أخلاقيات إعطاء الأولوية للتطعيم ضد فيروس كوفيد –19

بيتر سينغر

ملبورن- الآن بعد أن تمَّ طرح لقاحات كوفيد-19، يحاول صنّاع السياسات جاهدين الإجابة عن السؤال المتعلق بكيفية توزيع تلك اللقاحات بسرعة وبالتساوي. لقد كان هناك اتفاق على نطاق واسع بأنه يجب أولاً تطعيم العاملين في القطاع الصحي؛ لأنهم مطالبين بإنقاذ حياة الناس الذين أصابهم المرض بسبب الفيروس، ولكن اتخاذ قرار فيما يتعلَّق بالأشخاص الذين يجب تطعيمهم بعد العاملين في القطاع الصحي يثير الكثير من الجدل.

من الحقائق ذات الصلة هنا هو أنَّ خطر الوفاة من كوفيد-19 أعلى بالنسبة للأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عام مقارنة بالأشخاص الأصغر سناً، وحتى إن هناك خطراً أعلى بالنسبة للأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 75 عاماً.

هناك حقيقة أخرى ذات صلة، وهي في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى، حيث إن متوسط العمر المتوقع لأفراد الأقليات العرقية المحرومين هو أقل من المعدل، وعليه فإنَّ تمثيلهم أقل ضمن فئة الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً. وهذا يعني أننا لو أعطينا الأولوية للناس الأكبر سناً فإنَّ نسبة أفراد تلك الأقليات ضمن تلك الفئة ستكون أقل من نسبتهم في المجتمع ككل، وعلى ضوء العديد من السلبيات التي تواجه أفراد تلك الأقليات بالفعل، فإنَّ هذا لا يبدو عادلاً.

يبدو أن هذا الشعور بالظلم كان وراء اقتراح كاثلين دولنغ، مسؤولة صحة عامة في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الأمريكية، بوجوب اتباع نهج جديد، حيث جادلت في العرض الذي قدمته للجنة الاستشارية لممارسات التطعيم التابعة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن "العمال الأساسيين"- وهم عبارة عن مجموعة تضمُّ نحو 87 مليون شخص- يجب أن يتمَّ تطعيمهم قبل الأمريكيين الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً وتصل أعدادهم إلى 53 مليون شخص، وعلى الرغم من أنَّ ذلك قد يؤدي إلى زيادة في الوفيات بنسبة بين 0،5% و6،5%. (هذا النطاق الواسع بين تلك النسب يعكس حقيقة مفادها أننا لا نعرف بعد ما إذا كانت اللقاحات فقط للوقاية من كوفيد-19 أم إنها تحمي الناس من الإصابة ونقل فيروس سارس-كوف -2 الذي يتسبَّب بكوفيد -19).

إنَّ سياسة جعل كبار السن من الأمريكيين ينتظرون لوقت أطول لتلقي اللقاح على أساس أنهم بيض بشكل غير متناسب سوف تؤدي إلى التضحية بالأرواح من أجل تجنُّب عدم المساواة بإعطاء الأولوية لمجموعة لا يوجد فيها تمثيل كافٍ للأقليات العرقية، ولكن هذا ليس كلُّ شيء؛ فالتمثيل الناقص لتلك الأقليات بين الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً يعدُّ محدوداً مقارنة بالنسبة المرتفعة للوفيات بسبب كوفيد -19 بين الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً. وكما أشار عدة معلقين ومن بينهم ماثيو إيغليسياس وياشا مونك، فإنَّ إعطاء الأفضلية للعمال الأساسيين سوف يؤدي كذلك إلى المزيد من الوفيات ضمن الأقليات العرقية التي من المفترض أن تتلقى معاملة فيها مساواة أكبر.

لقد رفضت اللجنة الاستشارية لممارسات التطعيم التابعة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الاقتراح بأن يتم إعطاء الأولوية لجميع "العمال الأساسيين"، وعوضاً عن ذلك قلَّصت المجموعة إلى نحو 30 مليون من "العاملين الأساسيين في الخط الأمامي" مثل عمال الطوارئ والمعلمين والعاملين في محلات البقالة، وإضافة إلى ذلك أوصت بأن يكون للأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 75 عاماً نفس الأولوية.

