إجراء تجارب تحدي البشرية للقضاء على كوفيد-19

بيتر سينجر وإسحاق مارتينيز

ملبورن/ لوس أنجليس- نشرت مجموعة الدفاع عن اللقاحات، 1 Day Sooner، الشهر الماضي، رسالة مفتوحة تخاطب فيها فرانسيس كولينز، مدير المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة، وتحث فيها المنظمين على إعطاء الضوء الأخضر للانطلاق تجارب لقاح "التحدي البشري"، والشروع في التحضير لها، من أجل إنهاء وباء كوفيد-19 في أقرب وقت ممكن. وفي هذه التجارب، سيُحقن المتطوعون المطلعون تمام الاطلاع بهذه التجربة، بلقاحات محتملة (أو باستخدام دواء وهمي)، ثمَّ يواجهون بعد ذلك "تحدي" تعريضهم المتعمَّد لـسارس-كوف-2، الفيروس الذي يسبب كوفيد-19.

وفي وقت لاحق من هذا الشهر، سترسل رسالة مماثلة إلى رؤساء الإدارات الصحية الحكومية في العديد من البلدان حيث تجرى أبحاث لقاح كوفيد-19، وإلى كيفا باين، رئيسة جمعية الصحة العالمية، هيئة صنع القرار في منظمة الصحة العالمية.

وفي اليوم الذي تمَّ فيه إرسال الرسالة المفتوحة إلى كولينز، صرح أدريان هيل، مدير معهد جينر في جامعة أكسفورد، وأحد الموقعين على الرسالة، أنه يعتقد أنَّ تجارب التحدي البشري يجب أن تكون "قابلة للتطبيق ومفيدة" في الأشهر القادمة. ويعدُّ معهد جينر من بين المعاهد التي تقود الجهود الرامية لتطوير لقاح ضد سارس-كوف-2، وهذا هو إعلان من مطور يدعم تجارب التحدي البشري.

وفي مايو/أيار، قالت مجموعة عمل منظمة الصحة العالمية المعنية بالإرشاد بشأن دراسات التحدي البشري في مجال كوفيد-19، إن مثل هذه التجارب ستكون "أسرع إلى حد كبير" من التجارب الميدانية القياسية، حيث يجب على الباحثين الانتظار حتى يتمَّ عرض عدد كافٍ من المواضيع التجريبية قبل أن يتمكنوا من إظهار ما إذا كان اللقاح فعالاً. ويمكن أن يعني التأخير في الحصول على لقاح مئات الآلاف من الوفيات الإضافية، وأشهرًا أخرى من عمليات الإغلاق، وارتفاع معدلات البطالة، وفي العديد من البلدان، ملايين الأشخاص بدون ما يكفي من الطعام.

وقد وقع على الرسالة خمسة عشر حائزًا على جائزة نوبل، وأكثر من 50 فيلسوفاً محترفاً، والعديد من المثقفين البارزين الآخرين. إنَّ مشاركة هذا العدد الكبير من الفلاسفة- بما في ذلك أولئك الذين يتخذون في كثير من الأحيان نهجاً يتعارض مع الأخلاق، وبالكاد يتفقون على أي شيء آخر- أمر ملحوظ. ولا يدخل كل ما تثيره تجارب التحدي ضمن مجال خبرة العلماء. إذ يدرس الفلاسفة، أو على وجه التحديد علماء الأخلاق الحيوية، أخلاقيات البحث، وهو مجال تطرح فيه أسئلة حول جواز تجارب التحدي أخلاقياً. إنهم يعتمدون على المعلومات التي يقدمها العلماء في أفكارهم ونقاشاتهم الأخلاقية، وفي النهاية يصدرون الحكم.

ولا يمكننا التحدث عن جميع الفلاسفة الذين وقعوا على الرسالة المفتوحة، ولكن في رأينا يجب السماح للمتطوعين المطلعين تمام الاطلاع بما سيخضعون له بالدخول في تجربة يحتمل أن تكون خطيرة، ومن شأنها أن تقلل من الوقت اللازم لتوفير لقاح فعال لكل شخص يمكن أن يتعرض لسارس -كوف-2. وإلا فإنَّ الفيروس سيستمر في فرض مستويات أعلى بكثير من المخاطر على الأشخاص الآخرين، وخاصة العاملين في مجال الرعاية الصحية، وكبار السن، والأشخاص الذين يعانون من اعتلالات صحية أساسية تقلل من فرصهم في البقاء على قيد الحياة.

ويجب أن نكون متسقين في مواقفنا من المخاطر. وفي مجالات أخرى من الحياة، نعتقد أنه من الجدير بالثناء أن يخاطر الناس بحياتهم (حتى بما هو بسيط) لإنقاذ الآخرين. إنَّ واحداً من كل 3300 متبرع بالكلى يواجه خطر الموت بسبب التبرع، ولكن هذا الخطر لا يؤدي بنا إلى حظر التبرع بالكلى. إنَّ احتمال وفاة متطوع شاب يتمتع بصحة جيدة بعد خضوعه لتجربة التحدي، سيكون أقل من واحد في 10000.

وتقود طريقة التفكير هذه العديد من علماء الأخلاق إلى استنتاج أنه لا ينبغي لنا منع الشباب والأصحاء من التطوع للخضوع لتجربة التحدي. بل على العكس، يجب أن نثني عليهم لأنهم يخاطرون بسلامتهم من أجل إنقاذ الآخرين.

صحيح أن مخاطر التعرض لـكوفيد-19 ليست معروفة تمامًا مثل مخاطر التبرع بالكلى. ومع ذلك، طالما أنَّ المتطوعين يفهمون هذا الشك، فقد قرَّر العديد من علماء الأخلاق أنَّ المخاطر مقبولة. وقد نقارنها بتلك التي يواجهها المتطوعون المشاركون في عملية إنقاذ خطيرة- على سبيل المثال، المهمة التي أفرجت عن اثنين من عمال المناجم المحاصرين في منجم الذهب بيكونسفيلد في تسمانيا، في عام 2006. ولم يعرف المنقذون الاحتمالات الدقيقة بشأن حدوث ضرر شديد أو الموت، ولكنهم جازفوا على أي حال، و كرموا على أنهم أبطال.

ولا يتطلب الأمر سوى عدد قليل من الشجعان لإنقاذ عمال المناجم المحاصرين. ولكن من أجل تجارب اللقاحات الصالحة إحصائيًّا، نحتاج إلى مئات أو حتى آلاف المتطوعين. ولحسن الحظ، قام بالفعل أكثر من 30.000 شخص من 140 دولة بالتسجيل في لائحة المتطوعين للخضوع لتجارب تحدي فيروس كورونا. وينبغي لنا جميعاً أن نرحب باستعدادهم لمساعدتنا على الخروج من أسوأ أزمة صحية شهدها العالم منذ قرن.

ترجمة: نعيمة أبروش  Translated by Naaima Abarouch

يشغل بيتر سِـنغر منصب أستاذ أخلاق الطب الحيوي بجامعة برينستون، وهو مؤسس المؤسسة الخيرية The Life You Can Save "الحياة التي يمكنك إنقاذها".وتشمل كتبه تحرير الحيوان، والأخلاق العملية، والحياة التي يمكنك إنقاذها، وأفضل ما يمكنك فعله.وإسحاق مارتينيز، هو من خريجي جامعة برينستون عام 2020، حيث درس الفلسفة الأخلاقية، ومتطوع في تجربة التحدي، ومدير مشروع في منظمة 1Day Sooner.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org