الولايات الأمريكية بحاجة إلى تمويل فيدرالي لمكافحة الوباء

لورا د. تايسون

بيركلي ـ لقد نجح وباء فيروس كوفيد 19 في جعل الفيدرالية على قمة جدول الأعمال السياسي في الولايات المتحدة. في مواجهة الافتقار الصارخ إلى القيادة من جانب إدارة ترامب، تولت حكومات الولايات في الخطوط الأمامية مسؤولية الاستجابة. ولكن مع سرعة اقتراب المواعيد النهائية للميزانية للسنة المالية الجديدة، تواجه العديد من الولايات عجزًا غير متوقع نتيجة للأزمة. في خطاب أخير موجه إلى قادة الكونجرس، دعت الجمعية الوطنية لحكام الولايات إلى توفير مساعدات بقيمة 500 مليار دولار إضافية أو أكثر من التمويل الفيدرالي المرن، إضافة إلى 150 مليار دولار قد تمَّ منحها لاستخدامات محدودة في إطار قانون المساعدة والإغاثة والأمن الاقتصادي في مكافحة فيروس كورونا (CARES) والذي تمَّ اعتماده أخيراً بقيمة 2 ترليون دولار.

عند دراسته هذا الطلب، على الكونجرس والبيت الأبيض تحديد ما إذا كان هناك أساس منطقي فعّال للاقتصاد الكلي لتوفير حزمة إضافية كبيرة من التمويل المرن من قبل الدولة وما إذا كانت الحكومة الفيدرالية قادرة على تحمله. الإجابة عن كلا السؤالين هي نعم.

من ناحية أخرى، أشار زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي الجمهوري ميتش ماكونيل إلى أنَّ التمويل الفيدرالي الإضافي سيساعد على إنقاذ الولايات "الزرقاء" (التي يسيطر عليها الديمقراطيون)، وجادل أنه يتعين على الولايات التي تمر بأزمة مالية النظر بدلاً من ذلك في إعلان الإفلاس. تلميح ماكونيل بأن عجز موازنة الدولة هو نتيجة للإسراف مُضلل ومُثير للانقسامات السياسية. تُواجه كلٌّ من الولايات الحمراء والزرقاء عجزًا هائلاً في الميزانية، وذلك نتيجة لتراجع العائدات وليس الإنفاق المفرط.

في الواقع، يعود انخفاض عائدات الولايات بشكل أساسي إلى تدابير الإغلاق الضرورية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، والتي أدَّت إلى أعمق ركود شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية. تتحمَّل حكومات الولايات أيضًا معظم التكاليف المباشرة لمكافحة تفشي الفيروس، كما تتقاسم تكاليف إدارة برامج شبكات الأمان الفيدرالية مثل التأمين ضد البطالة وبرامج "ميديكيد" للمساعدة الطبية، والتي ارتفعت نفقاتها بشكل كبير جرّاء الأزمة.

على عكس الحكومة الفيدرالية، فإنَّ حكومات الولايات مُقيدة بقوانين الميزانية المتوازنة. وفي غياب الأموال الفيدرالية لسد الفجوات المالية التي تلوح في الأفق، سيتعين عليها رفع الضرائب أو تنفيذ تخفيضات عميقة في الإنفاق. وبذلك، فإنَّ الأساس المنطقي الذي يقوم عليه الاقتصاد الكلي للحصول على مساعدة إضافية من الدولة بسيط ومُقنع. إذا اضطرت حكومات الولايات إلى توفير حزمة مالية ضخمة، فسيتم التعويض عن الكثير من فوائد التحفيز المعاكسة للدورات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة الفيدرالية، مما قد يؤدي إلى ركود أعمق، وارتفاع معدلات البطالة، وتباطؤ الانتعاش.

تؤكد الدروس المستفادة من الركود العالمي قبل عقد من الزمان هذه التوقُّعات المثيرة للقلق. بين عامي 2008 و2014، عانت حكومات الولايات من ميزانية بلغت نحو 600 مليار دولار، لكنها لم تتلقَّ سوى 150 مليار دولار من المساعدات الفيدرالية. لذلك كان على حكومات الولايات سحب احتياطياتها المتراكمة (الأموال المدخرة)، وزيادة الضرائب، وخفض الإنفاق "التقديري".

في الواقع، شكلت هذه التدابير التقشفية عبئًا كبيرًا على النمو. أُجبرت حكومات الولايات على خفض العمالة في الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة العامة والمستشفيات، مع تأثير مضاعف سلبي يقدر بـ 1.7 أو أكثر (مما يعني أن التخفيضات في كل دولار أدت إلى خسارة بقيمة 1.70 دولار في النشاط الاقتصادي). والأسوأ من ذلك، كان لسياسات التقشف آثارًا طويلة الأمد. لم يتجاوز الإنفاق الحكومي الحقيقي (المعدل حسب التضخم) ذروة ما قبل الركود حتى عام 2019، ولم تعد كشوف المرتبات الحكومية والمحلية إلى أعلى مستوياتها قبل الركود حتى نهاية العام، مع بداية ظهور وباء كوفيد 19.

