Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

الجائحة تبلغ أشد مراحلها غدراً

باري آيكنجرين

بيركلي ــ شهد شهر إبريل/نيسان المرحلة الأكثر دراماتيكية، وربما الأشد خطورة، من أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) في الولايات المتحدة. كانت الوفيات في ارتفاع، وتراكمت الجثث في شاحنات التبريد خارج المستشفيات في مدينة نيويورك، وكان المتوافر من أجهزة مساعدة التنفس ومعدات الوقاية الشخصية في نقص شديد. وكان الاقتصاد في سقوط حر، مع ارتفاع البطالة إلى 14.7%.

منذ ذلك الحين، تحسَّنت الإمدادات من المعدات الطبية والوقائية. وبات الأطباء يعرفون متى يحتاج المرضى إلى أجهزة مساعدة التنفس ومتى يستغنون عنها. وقد أدركنا أهمية حماية الفئات الضعيفة من السكان، بما في ذلك كبار السِّـن. والآن أصبح المصابون بالعدوى أصغر سناً في المتوسط، مما يقلل من عدد الوفيات. وبمساعدة من قانون "مكافحة فيروس كورونا ودعم جهود الإغاثة وتعزيز الأمن الاقتصادي"، استقر النشاط الاقتصادي، وإن كان عند مستويات أدنى.

أو هكذا يُـقـال لنا.

الواقع أنَّ المرحلة الأشد خطورة من الأزمة في الولايات المتحدة ربما تكون الآن، وليس الربيع الماضي. فعلى الرغم من تراجع معدلات الوفاة بين المصابين مع تحسن العلاج وتركز الإصابات بين أفراد مرحلة عمرية أكثر قدرة على تحمل المرض، لا تزال الوفيات تقرب من الألف يومياً. وهذا يماثل المستويات في بداية إبريل/نيسان، مما يعكس حقيقة مفادها أنَّ عدد الإصابات الجديدة عاد إلى الارتفاع إلى نصف مستوياته السابقة.

على أية حال، تمثل الوفيات جانباً واحداً فقط من حصيلة الخسائر الناجمة عن الفيروس. فلا يزال العديد من المرضى الناجين من كوفيد-19 يعانون من مشكلات مزمنة في القلب والأوعية الدموية وضعف في الوظائف العقلية. إذا كانت 40 ألف حالة يومياً هي الوضع المعتاد الجديد، فإنَّ العواقب المترتبة على ذلك فيما يتصل بانتشار المرض ــ وصحة الإنسان والرفاهة الاقتصادية ــ ستكون وخيمة حقاً.

سواء شئنا أم أبينا، هناك كل الدلائل التي تشير إلى أنَّ العديد من الأميركيين، أو على الأقل قادتهم الحاليين، على استعداد لقبول 40 ألف حالة إصابة جديدة وألف حالة وفاة يومياً. لقد اعتادوا على هذه الأعداد، ونـفـد صبرهم مع عمليات الإغلاق، حتى إنهم أضفوا طابعاً سياسياً على أقنعة الوقاية.

وهذه أيضاً مرحلة أكثر خطورة على الاقتصاد. في مارس/آذار وإبريل/نيسان، بذل صُنّاع السياسات قصارى جهدهم لوقف النزيف الاقتصادي. لكن الدعم السياسي سيكون أقل الآن إذا اتجه الاقتصاد إلى الهبوط مرة أخرى. ورغم أنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي يستطيع دائماً ابتكار برنامج آخر لشراء الأصول، فقد خفض بالفعل أسعار الفائدة إلى الصِّـفر واستهلك العديد من الأصول ذات الصلة. ولهذا السبب، كان مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي يمارسون الضغوط على الكونجرس والبيت الأبيض لحملهما على التحرك.

من المؤسف أن الكونجرس يبدو غير قادر على تكرار الشراكة بين الحزبين والتي عملت على تمكين إقرار قانون مكافحة فيروس كورونا ودعم جهود الإغاثة وتعزيز الأمن الاقتصادي في نهاية مارس/آذار. فقد سُـمِـح بانتهاء صلاحية تكملة إعانات البطلة بمبلغ 600 دولار أسبوعياً. ويشير الخطاب المسبب للخلاف والشقاق من جانب الرئيس دونالد ترامب وغيره من القادة الجمهوريين حول المدن التي "يقودها ديمقراطيون" إلى أنَّ تقديم المساعدة للولايات والحكومات المحلية لم يعد احتمالاً وارداً.

