إنقاذ جيل الجائحة
أبي أحمد، جوردون براون
أديس أبابا/لندن ــ ثمة فكرة تتردد مراراً وتكراراً حول مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) باعتباره أداة عظيمة لتحقيق المساواة، والحق أنَّ هذه الفكرة مجرد خرافة. فلا توجد مساواة في المعاناة أو التضحية في ظل جائحة تُلحق الأذى بأشد السكان فقراً وضعفاً أكثر من غيرهم.
في حين أضرت حالة الطوارئ الصحية بالفقراء المسنين أكثر من غيرهم، فإنَّ أزمة التعليم غير المسبوقة التي تفرضها الجائحة تضرُّ الآن بأشد الأطفال فقراً، وتخلق جيلاً محروماً من فرصة التعلم. حيث أجبرت عمليات الإغلاق، وغيرها من قواعد التباعد الاجتماعي، المدارس في جميع أنحاء العالم على إغلاق أبوابها، مما أثَّر فيما يقرب من 1.6 مليارات طفل. ولكن في حين تمكن الأطفال الأغنياء من إيجاد بدائل، مثل التعلم عبر الإنترنت، لا تتوافر مثل هذه البدائل لدى الطلاب الأشد فقراً. ونتيجة لذلك، ازداد تخلُّف الأطفال الأقل حظاً في العالم - الذين يوفِّر لهم التعليم طريق الهروب الوحيد من الفقر - عن الركب، مما جعل الهدف الرابع للتنمية المستدامة (SDG 4)، المتمثل في ضمان تعليم جيد ومنصف وشامل للجميع بحلول عام 2030، أكثر بعداً عن متناولهم.
في الواقع، كان العالم قاصراً عن بلوغ هذا الهدف حتى قبل اندلاع الجائحة. فعلى الصعيد العالمي، كان ما يقرب من 260 مليون طفل غير ملتحقين بمدارس، وتسرب 400 مليون طالب من التعليم بعد سن 11 عاماً. وفي بعض المناطق، مثل المناطق الريفية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لم يُكمل سوى عدد قليل من الفتيات تعليمهن الثانوي، وخاصة بسبب انتشار زواج الأطفال على نطاق واسع. كما يفتقر ما يقرب من 50 دولة إلى وجود قوانين تحظر زواج الأطفال، بينما تفشل العديد من الدول الأخرى في تنفيذ هذه القوانين. ونتيجة لذلك، تتعرَّض للزواج القسري نحو 12 مليون فتاة في سن الدراسة كل عام.
عندما تُفتَح المدارس من جديد، من المحتمل بشكل كبير ألا يعود الكثير من الأطفال الفقراء إلى الدراسة مرة أخرى. ويرجع ذلك إلى أنَّ الفقر هو السبب الأكبر لعدم التحاق الأطفال بالمدارس، ولأنَّ التداعيات الاقتصادية لأزمة كوفيد-19 ستدوم لمدة أطول بكثير مقارنة بعمليات الإغلاق، خاصة بالنسبة إلى الأفراد الأشد فقراً.
النتيجة المحتملة هي دفع المزيد من الأطفال إلى صفوف الـ 152 مليون طفل في سن الدراسة المجبرين على العمل، حيث لم تصادق 14 دولة على اتفاقية الحد الأدنى لسن الالتحاق بالعمل التي وضعتها منظمة العمل الدولية. كما ستُجبر المزيد من الفتيات على الزواج المبكر. ففي السابق، عندما أدى وباء إيبولا في غرب إفريقيا، الذي بدأ في عام 2014، إلى إغلاق المدارس في سيراليون، تضاعفت نسبة الفتيات الحوامل أو الأمهات بالفعل اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً، حيث ارتفعت من 30٪ إلى 65٪. وبطبيعة الحال، لم يعُد معظم هؤلاء الفتيات إلى المدرسة.
