الثقة المقرونة بالتحقق هي الطريق المؤدية إلى صافي الانبعاثات الصفري

بقلم إريك بيرغلوف

بكين- يواجه العالم حاليًّا أزمة ثلاثية تتمثَّل في الجائحة، وحالة الطوارئ المناخية، والتهديدات الفورية التي يتعرَّض لها التنوُّع البيولوجي. ولكن بدلاً من الشعور القوي بالتضامن، تتزايد عدم الثقة بين الدول وداخل المؤسَّسات الدولية، بسبب الإخفاق الذريع في تطعيم العالم ضد كوفيد-19، وتزايد تنافس القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين، وظهور دول جديدة، وتهديدات أمنية مادية وعلى الإنترنت.

ويثير عدم الثقة هذا أكبر قدر من القلق في سياسة المناخ. ولحسن الحظ أنها أيضًا المجال الذي يمكننا أن نبدأ في استرجاع الثقة به.

إنَّ اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 وميثاق غلاسكو للمناخ لعام 2021 يعتمدان أساسًا على ضغط جماعي من أجل تنفيذهما. ولكن هذا الأسلوب يصبح أضعف بكثير عندما يكثر الشك والتوجُّس. إذ يقول صانعو السياسة المناخية في الصين أنه بغض النظر عن نواياهم، فإنَّ جهودهم ترفض لأسباب أيديولوجية. وتتساءل العديد من الحكومات الآسيوية عمّا إذا كان بإمكان أيِّ إدارة أمريكية أن تقدِّم وعودًا ذات مصداقية طويلة الأجل في ضوء حالة الاستقطاب الحالية للسياسة الأمريكية.

إنَّ فجوة الثقة بالمناخ متبادلة. إذ اعتبر الكثيرون في أوروبا وأمريكا الشمالية إعلان الرئيس الصيني، شي جين بين، في الأمم المتحدة، في عام 2020، الذي مفاده أنَّ الصين تهدف إلى أن تصبح محايدة للكربون بحلول عام 2060، محاولة لِذَر الرماد في العيون لصرف الانتباه عن استثمار البلاد المستمرِّ في محطات الطاقة التي تعمل بطاقة الفحم. واعتُبر رفض الصين تقديم تعهدات مناخية إضافية في الفترة التي تسبق مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيُّر المناخ (كوب26) في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في غلاسكو، دليلاً آخرَ على نوايا الصين الحقيقية.

إنَّ انعدام الثقة المتزايد هذا لا يقتصر فقط على المناخ؛ بل ينعكس أيضًا في قلة الاستثمار في المنافع العامة العالمية الأخرى، مثل التأهب لمواجهة الأوبئة والاستجابة لها. لذلك، قارن الكثيرون التوترات السائدة اليوم بتحديات تحقيق التعاون الدولي خلال الحرب الباردة. ورغم أنَّ هذه المقارنات غالبًا ما تكون سطحية ومضللة، فإنَّ منافسة القوى العظمى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قد تحمل دروسًا مهمّة بشأن كيفية بناء المستوى الضروري من الثقة اليوم.

ويتجسَّد الدرس الأكثر صلة بالموضوع في المبدأ الذي عزَّز بعض أهم الإنجازات المشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وكما قال الرئيس الأمريكي، رونالد ريغان، في سياق مفاوضات الحد من التسلُّح، "ثِقْ ولكن تحقَّق". وبمعنى آخر، يجب أن يثق كلُّ جانب بالآخر، ولكن ينبغي أيضًا أن يتأكَّد كلُّ جانب من الالتزام بالالتزامات المتبادلة بناءً على المعايير المتفق عليها.

ويهدف تغيُّر المناخ في النهاية إلى إنقاذ الكوكب، تمامًا مثل الرغبة في تجنُّب الدمار المتبادل الذي كان أساس جهود الحد من التسلُّح في الحرب الباردة. ولدينا مقياس مشترك متفق عليه- انبعاثات غازات الاحتباس الحراري- ومجموعة متزايدة من الأدلة العلمية فيما يتعلَّق بالمستويات الحرجة ونقاط التحوُّل.