وجرّاء هذه الأزمة، نجحت معظم الولايات في جمع صندوق الاحتياطي تدريجيًّا لحماية نفسها من عجز آخر غير مُتوقع في الميزانية. في السنة المالية 2019، وصلت هذه الاحتياطيات إلى أعلى مستوياتها في العديد من الولايات، وقد بلغت في المتوسط 8 ٪ من نفقات الصندوق العام للدولة.

تكمن المشكلة في أنه حتى صندوق الاحتياطي الضخم المخصص لحالات الطوارئ لا يكفي لسد الثغرات الهائلة في الميزانية التي أحدثها وباء كوفيد 19. وبالمثل، لا يُعد إعلان الإفلاس خيارًا للولايات. يبدو أنَّ ماكونيل قد نسي أنَّ دستور الولايات المتحدة يحظر إخلال حكومات الولايات "بالالتزام بالعقود"، بما في ذلك التزاماتها الخاصة. على النقيض من ذلك، تتمتع البلديات بالحق القانوني في إعلان الإفلاس، وهناك سبب وجيه للقلق من أنَّ العديد منها قد يضطر إلى ممارسة هذا الحق نتيجة تفشي فيروس كورونا، مما يزيد من زعزعة استقرار الأسواق المالية الأمريكية والعالمية.

لمنع هذه النتيجة على وجه التحديد، قدم الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تسهيلات إقراض غير مسبوقة بقيمة 500 مليار دولار لدعم سوق السندات البلدية بقيمة 4 مليارات دولار. تعتمد حكومات الولايات والحكومات المحلية على هذا السوق لتمويل المشاريع الرأسمالية مثل الطرق والمدارس وسد الفجوات القصيرة الأجل بين العائدات والنفقات. كانت السندات البلدية لفترة طويلة بمثابة فئة استثمار آمنة نسبياً وتتمتع بمزايا ضريبية، لأنَّ معدلات التخلف عن السداد من قبل الجهات المُصدرة للأوراق المالية للبلديات كانت منخفضة للغاية. ولكن اليوم، أسهم تدهور العديد من توقعات هذه الجهات المُصدرة فيما يتعلق بالميزانية في زيادة مخاوف المستثمرين، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عائدات السندات البلدية.

من خلال إنشاء تسهيلات السيولة البلدية الجديدة (الذي تمَّ توسيع نطاق أهليته)، وعد بنك الاحتياطي الفيدرالي بشراء مليارات الدولارات من السندات البلدية بأسعار فائدة مواتية، وبالتالي استعادة الاستقرار في هذا السوق. علاوة على ذلك، فإنَّ تسهيلات السيولة البلدية هي مجرد واحدة من بين العديد من التدابير الحاسمة التي نفذها بنك الاحتياطي الفيدرالي لتحقيق الاستقرار في الأسواق المالية وتوفير حوافز السياسة النقدية لمكافحة الركود الناجم عن عمليات الإغلاق الضرورية جرّاء انتشار فيروس كورونا المستجد. كما خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي معدلات إقراض السياسة إلى ما يقرب من الصفر، وأطلق برنامجًا غير محدود لشراء الأصول لسندات الخزانة الأمريكية والأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية، وعزز أسواق الأوراق المالية التجارية التي تستخدمها الشركات لجمع الأوراق المالية قصيرة الأجل، وأنشأ برنامج إقراض جديد، والذي سيساعد على زيادة أموال قانون المساعدة والإغاثة والأمن الاقتصادي لإقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بشكل مباشر. بفضل هذه البرامج، يمكن أن تعرف الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي ارتفاعًا هائلاً بنسبة 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام.

المستثمرون في جميع أنحاء العالم على استعداد لإقراض الحكومة الفيدرالية الأمريكية بأسعار فائدة حقيقية سلبية، كما تعهد بنك الاحتياطي الفيدرالي بعمليات شراء غير محدودة لسندات الخزانة الأمريكية، حتى إذا بلغ عجز الميزانية الفيدرالية نحو 3.7 ترليونات دولار (20٪ من الناتج المحلي الإجمالي) بحلول نهاية السنة. في ظل الظروف العالمية الحالية والمتوقعة، لا تفرض حكومة الولايات المتحدة أي قيود على الميزانية: يمكنها ويجب عليها إدارة عجز هائل في الميزانية لتمويل الحرب ضد وباء كوفيد 19 والركود العميق الناتج عنه.

هناك حزمة تحفيز رئيسة أخرى في المتناول وضرورية، ستقوم بتوفير ما لا يقل عن 650 مليار دولار من التمويل المرن لحكومات الولايات والحكومات المحلية في الخطوط الأمامية لهذه الحرب. تتطلب الفيدرالية في المسؤوليات الفيدرالية في التمويل.

ترجمة موحى الناجي  Translated by Moha Ennaji 

لورا تايسون، الرئيسة السابقة لمجلس المستشارين الاقتصاديين لرئيس الولايات المتحدة في إدارة أوباما وأستاذة فخرية في جامعة كاليفورنيا بيركلي، وكبيرة المستشارين في مجموعة روك كريك وكبيرة المستشارين الخارجيين في معهد ماكينزي العالمي.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org