اغتنام الفُرصة لتعزيز الصحة العامة
جانا ريمس وكاثرين لينزر
سان فرانسيسكو - لقد تسبَّب وباء كوفيد 19 وتداعياته في تدمير المجتمعات والاقتصادات في جميع أنحاء العالم. ويبدو أنَّ وباء كوفيد 19 الذي لم يتجاوز ستة أشهر منذ ظهوره أول مرة يُعدُّ الآن أغلى مرض في التاريخ، حيث كلف الاقتصاد العالمي ما يقدر بنحو 3-8٪ من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام وحده.
لكن التكاليف المُزمنة المُترتبة على سوء الأنظمة الصحية أعلى بكثير، وإن كانت أقل وضوحاً. وفقاً لتقرير جديد صادر عن معهد ماكينزي العالمي، نقدر أنَّ سوء الحالة الصحية يسهم في خفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 15 ٪ سنوياً - نحو ضعف التأثير السلبي المحتمل للوباء في عام 2020 - نتيجة للوفيات المُبكرة والظروف الصحية التي تُضعف قدرة الناس على المشاركة الكاملة في المجتمع والاقتصاد.
الخبر السار هو أنَّ الأدوات التي نحتاجها لمعالجة هذه المشكلة أصبحت مُتاحة. لذلك يقترح تقريرنا بذل جهود أكبر في المستقبل لتعزيز صحة أفضل ونمو اقتصادي أسرع، بتكاليف إضافية ضئيلة أو بدون أي تكاليف على الإطلاق.
من أجل تحقيق نتائج صحية أفضل، يمكن للحكومات ومقدمي الرعاية الصحية والشركات والأفراد التركيز على الوقاية واستخدام التدابير القائمة على نطاق أوسع. في البحث الذي أجريناه، قمنا بدراسة التحديات الصحية التي تُواجه نحو 200 دولة. وجدنا أنَّ تنفيذ التدخلات المعروفة - مثل برامج الصرف الصحي العامة والإجراءات الجراحية لعلاج الأمراض مثل إعتام عدسة العين والأزمات القلبية وتوسيع نطاق الوصول إلى الرعاية الأولية - يمكن أن يقلل من عبء الأمراض العالمية بنسبة 40٪ على مدى 20 عاماً وبنسبة 47٪ في البلدان المنخفضة الدخل.
من شأن خفض هذه النسبة أن يُحقِّق فوائد هائلة. على سبيل المثال، يمكن أن يكون الشخص الذي يبلغ 65 عاماً في عام 2040 بصحة جيدة مثل الشخص الذي يبلغ من العمر 55 عاماً اليوم، كما ستعرف معدلات وفيات الرضع انخفاضاً بنسبة 65٪، وستضيق فجوة عدم المساواة الصحية، وسيعيش 230 مليون شخص آخر بحلول عام 2040.
تُعدُّ الوقاية عُنصراً فعالاً للحد من عبء المرض. وجدنا أيضاً أنه بإمكاننا تحقيق 70٪ من الفوائد الصحية من خلال ضمان بيئات أنظف وأكثر أماناً وسلوكيات أكثر صحة (بما في ذلك عن طريق معالجة العوامل الاجتماعية الكامنة وراءها) والفحوصات الطبية المنتظمة وتحسين القدرة على الوصول إلى اللقاحات.
تُعدُّ الوقاية من مرض السكري من خلال التغييرات في الأنظمة الغذائية والأنشطة البدنية من بين التدابير الأكثر فاعلية في هذا الصدد، في حين قد يكون معالجة مشكلات السلامة الطرقية وتلوث الهواء وتعاطي المخدرات أيضاً أمراً بالغ الأهمية، اعتماداً على البلد. وتشمل التدخلات الأخرى التي تُحدث فرقاً تلك التي تستهدف أمراض القلب والأوعية الدموية، وتحصين الأطفال، ولقاحات الأنفلونزا للبالغين.
