الاتحاد الأوروبي يجب أن يُـصـدِر سندات دائمة

جورج سوروس

نيويورك ــ أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن أوروبا ستحتاج إلى نحو تريليون يورو (1.1 تريليون دولار أميركي) لمكافحة جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19 COVID-19). ويمكن استخدام هذه الأموال لإنشاء صندوق للتعافي الأوروبي. ولكن من أين ستأتي الأموال؟

أقترح أن يقوم الاتحاد الأوروبي بجمع الأموال اللازمة لصندوق التعافي من خلال بيع "سندات دائمة"، والتي لا يلزم سداد أصل الدين الذي ينشئها (وإن كان من الممكن إعادة شرائها أو استردادها وفقاً لتقدير مُــصـدِرها). يجب أن يكون لتفويض هذه المسألة الأولوية الأولى لقمة المجلس الأوروبي المقبلة في الثالث والعشرين من إبريل/نيسان.

بطبيعة الحال، سيكون من غير المسبوق أن يصدر الاتحاد الأوروبي سندات دائمة، وخاصة بمثل هذا المبلغ الضخم. لكن حكومات أخرى اعتمدت على سندات دائمة في الماضي. والمثال الأكثر شهرة هنا هو بريطانيا، التي استخدمت السندات الموحدة (سندات دين الحكومة البريطانية الموحد) لتمويل الحروب النابليونية وسندات الحرب لتمويل الحرب العالمية الأولى. واستمر تداول هذه الإصدارات من السندات في لندن حتى عام 2015، عندما جرى استردادها. وفي سبعينيات القرن التاسع عشر، أذن الكونجرس الأميركي للخزانة بإصدار سندات دين حكومية لتوحيد السندات القائمة بالفعل، وجرى إصدارها في سنوات لاحقة.

يواجه الاتحاد الأوروبي حرباً لا تتكرَّر سوى مرة واحدة في العمر ضد فيروس يهدد ليس فقط حياة الناس، بل وأيضاً قدرة الاتحاد ذاته على البقاء. إذا بدأت البلدان الأعضاء تحمي حدودها الوطنية ضد حتى البلدان الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي، فإنَّ هذا من شأنه أن يدمر مبدأ التضامن الذي بُـني عليه الاتحاد.

بدلاً من ذلك، يتعيَّن على أوروبا اللجوء إلى تدابير غير عادية في التعامل مع وضع غير عادي يهدِّد جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي. ومن الممكن القيام بذلك دون خوف من تقديم سابقة ربما تبرر إصدار ديون مشتركة للاتحاد الأوروبي بمجرد استعادة الوضع الطبيعي. إنَّ إصدار سندات تحمل كامل إيمان وثقة الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يوفر التأييد السياسي للتدابير التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي بالفعل: فقد أزال عملياً جميع القيود المفروضة على برنامج شراء السندات.

تحمل السندات الدائمة ثلاث ميزات إضافية تجعلها مناسبة لهذه الظروف.

بادئ ذي بدء، لأنَّ السندات الدائمة ليست واجبة السداد أبداً، فإنها ستفرض عبئاً مالياً خفيفاً إلى حدٍّ مدهش على الاتحاد الأوروبي، على الرغم من القوة المالية الكبيرة التي ستعمل على تعبئتها. علاوة على ذلك، لن يضطر الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تمويلها عندما يحين موعدها، أو سداد مدفوعات استهلاك الدين، أو حتى تخصيص بعض الأموال (على سبيل المثال في صندوق استهلاك) لإعادة سدادها في نهاية المطاف.

لن يكون الاتحاد الأوروبي ملزماً بسداد فوائد منتظمة على هذه السندات. والسند الدائم بقيمة تريليون يورو مع قسيمة بنسبة 0.5% لن يكلف ميزانية الاتحاد الأوروبي سوى خمس مليارات يورو سنوياً. وهذا أقل من 3% من ميزانية الاتحاد الأوروبي لعام 2020.

الميزة الثانية فنية لكنها على ذات القدر من الأهمية؛ فقد لا تتمكَّن السوق من استيعاب إصدار بقيمة تريليون يورو دفعة واحدة. وبإصدار سند دائم، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يجمع هذا المبلغ على أقساط، دون أن يضطر إلى إنشاء سند جديد كل مرة.

تتمثل الميزة الثالثة في أنَّ السند الدائم الصادر عن الاتحاد الأوروبي سيشكِّل أصلاً شديد الجاذبية لبرامج شراء السندات التي يديرها البنك المركزي الأوروبي. ولأنَّ موعد استحقاق السند الدائم سيظل هو ذاته دائماً، فلن يكون الاتحاد الأوروبي ملزماً بإعادة موازنة محفظته.

ولا يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء أي آلية أو بنية جديدة لإصدار السندات، لأن الاتحاد الأوروبي أصدر سندات في الماضي. ويجب استخدام العائدات للاستثمار في المنح المرتبطة بمكافحة الجائحة. وسوف تقوم المفوضية الأوروبية بتوزيع الأموال إما بشكل مباشر وإما من خلال البلدان الأعضاء والمؤسَّسات الأخرى (مثل الحكومات البلدية) المشاركة بشكل مباشر في مكافحة جائحة كوفيد-19.

من الأهمية بمكان أن نعمل على جعل الانقطاع الناجم عن الجائحة مؤقتاً، لكن هذا لن يحدث إلا إذا اتخذ قادة أوروبا التدابير الاستثنائية اللازمة لتجنُّب إلحاق أضرار بعيدة الأمد بالاتحاد الأوروبي. هذا هو السبب وراء الحاجة الماسة إلى صندوق التعافي الأوروبي. وتمويله بسندات دائمة هو السبيل الأسهل والأسرع والأقل تكلفة لإنشائه.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

جورج سوروس مؤسِّس ورئيس مؤسسات المجتمع المفتوح، وأحدث مؤلفاته كتاب "في الدفاع عن المجتمع المفتوح" (الشؤون العامة، 2019).

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org