نحو إنشاء صندوق أوروبي لإعادة البناء

جاي فيرهوفشتات ؛ لويس جاريكانو

بروكسل ــ في الأسبوع الفائت، وافقت مجموعة اليورو التي تتألف من وزراء مالية منطقة اليورو، بعد إقرارها بأنه لا أحد يتحمل اللوم أو المسؤولية عن أزمة فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19 COVID-19)، على صفقة للتخفيف من التداعيات الاقتصادية المترتبة على هذه الأزمة. يشمل الاتفاق 25 مليار يورو (27.5 مليار دولار أميركي) في هيئة تمويل جديد لبنك الاستثمار الأوروبي، فضلا عن 250 مليار يورو (272 مليار دولار أميركي) لآلية الاستقرار الأوروبي، إضافة إلى 100 مليار يورو (109 مليار دولار أميركي) لإنشاء أداة جديدة تستطيع المفوضية الأوروبية من خلالها مساعدة البلدان الأعضاء في إدارة أزمات البطالة التي تلوح في الأفق. في الإجمال، تشكل الحزمة مبلغًا كبيرًا: نحو 500 مليار يورو في هيئة قروض (عند وضع الرافعة المالية التي يقدمها برنامج بنك الاستثمار الأوروبي في الحسبان).

من الناحية السياسية، يُـعَـدُّ التوصل إلى أي اتفاق على صفقة على مستوى منطقة اليورو بالكامل نجاحًا في حد ذاته، في ضوء الانقسامات العميقة التي كانت قائمة قبل بضعة أسابيع. ومن الناحية الاقتصادية، تعني هذه الصفقة أن أوروبا أصبحت الآن مدعومة بمزيد من شبكات الأمان الكفيلة بأن تجعل اندلاع أزمة يورو أخرى أمرًا غير مرجح إلى حدٍّ كبير.

بموجب الاتفاق الجديد، إذا واجهت إحدى دول منطقة اليورو صعوبات في تمويل النفقات الهائلة اللازمة لدعم اقتصادها خلال فترة الإغلاق التي فرضتها أزمة كوفيد-19، فسوف تجد أمامها عددًا من الخيارات. فيمكنها أن تستفيد من برنامج شراء الطوارئ المخصص للجائحة الجديد الضخم الذي أنشأه البنك المركزي الأوروبي، أو يمكنها أن تطلب قرضًا من آلية الاستقرار الأوروبي، التي باتت مقيدة الآن بشروط أقل. من الأهمية بمكان أن نعلم أن برنامج آلية الاستقرار الأوروبي الجديد يفتح الباب أمام البنك المركزي الأوروبي لإنفاق مبالغ تكاد تكون غير محدودة من خلال برنامج المعاملات النقدية الصريحة.

مع ذلك، في حين توفر هذه الخيارات دعمًا كبيرًا للسيولة لصالح البلدان الأعضاء، فإنها لا تعالج قضية الديون المتصاعدة، والتي تهدد بالفعل بعرقلة النمو لعقود من الزمن في العديد من البلدان، وخاصة إيطاليا وإسبانيا. وفي اعتقادنا أن هذه القضية الحاسمة لا ينبغي أن تعالج من خلال تبادلية الديون السابقة أو المستقبلية، بل بالاستعانة بأداة مشتركة تسمح للاتحاد الأوروبي ذاته بتحمل الدين اللازم لتمويل برنامج بالغ الضخامة لدعم الاستثمار وتعزيز التعافي.

حتى الآن، لم تقدم مجموعة اليورو سوى تصريحات شفهية منمقة حول هذه الفكرة. جاء في بيانها الأخير: "وفقا لتوجيهات القادة، سوف تساعد المناقشات حول الجوانب القانونية والعملية لمثل هذا الصندوق، بما في ذلك علاقته بميزانية الاتحاد الأوروبي، ومصادر تمويله، وعلى الأدوات المالية المبتكرة بما يتفق مع معاهدات الاتحاد الأوروبي، في تمهيد الأرضية لاتخاذ قرار".

دعنا نوضح بعض الأمور أولا. بادئ ذي بدء، ديون الاتحاد الأوروبي قائمة بالفعل. ونحو 800 مليار يورو من هذه الديون تتخذ هيئة سندات صادرة عن المفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، وآلية الاستقرار الأوروبي. لكن هذه الديون لا تستخدم إلا لإصدار المزيد من الديون. ولأن حكومات البلدان الأعضاء مسؤولة عن إنفاقها، فمن المتوقع أن تقتصر المساعدة من جانب الاتحاد الأوروبي على خفض أسعار الفائدة.

