمات أخرى، سيساعد هذا التمويل تلك البلدان على زيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة، وسيجنبها بناء محطات فحم جديدة ملوثة. وسويًّا، سنساعد البلدان على تطوير سياسات ذكية، وجذب تمويل جديد، وإنشاء مشاريع تجريبية للطاقة النظيفة، وإشراك الجمهور لتشجيع القادة على اعتماد الطاقة النظيفة، وتوفير البيانات والأبحاث التي سيحتاجها هؤلاء القادة لصياغة السياسات الأكثر فعالية.

لقد لاحظنا أنه من الممكن تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وزيادة الوصول إلى طاقة نظيفة وبأسعار معقولة في نفس الوقت، والقيام بذلك بسرعة. ومن خلال العمل مع الشركاء، ساعدت "حملة ما وراء الفحم" التي تطلقها بلومبرغ الخيرية على إغلاق أكثر من ثلثي مصانع الفحم في الولايات المتحدة، وأكثر من نصف المحطات الأوروبية. ويجب أن ننشر هذا النجاح في جميع أنحاء العالم.

وهناك تطورات واعدة في مجال الطاقة النظيفة في جميع أنحاء إفريقيا. فعلى سبيل المثال، جمعت رئاسة مؤتمر الأمم المتحدة لتغيُّر المناخ (كوب 26) المنعقد العام الماضي، ومجلس انتقال الطاقة الحكومات ومؤسَّسات التنمية والجهات الممَولة مع بعضها بعضًا من أجل وضع إطار استثماري داعم لخطة تحول الطاقة في نيجيريا. وركزت استراتيجية الكهربة في كينيا على مجموعة متنوعة من مصادر الطاقة المتجددة، مستعينة في ذلك بالقنوات والاستراتيجيات العامة والخاصة المتعددة في مجال تمويل بدائل الفحم الصناعية والريفية الشبكية وغير الشبكية.

ولكننا بحاجة ماسة إلى مزيد من العمل والاستثمار، ويمثل منتدى الطاقة المستدامة للجميع فرصة لتسريع وتيرة الجهود المبذولة في هذا السياق. ويعزِّز هذا الحدث أهمية دعم إفريقيا في جهودها المناخية، ويسلِّط الضوء على القيادة الإفريقية في السباق العالمي نحو انبعاثات صفرية. ويحدث كل هذا في الفترة التي تسبق مؤتمر COP27 )كوب 27 ( الذي سينعقد في مصر، في نوفمبر/تشرين الثاني- أول قمة عالمية للمناخ في إفريقيا منذ 2016.

ويمكن للبلدان الإفريقية أن تمهد الطريق إلى الأمام من خلال تعزيز نمو اقتصاداتها من خلال استخدام الطاقة النظيفة. ولكن لا ينبغي أن تتصرف بمفردها.

ترجمة: نعيمة أبروش  Translated by Naaima Abarouch

مايكل آر بلومبيرغ هو المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بطموح وحلول المناخ. داميلولا أوجونبي، الرئيسة التنفيذية لمبادرة الطاقة المستدامة للجميع، هي الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لمبادرة الطاقة المستدامة للجميع، والرئيسة المشاركة لشبكة الأمم المتحدة للطاقة.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org