Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

إعادة هيكلة عملية إعادة هيكلة الديون

ويليم هـ. بيوتر، آن سيبرت

لندن ــ إنَّ التخلف عن سداد الديون السيادية أمر شائع. فقد عجزت كل من الإكوادور وفنزويلا عن سداد ديونها عشر مرات في الفترة من 1800 إلى 2010، وتخلفت اليونان عن سداد ديونها خمس مرات بين حرب الاستقلال (1812-1830) وعام 1932. ومنذ عام 1998، عجزت روسيا، وأوكرانيا، والإكوادور، وأوروجواي، والأرجنتين عن سداد ديونها.

ذات يوم كانت السفن الحربية تستخدم لحل مثل هذه الأمور. على سبيل المثال، بعد أن عجزت فنزويلا عن سداد ديونها في عام 1902، حاصرت قوى أوروبية موانئها البحرية وقصفتها. لكن مثل هذه الطرق استعيض عنها بعمليات إعادة هيكلة فوضوية ومتأخرة غالباً للديون السيادية، ومن الواضح أنَّ مثل هذه العمليات تتسبب في إلحاق الآلام الاقتصادية بكل من الدائنين والمدينين. ولا يشكِّك سوى قِـلة من المراقبين في إمكانية تحسين الطريقة الحالية بشكل كبير.

في زمن أقرب إلى الوقت الحاضر، تسبَّبت العقود السيئة التصميم في خلق الفرصة لما يسمَّى الصناديق الانتهازية لاستغلال المدينين من خلال عملية إعادة الهيكلة. تختطف هذه الشركات الديون المتعثرة لأي دولة بأسعار بخسة، وتنتظر إعادة الجدولة، ثمَّ تذهب إلى المحكمة للمطالبة بالسداد بالكامل، لتجني عوائد خيالية إذا فازت.

في واحدة من الحالات البارزة، أصدرت دولة بيرو دينا في عام 1983 أعيدت هيكلته في هيئة "سندات برادي" مقومة بالدولار في عام 1996. بعد شرائه لبعض الدين السابق الصادر في عام 1983، رفض صندوق التحوط الأميركي إليوت مانجمنت إعادة الهيكلة، وأقنع المحاكم في نيويورك وبروكسل بأنَّ فقرة "على قدم المساواة" المعيارية الواردة في عقد الدين تعني أنَّ بيرو يجب أن تسدد الدين السابق وفقاً لذات الشروط الواردة في سندات برادي. ولتجنُّب عجز جديد عن السداد، اضطرت بيرو إلى دفع القيمة الكاملة لسنداتها المتعثرة، إضافة إلى الفائدة لصندوق التحوط.

في واقعة أخرى، أصدرت الأرجنتين دينا في عام 1998 كان مستحقاً في عام 2005، ثمَّ عجزت عن السداد وأعادت جدولة الدين. وعلى أمل الاحتفاظ بقدرتها على الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية، سدَّدت الأرجنتين المدفوعات المقررة على دينها الجديد. لكن شركة NML Capital ــ وهي شركة تابعة لصندوق إليوت، رفضت إعادة الجدولة وأقنعت أحد القضاة بالحكم بأنه إذا لم تسدد الأرجنتين لشركة NML فإنها لا يجوز لها أن تسدد لأي جهة أخرى. ولعجزها عن القيام بذلك، تخلفت الأرجنتين عن السداد مرة أخرى في عام 2014.

لنتأمل الآن محنة دولة افتراضية اقترضت في تسعينيات القرن العشرين، ثمَّ تعرضت لظروف عصيبة، ولم تتمكَّن من سداد ديونها المستحقة. وكان الدائنون الرسميون على استعداد لإقراضها، لكنهم أوضحوا أنَّ قروضهم لا يجوز استخدامها لإنقاذ مقرضين سابقين. واضطرت هذه الدولة لإعادة هيكلة دينها، لكن التوصل إلى اتفاق بالإجماع بين الدائنين كان مستحيلا؛ إذ كان هناك ممتنعون، بعضهم ربما بشكل غير متعمد، لكن أحد الممتنعين ربما كان صندوق إليوت.

تُـرى ماذا كان ينبغي لهذه الدولة أن تفعل؟ إذا اشتبه دائنون آخرون في أنَّ الرافضين ربما يُـسَـدَّد دينهم بالكامل، فلن يتمَّ التوصُّل إلى أي صفقة؛ ولكن إذا لم يُـسَـدَّد الدين للرافضين، فربما تعاني الدولة من ذات المصير الذي انتهت إليه بيرو أو الأرجنتين. من المؤكد أنَّ كل هذا يمكن تجنبه إذا اشتملت عقود الديون السيادية على فقرات عمل جماعي أقوى لتسهيل مفاوضات إعادة الهيكلة من خلال إلزام جميع الدائنين بتصويت الأغلبية المؤهلة، وبالتالي منع الرافضين من مقاضاة المدين في المحاكم.

