Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

سياسة الطاقة في الغرب من الممكن أن تصبح جيوسياسية وخضراء

جيفري فرانكل

كمبريدج ــ كان الغزو الروسي لأوكرانيا سببًا في تضخيم أهمية اعتبارات الأمن القومي في تشكيل سياسات الطاقة في الدول الغربية. في الوقت ذاته، يتعيَّن على الحكومات أن تستمَّر في التركيز على الحد من الأضرار البيئية ــ وبخاصة، خفض الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. كل من الهدفين، الجيوسياسي والبيئي، مُـلِح وعاجل، ومن الأهمية بمكان تقييمهما معًا.

لا يتعارض هذان الهدفان بالضرورة، كما يتصوَّر بعض الناس. فهناك وفرة من تدابير الطاقة التي يستطيع الغرب أن يتبناها والتي من شأنها أن تعود بالفائدة على البيئة وتعزِّز أهدافه الجيوسياسية. تتمثَّل الخطوات الأكثر وضوحًا، وخاصة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، في العقوبات، التي تعمل على تقليل الطلب على الواردات من الوقود الأحفوري من روسيا.

تكشف إحدى مراجعات المجالات المختلفة لسياسة الطاقة عن المزيد من الخيارات. هنا، أؤكد على ما يجب فعله وما يجب تجنُّبه من الاختيارات التي تبدو وكأنها تضمن الفوز للجميع، في مقابل القرارات السياسية حيث تكون المقايضات حادة وقد يختلف عليها مراقبون حصيفون.

الاختيار الأول صريح: فلا ينبغي للحكومات أن تطيل أمد استخدام الفحم ويجب عليها أن تسحب إعانات دعم الفحم. تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنَّ إعانات دعم الطاقة العالمية (بما في ذلك المقدمة للنفط والغاز الطبيعي)، سواء عند طرف الـمُـنتِـج أو المستهلك، تتجاوز خمسة تريليونات دولار سنويًّا. جاء التقدير المتحفظ لإعانات الدعم المباشر وحدها للوقود الأحفوري في الولايات المتحدة بنحو 20 مليار دولار سنويًّا.

بعد ذلك، ينبغي لصنّاع السياسات أن يعملوا على تنظيم الغاز الطبيعي. لقد حملت أوروبا القارية ذاتها على الاعتماد على الغاز الروسي، ومن الممكن أن تساعد شحنات الغاز الطبيعي الـمُـسال الأميركية على الاستغناء عنه. ولكن إذا تجددت طفرة التكسير الهيدروليكي، التي خفضت بالفعل إجمالي الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة خلال الفترة من 2007 إلى 2012، فيجب أن يعمل التنظيم الدقيق على خفض كمية غاز الميثان المنبعثة إلى الغلاف الجوي كجزء من هذه العملية بشكل كبير. ما يدعو إلى التفاؤل أنَّ هذا التنظيم لن يكون باهظ التكلفة بالضرورة.

كما يشكِّل التوقُّف عن دعم النفط أيضًا ضرورة أساسية. تعادل إعانات الدعم البترولية العالمية ما يقدر بنحو 1.5 تريليونات دولار سنويًّا. وإذا كان لزامًا على الولايات المتحدة أن تفتح المزيد من الأراضي الفيدرالية للحفر والتنقيب، فلا ينبغي لها أن تستمرَّ في تقديم عقود الإيجار إلى شركات التنقيب بأسعار أقل من سعر السوق.

ينبغي للحكومات أن تستفيد أيضًا من المخزونات القائمة، كما فعل الرئيس الأميركي جو بايدن أخيرًا من خلال الإعلان عن طرح كمية غير مسبوقة بلغت 180 مليون برميل من النفط من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي. ورغم أنَّ الرؤساء استخدموا في الماضي الاحتياطي البترولي الاستراتيجي في بعض الأحيان لأغراض سياسية، فإنَّ قرار بايدن له مبرر حقيقي على مستوى الأمن القومي، لأنَّ هذا الطرح من الممكن أن يساعد على التعويض عن بعض النقص المؤقت الحالي في الإمدادات.

يزعم بعض المراقبين أنَّ الاحتياطي البترولي الاستراتيجي ليس كبيرًا بالقدر الكافي لإحداث أيِّ تأثير على أسعار النفط العالمية. لكن هذا التحرُّك الأميركي كان مصحوبًا بطرح احتياطيات طارئة مماثلة من قِـبَـل المملكة المتحدة، وألمانيا، وبلدان أخرى عديدة، بمجموع 240 مليون برميل على مدار الأشهر الستة المقبلة. يزعم بعض خبراء الاقتصاد أيضًا أنَّ الولايات المتحدة لا تحتاج إلى احتياطي بترولي استراتيجي، لأنها لم تعد دولة مستوردة صافية للنفط. حتى لو اتفقنا معهم، فلن يكون هذا حجة ضد طرح المزيد من الاحتياطيات، بل ضد إعادة تخزين احتياطي بترولي استراتيجي عند انتهاء الأزمة.