لكن ضمان التعافي الاقتصادي بعد انقضاء الجائحة يستلزم التخلي عن فكرة أن القروض الأوروبية يجب أن تستخدم فقط لإصدار المزيد من القروض. لقد حان الوقت لإنفاق أوروبي حقيقي ممول عن طريق الاقتراض الأوروبي. وينبغي للمفوضية الأوروبية أن تصدر دفعات سنوية موحدة (أو "سندات الاتحاد الأوروبي") لتمويل حزمة لإعادة بناء الاقتصاد بقيمة تريليون يورو. وسوف تشكِّل هذه الأدوات استثمارًا آمنًا في مستقبل الاتحاد الأوروبي ككل، وهذه هي على وجه التحديد الرسالة التي تحتاج أوروبا إلى إرسالها الآن.

مع سندات الاتحاد الأوروبي، لن يستثمر أحد في حزمة من الديون الأوروبية المتبادلة؛ بل سيستثمرون بدلًا من ذلك في مستقبل الاتحاد. ونظرًا للدعم الضمني من قِبَل البنك المركزي الأوروبي وتصنيف AAA الذي تتمتع به المفوضية، فلن تجد الدفعات السنوية الموحدة صعوبة في اجتذاب اهتمام السوق.

على الصعيد السياسي، من الممكن أن تلعب دفعات الاتحاد الأوروبي السنوية دورًا حاسمًا في صفقة كبرى بعد زوال الجائحة. فلأنها لن تنطوي على تبادلية للديون القائمة، فسوف تعمل بشكل كامل على مستوى الاتحاد الأوروبي، ولن تؤثر بالتالي في ديون أي دولة بعينها أو مستويات إنفاقها. ولن يتحمَّل الأوروبيون الشماليون المسؤولية عن ديون الأوروبيين الجنوبيين. أي إن التمويل من الدفعات السنوية الموحدة سيذهب نحو خطة أوروبية بحتة مصممة لخدمة مصالح الأوروبيين كافة.

لن تكلف سندات الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء بنسًا واحدًا. ولتجنب استخدام أي من الأموال التي تدفعها الدول حاليا في ميزانية الاتحاد الأوروبي، فسوف تُـدفَـع الفائدة على الدفعات السنوية الموحدة من خلال فرض رسوم جديدة على مستوى الاتحاد الأوروبي على كبار الملوثين والمتهربين من الضرائب. وإلى جانب الضرائب المفروضة على الخدمات الرقمية والمواد البلاستيكية غير القابلة للتدوير، إضافة إلى العائدات الحالية من سوق الكربون (النظام الأوروبي لمقايضة الانبعاثات)، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يجمع نحو 26 مليار يورو سنويا. بافتراض سعر فائدة معقول بنسبة 2.5%، فإن هذا من شأنه أن يسمح باقتراض أكثر من تريليون يورو لحزمة التعافي. ونتيجة لهذا، يصبح من الممكن تجميد المساهمات الوطنية في ميزانية الاتحاد الأوروبي عند مستوياتها الحالية، وتجنب سنوات من المساومة حول الميزانية الجماعية.

سوف يكون صندوق إعادة البناء الأوروبي الجديد مملوكًا بالكامل للمفوضية وهي التي ستتولى إدارته وتشغيله، وبالتالي لن تكون مسؤولة إلا أمام البرلمان الأوروبي. وسوف يركز الصندوق على تعزيز الأولويات المشتركة لكل المواطنين الأوروبيين. بعد دعم البلدان الأشد تضررًا بأزمة كوفيد-19، سيستمر الصندوق في العمل على تسهيل استعادة القطاع الخاص لقدرته التنافسية، فضلًا عن الاستثمارات في إزالة الكربون، والبنية الأساسية الجديدة للنقل، والبحث والإبداع.

الواقع أن الجائحة لم تترك لأوروبا أي فرصة للاختيار. فلن يتمكن الأوروبيون من البدء بالاستثمار في التعافي إلا من خلال تجاوز المعارك القديمة حول مساهمات الميزانية الوطنية والديون.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

جاي فيرهوفشتات رئيس وزراء بلجيكا الأسبق، ورئيس مجموعة تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا في البرلمان الأوروبي. لويس جاريكانو أستاذ في كلية IE Business School لإدارة الأعمال وعضو البرلمان الأوروبي.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org