مع تطبيق السياسات المناسبة، ستبدأ الاقتصادات في التعافي، وستُعاد الوظائف ببطء، وستخفف سياسات الحماية الاجتماعية من وطأة فقر العاطلين عن العمل. ولكن لا توجد حماية كافية ضد آثار ضياع فرص التعليم، والتي يمكن أن تستمر مدى الحياة.
في الوضع الراهن، يظل أكثر من نصف أطفال العالم - نحو 900 مليون فتى وفتاة - غير قادرين على قراءة نصٍّ بسيطٍ في سن العاشرة، أي 900 مليون طفل لا يحصلون على المعرفة والمهارات اللازمة لتحسين وضعهم الاقتصادي عند وصولهم سن الرشد. إذا لم نفعل شيئاً لمساعدة "جيل الجائحة" على تعويض الوقت الضائع، فقد يقترب هذا الرقم بسهولة من مليار أو أكثر. فعندما أغلقت المدارس في كشمير لمدة 14 أسبوعاً في أعقاب زلزال 2005 المدمر، خسر الأطفال الأكثر تضرراً ما يعادل 1.5 سنوات من التعليم.
كما يفيد التقرير العالمي لرصد التعليم الذي صدر أخيراً عن اليونسكو، فإنَّ الأطفال الذين تخلفوا عن الركب بحاجة إلى نوع من البرامج التكميلية مثل تلك المطبقة في أميركا اللاتينية منذ التسعينيات، والتي زادت من التحصيل التعليمي لمدة تصل إلى 18 شهراً. لكن الدعم المطلوب سيكلف الكثير من المال. وما لم نسد فجوة تمويل التعليم، فسيبقى الهدف الرابع للتنمية المستدامة بعيد المنال.
تشير تقديرات اليونسكو إلى أنه قبل أزمة كوفيد-19، فشلت 50 دولة في إنفاق الحد الأدنى الموصى به، وهو 4٪ من الدخل القومي أو 15٪ من الميزانية العامة، على التعليم. وفي الواقع، فإنَّ عدم كفاية التمويل الذي توفِّره الحكومات والجهات المانحة يعني أنَّ عدداً كبيراً من مجموع 30 مليون طفل لاجئ ومشرد قسرياً سيتجاوزون سن الدراسة دون أن تطأ أقدامهم فصلاً دراسياً، على الرغم من جهود مبادرات مثل "التعليم لا يمكن أن ينتظر" ومجموعات أخرى.
في الوقت الحالي، من المنتظر أن تضغط الجائحة على ميزانيات التعليم بشكل أكبر. فنظراً لتسبب النمو البطيء أو السلبي في تقويض عائدات الضرائب، ستقل الأموال الموجهة إلى الخدمات العامة. وعند توزيع تمويلات محدودة، تُمنح الأولوية للإنفاق العاجل والمنقذ للأرواح على شبكات الأمان الصحية والاجتماعية، مما يترك نظام التعليم دون تمويل كافٍ.
وبالمثل، سيؤدي ازدياد حدة الضغوط المالية في البلدان المتقدمة إلى تخفيض المساعدات الإنمائية الدولية، بما في ذلك المساعدات المقدمة لدعم نظم التعليم، التي تخسر بالفعل أمام أولويات أخرى في سياق توزيع المساعدة الثنائية والمتعددة الأطراف. حيث يقدر البنك الدولي الآن أنه من الممكن أن يقل الإنفاق على التعليم العام في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل خلال العام المقبل بنحو 100-150 مليار دولار عما كان مخطَّطاً له سابقاً.
الحق أنَّ أزمة التمويل هذه لن تُـحَـلَّ من تلقاء ذاتها. تتلخص أسرع طريقة لتحرير الموارد لدعم النظم التعليمية في تخفيف عبء الديون. حيث يجب على أفقر 76 دولة أن تدفع ما مجموعه 106 مليارات دولار من تكاليف خدمة الديون خلال العامين المقبلين. وينبغي للدائنين أن يتغاضوا عن هذه المدفوعات، بشرط إعادة تخصيص الأموال للتعليم، والصحة كذلك.