إن هذه التوصيات هي بمثابة حل وسط بين إعطاء الأولوية للأشخاص الأكثر عرضة للخطر، وإعطاء الأولوية لجميع العاملين الأساسيين سواء أكانوا في الخط الأمامي أم لا. من الواضح أهمية الإبقاء على أولئك الذين يعدون بحقٍّ عمالاً أساسيين في الخط الأمامي سالمين وفي أعمالهم. إن إعطاء مستوى مماثل من الأولوية للأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 75 عاماً يعني أن أعداداً أقل من الناس بالمجمل، وأعداداً أقل من الأقليات المحرومة سوف يموتون من الفيروس.

إن توصيات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ليست ملزمة، حيث يجب على الولايات مراجعتها وتنقيحها، وذلك من أجل تقديم العلاج للأقليات المحرومة بشكل متساوٍ وإنقاذ المزيد من الأرواح. لقد قدّمت نغوزي ايزيكي، مديرة دائرة الصحة العامة في الينوي، الدليل على كيفية تحقيق ذلك في مناقشة طاولة مستديرة نظمتها صحيفة نيويورك تايمز أخيراً فيما يتعلق بتوزيع اللقاح. لقد أشارت نغوزي إلى وجود حالات طبية تختلف بشأنها الارشادات الطبية المتعلقة بتقديم العلاج إلى الأقليات العرقية عن الإرشادات الطبية المتعلقة بعلاج البيض.

المثال الذي قدمته نغوزي كان يتعلق بالفحص الطبي للكشف عن مرض سرطان البروستاتا، وقالت: "نظراً لأن المرض أكثر شيوعاً عند الرجال الأمريكيين من أصول إفريقية مقارنة بالرجال البيض، فإنَّ من المستحسن فحص الرجال من أصول إفريقية في سن ٍّمبكرة عن السن الموصى بها للرجال البيض. والهدف هو فحص كل شخص حسب مستوى الخطر، بحيث يكون الفحص مفيداً بالنسبة لذلك المستوى من الخطر.

لو أبقت الولايات المتحدة الأمريكية على الأولويات الحالية المتعلقة بالتطعيم وأضافت مبدأ المعاملة المتساوية للناس على مستوى مماثل من الخطر، فسيحتاج صنّاع السياسات إلى تقدير العمر الذي يتعرض فيه أفراد مجتمعات الأمريكيين من أصول إفريقية، والأمريكيين من أصول لاتينية، والأمريكيين الأصليين إلى نفس الخطر الذي يتعرض له الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 75 عاماً من الأمريكيين البيض أو الآسيويين، ومن ثمَّ وضع العرق بالاعتبار عند اتخاذ القرار فيما يتعلق بمن هو المؤهل وبأي عمر. لا يوجد لديَّ بيانات تتعلق بالفرق الذي سوف يحدثه ذلك، ولكنه قد يعني على سبيل المثال: أنَّ رجلاً أمريكياً من أصول إفريقية يبلغ من العمر 72 عاماً سيكون مؤهلاً، بينما رجل أبيض يبلغ من العمر 74 عاماً لن يكون مؤهلاً.

قد يعترض البعض على هذا النوع من العنصرية العكسية، ولكن هذه لا تعدُّ عنصرية؛ ففي غياب المزيد من الأدلة الفردية فإنه يتم استخدام العرق كمؤشر على الخطر من الفيروس. إن المبدأ التوجيهي لا ينصُّ على وجوب تطعيم أفراد الجماعات العرقية المختلفة بأعداد تتناسب مع نسبتهم في المجتمع ككل. وهذا ليس مهماً من الناحية الأخلاقية؛ فالهدف هو إنقاذ المزيد من الأرواح وهذا يجب أن يكون همنا الأول والأخير.

بيتر سينغر هو أستاذ أخلاقيات علم الأحياء في جامعة برينستون ومؤسِّس المنظمة غير الربحية "الحياة التي يمكنك إنقاذها". إن كتبه تشمل الأخلاقيات العملية وإعادة التفكير في الحياة والموت والأخلاقيات في العالم الحقيقي.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكت ،2021
www.project-syndicate.org