وبالتالي، إذا تعثّر الاقتصاد للمرة الثانية، سواء بسبب عدم كفاية الحافز المالي أو قدوم موسم الأنفلونزا وموجة ثانية من كوفيد-19، فإنه لن يتلقى الدعم النقدي والمالي الإضافي الذي حماه في الربيع.

اللقاح هو الحل الخارق الذي يعتمد عليه الجميع بطبيعة الحال. وهذا في حقيقة الأمر الخطر الأعظم على الإطلاق.

من المحتمل إلى حدٍّ كبيرٍّ أن يُـطـرَح لقاح في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، بناء على طلب من ترامب، سواء أكدت المرحلة الثالثة من التجارب السريرية سلامته وفعاليته أم لم تؤكد ذلك. يستحضر هذا الشبح ذكريات حول لقاح أنفلونزا الخنازير الذي عَـجَّـل الرئيس جيرالد فورد بطرحه، وهو الأمر الذي كان مدفوعاً أيضاً بانتخابات رئاسية قريبة، وهو اللقاح الذي أسفر استخدامه عن ظهور حالات إصابة بمتلازمة جيان باريه (التهاب جذور الأعصاب الحاد) ووفيات عديدة. الحق أنَّ هذه الواقعة، جنباً إلى جنب مع بحث علمي زائف ربط بين التطعيم ومرض التوحد، ساعدت كثيراً على تعزيز الحركة الحديثة لمناهضة التطعيم.

مكمن الخطر هنا إذاً ليس مجرد آثار جانبية ناجمة عن لقاح معيب، بل وأيضاً المقاومة الشعبية الواسعة النطاق للقاح اجتاز حتى المرحلة الثالثة من التجارب السريرية ويحظى بدعم المجتمع العلمي. وهو أمر مثير للقلق بشكل خاص بقدر ما تميل الشكوك حول مزايا التطعيم إلى الارتفاع على أية حال في أعقاب جائحة أخفقت في تجنُّبها سلطات الصحة العامة، التي يفترض أنها مقتدرة في مثل هذه الأمور.

أظهرت الدراسات أنَّ تجربة العيش في ظلِّ جائحة تؤثر سلباً في الثقة بسلامة اللقاحات وتُـثني المتضررين عن تطعيم أطفالهم. هذه هي الحال على وجه التحديد بالنسبة إلى الأفراد الذين هم في "سنوات سرعة التأثر" (الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 25 عاماً) وقت التعرُّض، ففي مثل هذا العمر تتشكَّل المواقف بصورة ثابتة حول السياسة العامة، بما في ذلك السياسة الصحية. وتستمر هذه الشكوك المتزايدة بشأن التطعيم، والتي لوحظت في مختلف الأوقات والأماكن، طوال حياة الفرد.

يتلخص الفارق الآن في أن ترامب والمستفيدين منه، يخاطرون من خلال التصريح بادعاءات غير جديرة بالثقة بالتسبب في تفاقم المشكلة. وإذا لم تتخذ خطوات لطمأنة جماهير الناس إلى استقلالية وسلامة العملية العلمية، فلن يتبقى لنا سوى بديل "مناعة القطيع"، الذي لا يُـعَـدُّ بديلاً على الإطلاق نظراً للاضطرابات المرضية المترافقة العديدة المعروفة التي يحدثها كوفيد-19.

كل هذا يشكِّل تحذيراً واضحاً من أنَّ المرحلة الأشد خطورة من الأزمة في الولايات المتحدة ستبدأ على الأرجح الشهر القادم. وهذا حتى قبل أن نضع في الحسبان أنَّ حلول شهر أكتوبر/تشرين الثاني يصادف أيضاً بداية موسم الإنفلونزا.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

باري آيكنجرين أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. وأحدث مؤلفاته كتاب "الغواية الشعبوية: مظالم اقتصادية وردود فعل سياسية في العصر الحديث".

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org