في الوقت ذاته، يجب على المؤسَّسات المالية المتعددة الأطراف والمصارف الإنمائية الإقليمية أن تزيد من مواردها. وينبغي لصندوق النقد الدولي إصدار 1.2 تريليون دولار من حقوق السحب الخاصة (الأصول الاحتياطية العالمية التي يصدرها الصندوق)، وتوجيه هذه الموارد نحو البلدان الأكثر احتياجاً إليها.
من جانبه، ينبغي للبنك الدولي أن يتيح المزيد من الدعم من خلال تجديد موارد مؤسَّسة التنمية الدولية (أو الاقتراض من قوتها) لصالح البلدان المنخفضة الدخل، والاستعانة بضمانات وإعانات من الجهات المانحة الراغبة، مثل هولندا والمملكة المتحدة، التي تقف على أهبة الاستعداد لإتاحة المليارات بهدف توفير تمويل إضافي للتعليم في البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض من خلال مرفق التمويل الدولي للتعليم.
في الأيام القليلة القادمة، ستبدأ كلٌّ من المنظمات غير الحكومية وجميع منظمات التعليم الدولية في إطلاق حملات "العودة إلى المدرسة". حيث تدعو حملة "أنقذوا مستقبلناSave Our Future"، وهي حملة جديدة من المقرر إطلاقها في أواخر يوليو، إلى إعادة البناء بشكل أفضل، بدلاً من استعادة الوضع الذي كان قائماً قبل اندلاع الجائحة. وهذا يعني تحديث الفصول الدراسية، وتعديل المناهج، وتطبيق تقنيات تعليمية فعّالة، ومساعدة المعلمين على تقديم دروس تعليمية مخصَّصة. ولا شكَّ أنَّ تهيئة المدارس، بحيث تصبح أكثر أماناً (يفتقر أكثر من 620 مليون طفل إلى وجود خدمات الصرف الصحي الأساسية في مدارسهم، مما يؤثر بشكل خاص في الفتيات)، إضافة إلى ضمان توفير الوجبات المدرسية (التي تعدُّ بمثابة شريان حياة بالنسبة إلى 370 مليون فتى وفتاة)، هي إجراءات ستخفِّف أيضاً من حدة آثار الفقر وتحسُّن النتائج التعليمية. ومن المتوقع أن تُضيف هيئة إنقاذ الطفولة إلى الضغط في هذا الصدد من خلال حملتها الشعبية الخاصة التي تركز على تخفيف أعباء الديون لتغطية تكاليف التعليم.
لكن في الواقع، لا يمثل الاستثمار في المدارس سوى جزءاً من الحل. في سيراليون، خفضت شبكات الدعم الموجهة إلى الفتيات معدل التسرُّب إلى النصف خلال أزمة وباء إيبولا. وفي دول أميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، أدَّى تقديم تحويلات نقدية مشروطة إلى زيادة نسبة الحضور بالمدارس. ويدعو أحدث تقرير عالمي لرصد التعليم إلى تطبيق برامج مماثلة اليوم.
لا شكَّ أنَّ جيل الجائحة تعرَّض لمعاناة كبيرة بالفعل. وحان الوقت لأن يمنح المجتمع الدولي الأطفال الفرص التي يستحقونها. فحتى في خضم مواجهتنا لتحديات هائلة وعاجلة، لا نزال ملتزمين بدعم جيلنا، لكي يصبح الجيل الأول في التاريخ الذي يلتحق فيه كل طفل بمدرسة ويتلقى تعليماً. وينبغي للحكومات الوطنية والمجتمع الدولي الآن تعزيز الجهود الجماعية في سبيل تحقيق هذا الهدف.
ترجمة: معاذ حجاج Translated by: Moaaz Hagag
أبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، وحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2019. جوردون براون، رئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص لشؤون التعليم العالمي، ورئيس اللجنة الدولية المعنية بتمويل فرص التعليم العالمي.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org