إضافة إلى هذا، ينبغي للحكومات أن تعمل على زيادة، وليس خفض، الضرائب على منتجات التجزئة البترولية. أعلنت عدة ولايات أميركية أخيرًا "إعفاءات ضريبية على الغاز" لحماية المستهلكين من التأثيرات المترتبة على ارتفاع أسعار النفط العالمية. كما تحاول دول أخرى حماية مواطنيها من زيادات أسعار الطاقة. لكن هذه التدابير، على الرغم من كونها مفهومة سياسيًّا، مروعة على المستوى الاقتصادي: فهي تقوض الحافز لدى السائقين للاقتصاد في استهلاك الوقود، وهذا بالتالي يعود بالفائدة على روسيا ويلحق الضرر بالبيئة.

مع توقفها عن الترويج للفحم والنفط، يتعيَّن على الحكومات أن تُـبـقـي على الزخم وراء مصادر الطاقة المتجددة. ومواصلة الاتجاه الأخير نحو تعزيز طاقة الرياح والطاقة الشمسية أمر مهم لأسباب جيوسياسية وبيئية. بوسع إعانات الدعم الحكومية لمصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك لدعم البحوث في تكنولوجيات التخزين، أن تلعب دورًا مهمًّا. ولكن ينبغي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضًا اتخاذ الخطوة الأقل شعبية المتمثلة في خفض، وليس زيادة، التعريفات الجمركية وغير ذلك من حواجز الحماية التي تؤثر في الواردات من الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح ــ الواردات التي ساعدت على خفض تكاليف الطاقة المتجددة.

في الوقت ذاته، يتعيَّن على الحكومات أن تستجمع شجاعتها لإطالة أمد بقاء محطات الطاقة النووية. كانت واحدة من أكثر سياسات الطاقة الحالية تضليلًا اختيار ألمانيا على نحو مفاجئ مباشرة العمل على تنفيذ خططها الرامية إلى إغلاق محطات الطاقة النووية الثلاث المتبقية لديها في وقت لاحق من هذا العام، بدلًا من محاولة إعادة تشغيل المحطات الثلاث التي أغلقتها في ديسمبر/كانون الأول. كان القرار الذي اتخذته ألمانيا في عام 2011، في الاستجابة لكارثة فوكوشيما، بإغلاق كل محطات توليد الطاقة النووية لديها على مدار العقد التالي، سببًا في زيادة الاعتماد على الواردات من الوقود الأحفوري الروسي، والانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون.

تتخذ بلدان أخرى نهجًا مختلفًا في تقييم إيجابيات وسلبيات الطاقة النووية. الواقع أنَّ عدد الوفيات الناجمة عن الحادث النووي الياباني أقل من الوفيات التي تحدث كل يوم بسبب استخراج أو إحراق الفحم. تخطِّط المملكة المتحدة الآن لبناء ثمانية مفاعلات نووية جديدة هذا العقد، جزئيًّا لتقليل اعتمادها على الواردات من النفط في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

الواقع أنَّ أفضل طريقة لتقليل الطلب على الوقود الأحفوري هي من خلال فرض ضريبة على الكربون أو عقد مزادات للتراخيص القابلة للتداول (مع استخدام العائدات للحد من الضرائب المشوهة، على سبيل المثال). في الوقت الحالي، يُـعَـدُّ إدخال مثل آليات الأسعار هذه في الولايات المتحدة أمرًا مستحيلًا من الناحية السياسية. ولكن قبل عشرين عامًا، قلنا ذات الشيء عن الاتحاد الأوروبي، واليوم أصبح لديه نظام مقايضة الانبعاثات.

إنَّ خفض الطلب على المواد الهيدروكربونية من شأنه أن يضرَّ بأرباح كل مصدري النفط، وليس روسيا فحسب. ولكن في حين أنَّ بعض هؤلاء المنتجين ليسوا سوى متفرجين أبرياء، فإنَّ بعضًا منهم دول بترولية لا تستحق الدعم من جانب الولايات المتحدة وحلفائها. ليس من قبيل الصدفة أن تكون العديد من الدول المصدرة للنفط استبدادية. الواقع أنَّ العديد من الدراسات التي تناولت لعنة الموارد الطبيعية خلصت إلى أنَّ المجتمعات المبنية على الثروة المستمدة من السلع الأساسية في عموم الأمر، والنفط بشكل خاص، تميل إلى الاستبداد.

في الأمد البعيد، ربما يكون من الأفضل للجميع أن يتقلَّص قطاع الوقود الأحفوري في مختلف أنحاء العالم. وبينما تسعى الحكومات الغربية إلى ابتكار سياسات طاقة قوية بيئيًّا وجيوسياسيًّا، فيجب أن يساعد هذا الـفِـكر على تركيز العقول.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

جيفري فرانكل أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org