في عام 2014، عقب الوقائع الموضحة أعلاه، نشرت رابطة أسواق رأس المال الدولية ــ التي تمثل مجموعة من المصالح ــ عقوداً نموذجية مع فقرات العمل الجماعي التي تسمح بإعادة الهيكلة على أساس صوت واحد، وتوضح شرط المساواة لتجنب المشكلات التي واجهت بيرو والأرجنتين. كان هدف رابطة أسواق رأس المال الدولية التغلُّب على مشكلة الرافضين، وكان الخيار الأفضل المتاح لها يتمثَّل في نهج الطرف الواحد، الذي يسمح بحل إصدارات الديون المتعددة بتصويت واحد بأغلبية ساحقة. ومن ثَـمَّ، فقد تبنت الحكومات المدينة، وصندوق النقد الدولي، والدائنون جميعاً هذا الابتكار، الأمر الذي جعله المعيار لإصدارات الديون السيادية الجديدة (ولكل إصدارات الديون السيادية التابعة للاتحاد الأوروبي بعد عام 2022).

لكن الصناديق الانتهازية ليست الطرف الوحيد الذي يمكنه قراءة العقود بعناية. ففي مفاوضات إعادة هيكلة الديون هذا العام، استخدمت الأرجنتين البنود التعاقدية الثانوية لإطلاق "استراتيجية باك مان" (التي أسميت بهذا الاسم نسبة إلى اللعبة الكلاسيكية حيث يتعيَّن على البطل الذي تحمل اللعبة اسمه أن يلتقط النقاط الواحدة تلو الأخرى). وبصفتها دولة مدينة بإصدارات متعددة ولا يمكنها الحصول على الأغلبية الساحقة للحصول على نتيجة إيجابية على كل ديونها دفعة واحدة، استقرت الأرجنتين أولا على الدائنين الذين عرضوا عليها شروطا مواتية. بعد ذلك فقط عرضت الأرجنتين التصويت على جميع الدائنين، مما أدى إلى تحسين الشروط لصالح الدائنين الذين قبلوا التسوية بشكل طفيف، وتعزيز فرص الأرجنتين بالتالي للحصول على أغلبية ساحقة على إجمالي إصداراتها من الدين.

بدلاً من ذلك، بعد التصويت الأول، يعيد المدين تخصيص القدر الكافي من الإصدارات على أنها ليست جزءاً من التصويت الأول لتحقيق أغلبية ساحقة مع البقية. ثمَّ يتوصَّل إلى تسوية مع حاملي هذه الإصدارات، ويعرض عليهم شروطاً أفضل قليلاً، ثمَّ يعقد تصويتاً جديداً مع كل الإصدارات.

كيف يمكننا تجنُّب مثل هذه الخدع في المستقبل؟ حتى لو عززنا الإطار التعاقدي، فسوف تظلُّ عقود الدين غير مكتملة دائماً، مع وجود ثغرات يستطيع المدينون والدائنون الماكرون العثور عليها واستغلالها. وعلى هذا فإنَّ حلَّ الديون السيادية يستدعي التدخل الرسمي في هيئة آلية لإعادة هيكلة الديون السيادية، وهي هيئة مستقلة تعمل على تعليق المدفوعات أثناء الإجراءات، وحماية المدينين من عقوبات الدائنين، والسماح للحكومات المدينة بالحصول على تمويل جديد. ومن الأهمية بمكان أيضاً أن تقوم بحماية مصالح الدائنين، من خلال استبعاد أساليب مثل "باك مان" واستراتيجيات إعادة التخصيص. أخيراً، تظلُّ الحاجة قائمة إلى وجود آلية ما لإلزام كل الدائنين بمجرد قبول أغلبية مؤهلة من الدائنين لصفقة ما، كما حاولت رابطة أسواق رأس المال الدولية أن تفعل مع فقرات العمل الجماعي النموذجية الجديدة التي تبنتها.

في نهاية المطاف، لا يوجد اختيار بسيط بين القواعد وحسن التقدير. بل نحن في احتياج إلى قواعد قوية ومراجعة نهائية لتقدير آلية إعادة هيكلة الديون السيادية، والتي يمكن إدارتها من قِـبَـل صندوق النقد الدولي، أو بنك التسويات الدولية، أو بإنشاء كيان جديد خصيصاً لهذا الغرض. الآن حان الوقت لتجاوز فكرة السفن الحربية إلى الأبد.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

ويليم هـ. بيوتر أستاذ الشؤون الدولية والعامة الزائر في جامعة كولومبيا. آن سيبرت أستاذ علوم الاقتصاد في كلية بيركبيك، جامعة لندن.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org