ستأتي النسبة المُتبقية من الفوائد والتي تبلغ 30٪ من التدخلات العلاجية، مثل العلاجات المتعددة الوسائط لآلام أسفل الظهر والصداع النصفي ومشكلات الصحة النفسية. غالباً ما تجمع هذه الأساليب بين التعليم والدعم النفسي والعلاج الطبيعي والأدوية.
قد يساعد التركيز على الوقاية أيضاً في زيادة قدرة السكان على الصمود في وجه الأزمات الصحية مثل الأوبئة والتغيرات المناخية. في الواقع، هناك حاجة ماسة لإدخال مثل هذه التحسينات: فقد كانت معدلات الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا المُستجد أعلى بكثير بين الأشخاص الذين يعانون من أمراض مُزمنة مثل السمنة وأمراض القلب.
والأهم من ذلك أنَّ العالم سيُحقق فوائد اقتصادية مع ازدهار الأشخاص الأصحاء، وتوسيع فرص العمل وزيادة الإنتاجية. وفقاً لتقديراتنا فإنَّ تحسين الصحة العامة يمكن أن يُضيف 12 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2040، مما يمثل زيادة بنسبة 8٪ - أو 0.4 نقطة مئوية من النمو الإضافي سنوياً. من شأن هذه المكاسب أن تساعد الاقتصاد العالمي على التعافي من تأثير جائحة كوفيد 19 ومواجهة الرياح المُعاكسة الديموغرافية طويلة المدى الناشئة عن شيخوخة السكان.
هناك ميزة أخرى: يمكن للتركيز على التدخلات الصحية المؤكدة تحقيق فوائد اقتصادية إضافية تُعادل 2-4 دولارات لكل دولار مُستثمَر. في البلدان ذات الدخل المرتفع، يمكن التعويض عن تكاليف التنفيذ من خلال مكاسب الإنتاجية في تقديم الرعاية الصحية. لكن الاقتصادات الناشئة قد تحتاج إلى تعزيز بنيتها التحتية الصحية لتحقيق فوائد مماثلة.
إنَّ عملية تحويل النُظم الصحية تُشكِّل تحدياً هائلاً، كما أثبتت جهود الإصلاح السابقة. لكن استجابات الصحة العامة لأزمة وباء كوفيد 19 أظهرت أن التغيير السريع ممكن عندما يتطلب الوضع ذلك.
على سبيل المثال، أعادت المستشفيات النظر في تدفقات المرضى والموظفين في عنابر مرضى فيروس كورونا المُستجد، في حين انتقل الأطباء والمرضى بسرعة إلى الاستشارات الصحية عن بُعد. كانت سرعة الابتكارات الطبية ومستوى التعاون العالمي في مجال البحث والتطوير غير مسبوقة. وبالمثل، يعمل الناس في مختلف أنحاء العالم على تغيير سلوكهم للحد من انتشار الفيروس التاجي، بما في ذلك عن طريق ارتداء الكمامات الواقية وغسل اليدين بشكل متكرر وتقليل التفاعلات المُباشرة.
وفقاً للأبحاث التي قمنا بإجرائها، لم يعد هناك أدنى شك في أنَّ تحسين الصحة العامة باستخدام الأدوات المُتاحة يمكن أن يُسهم في إحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية. والواقع أنَّ قلة من الاستثمارات تعمل على تعزيز الرفاه والحد من عدم المساواة بشكل فعّال، مع تحقيق فوائد اقتصادية عالية. تتيح لنا مواجهة الوباء فرصة مرة واحدة في الجيل لاتخاذ الخطوات اللازمة لتعزيز الصحة والرخاء على نطاق واسع على المدى الطويل. لا ينبغي لنا تضييع هذه الفرصة.
جانا ريميس هي شريكة في معهد ماكينزي العالمي في سان فرانسيسكو. كاثرين لينزر هي شريكة في شركة ماكينزي وشركاه في شيكاغو.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org