إنَّ الشفافية هي جوهر التحوُّل إلى صافي الانبعاثات الصفري . إذ ستحتاج جميع البلدان إلى أن تكون أكثر صراحة فيما يتعلق بالانبعاثات على مستوى الاقتصاد إذا أرادت الوفاء بالتزاماتها المعلنة. وتعتمد آليات التخطيط والتسعير على الشفافية وإمكانية التحقُّق من البصمة الكربونية، لا سيما عند توجيهها من خلال النظام المالي. ويجب أن يكون المنظمون الماليون ومجالس إدارة الشركات قادرين على التحقُّق من المعلومات لقياس تقدُّم الشركات في تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفري.

ولكن من أين يبدؤون؟ إنَّ إعلان الصين والولايات المتحدة المفاجئ في غلاسكو عن تعاونهما للحد من الانبعاثات يمكن أن يشير إلى بداية شيء جديد ومثير. وعلى الرغم من أنَّ الإعلان المشترك يخلو بصورة ملحوظة من الالتزامات الملموسة القابلة للتحقق، فإنه ينصُّ بوضوح على طموح البلدين للعمل معًا لمعالجة أزمة المناخ.

ويمكن أن تكون الخطوة التالية أمام الولايات المتحدة والصين هو أن تتفقا على آليات تَحَقُّق ذات مغزى وعلى وقت استخدامها. وقد يكون وعد الصين بوقف الزيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030 أحد هذه المعالم البارزة. ولكن عملية التحقق تتطلب المزيد من الأهداف الفورية. ويجب أن ينصب التركيز على انتقال الصين المخطط له إلى صافي الانبعاث الصفري بحلول عام 2060 بدلاً من التركيز على هدف الانبعاثات لعام 2030. وفي المقابل، يتعيَّن على الولايات المتحدة تقديم التزامات مماثلة على أساس جدول زمني مماثل.

ويمكن أن يبدأ وضع إجراءات التحقُّق من الانبعاثات هذه في إعادة بناء الثقة بين الأسواق الناشئة والبلدان النامية أيضًا. فسكان هذه البلدان هم الأكثر تضرُّرا من الحوكمة العالمية المختلة، وهم من يضطر إلى الهجرة إلى المدن بسبب تأثير تغيُّر المناخ، ومن يظلُّ بدون حصانة ضد كوفيد-19؛ لأنَّ الدول الغنية تخزِّن جرعات اللقاح. وفقط عندما تُظهر العلاقات الأمريكية الصينية علامات تقدم يمكن التحقُّق منها، حينها يمكن أن نتوقَّع منهم أن يثقوا بالمؤسَّسات العالمية مرة أخرى.

ويمكن لبنوك التنمية متعددة الأطراف أن تضطلع بدورهام في إعادة بناء الثقة حول العالم. إذ من خلال خبرتها في تطبيق المعايير على أرض الواقع، يمكن لهذه المؤسَّسات المساعدة على التحقُّق من تقدُّم البلدان والتأكُّد من أنَّ النتائج المُحرزة عادلة وشاملة، لا سيما بالنسبة للفئات السكانية الضعيفة في الاقتصادات الناشئة والنامية. ومن ثمَّ، يمكن أن يساعد التحقق الموثوق من التقدُّم المحرز على الانتقال إلى صافي الانبعاثات الصفري على تجديد الثقة بالحلول متعددة الأطراف للمشكلات، بما في ذلك الأوبئة، وتغيُّر المناخ، وغسيل الأموال والهجمات الإلكترونية، التي لا يمكن لأي دولة التصدي لها بمفردها.

ترجمة: نعيمة أبروش  Translated by Naaima Abarouch

إريك بيرغلوف هو كبير الاقتصاديين في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org