استراتيجية فيتنام المنخفضة التكلفة في مواجهة كورونا

بقلم هونج كونج نجوين

بيبو ــ مع توسع انتشار فيروس كورونا 2019 في نصف الكرة الجنوبي، لدى الحكومات الكثير مما يمكنها تعلمه من نهج فيتنام. لا شك أن قنوات الاتصال الواضحة، والتعاون القائم على التكنولوجيا بين الحكومة والمواطنين، هما السببان الرئيسان وراء وجود حالات قليلة نسبياً في البلاد.

في الواقع، أولت نماذج أخرى في آسيا الكثير من الاهتمام. حيث حققت سلطات الصحة التايوانية في حالات التهاب رئوي أُبلغ عنها في ووهان قبل انتشار الفيروس في المجتمع المحلي. وأنشأت كوريا الجنوبية نظام استجابة لحالات الطوارئ دون انقطاع لفحص جميع المسافرين القادمين إلى البلاد من ووهان في أوائل يناير/كانون الثاني. وبالمثل، خصصت سنغافورة فرقة عمل مشتركة بين المؤسسات بهدف تتبع مخالطي المرضى بشكل مكثف، وإجراء عمليات حجر صحي مجتمعي مستهدفة وفحوصات واسعة النطاق، مع تغطية تكاليف الفحص والعلاج أيضاً.

كانت استجابة هذه البلدان في الوقت المناسب متأصلة في وعي قادتها الواضح بخطورة الفيروس الجديد. وفي حالة فيتنام، عملت الحكومة على تشديد الضوابط الحدودية، ووضع المستشفيات وإدارات الصحة المحلية في حالة تأهب قصوى لحالات الالتهاب الرئوي الجديدة في 3 يناير/كانون الثاني - قبل تسجيل أول حالة وفاة في الصين وبعد ثلاثة أيام فقط من تأكيد تفشي المرض. ثمَّ سُجلت الحالات الأولى في فيتنام في 23 يناير/كانون الثاني، وبدا أنَّ الوضع تحت السيطرة حتى في ظل موجة إضافية من الحالات التي دفعها قدوم السياح الأجانب والعائدون من المسافرين والطلاب. ومع ذلك، تمكنت فيتنام من إدارة الأزمة بشكل جيد بحيث تجنبت أن تتحول إلى بؤرة لانتشار العدوى.

[رسم بياني]

ربما يتمثل الأمر الأكثر إثارة للاهتمام في أنه على عكس كوريا الجنوبية، التي أنفقت أموالاً طائلة لإجراء فحوصات واسعة النطاق، أو سنغافورة، التي أنشأت نظاماً قوياً للمراقبة الوبائية، اتبعت فيتنام نهجاً منخفض الميزانية أثبت أنه على نفس القدر من الفعالية. وعلى الرغم من التوقعات بارتفاع معدلات انتقال العدوى، بسبب الحدود المشتركة مع الصين وحجم التجارة الثنائية الكبير، لم تسجل فيتنام سوى خُمس عدد الإصابات المسجلة في سنغافورة - التي يُشاد بها كثيراً - دون تسجيل حالة وفاة واحدة حتى الآن. وفي هذا الصدد، فإنَّ دراستنا الأخيرة حول استجابة فيتنام السياساتية لمواجه فيروس كورونا 2019 تُعزي النجاح المبدئي للبلاد في إبطاء معدل الإصابة إلى تركيز السلطات على قنوات الاتصال والتعليم العام من خلال منصات التكنولوجيا والتتبع الممنهج لحاملي المرض.

نظراً لاتصال 65٪ من سكان فيتنام بالإنترنت، من إجمالي 96 مليون شخص، عملت وسائل الإعلام الرسمية وقنوات وسائل التواصل الاجتماعي (60٪ منها على فيسبوك) على مشاركة المعلومات بشكل فعّال حول الفيروس الجديد. وفي عصر يصعب فيه تعقب انتشار المعلومات الخاطئة وحملات التضليل ووقف انتشارها، كان إدراك التهديد، وخاصة معدل انتشار العدوى، عاملاً رئيساً في استعداد المواطنين للتعاون، سواء من خلال استراتيجيات التباعد الاجتماعي أو العزل الذاتي.

منذ 3 يناير/كانون الثاني، وصفت وسائل الإعلام الفيتنامية المرض القادم من ووهان بأنه التهاب رئوي "غريب" أو "غامض". وبين 9 يناير/كانون الثاني و15 مارس/آذار، نُشر ما متوسطه 127 مقالاً حول هذا الموضوع بشكل يومي في 13 من أكثر منافذ الأخبار شيوعاً عبر الإنترنت، بما لا يدع مجالاً لانتشار الشائعات والأخبار المزيفة. ونتيجة لذلك، لم ينظر الفيتناميون عموماً إلى فيروس كورونا 2019 باعتباره مجرد إنفلونزا موسمية أخرى، ولكن باعتباره مرضاً خطيراً يُماثل في خطورته وباء متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) الذي تفشى عام 2003. كما ساعدت تجربة الجمهور مع سارس، وكذلك مع إنفلونزا الخنازير وإنفلونزا الطيور، على تشكيل تصوراتهم عن فيروس كورونا 2019، وأثرت على الأرجح في استعدادهم للاستجابة.

في الواقع، لا تنجح عملية التتبع الشامل لمخالطي المرضى إلا عندما يُدرك الأفراد مدى إلحاح المشكلة ويبدون رغبة في تقديم معلومات صادقة ومفصلة عن سفرهم وتفاعلاتهم. وهذا ينطبق حتى في البلدان التي تخضع لحكم حزب واحد. ففي فيتنام، يشارك المواطنون المعلومات الصحية الشخصية بشكل طوعي عبر تطبيق أطلقته الحكومة يسمّى NCOVI. ونتيجة لذلك، أصبح التطبيق على قمة التطبيقات المجانية في فيتنام منذ إطلاقه في 10 مارس/آذار.

وعلى الرغم من عدم وجود تطبيقات فيتنامية تماثل تلك التي طورها بعض الأفراد لتتبع المواقع المعرضة للخطر أو الأفراد الذين يعانون من أعراض يشتبه بها، كما هي الحال في تايوان وكوريا الجنوبية، إلا أن ثمة منصات مستندة إلى التكنولوجيا قد أثبتت أهميتها. فهي توفر معلومات محدثة عن تفشي المرض ونصائح للوقاية منه، وتُصحح المعلومات الخاطئة بسرعة، وتعمل على جمع المعلومات بشكل منهجي، وتحديد تجمعات الحالات في أقرب وقت ممكن.

كما تساعد التكنولوجيا أولئك الذين يحاربون الوباء. في الأشهر الثلاثة الأولى منذ بداية تفشي المرض، أنشأت المستشفيات المحلية ومعاهد البحوث والجامعات منصات موثوقة لتتبع حالات الحجر الصحي لفيروس كورونا 2019، كما عملت على رفع إنتاج مطهرات اليد، ونشر نتائج سريرية هامة حول المرض، وتطوير أدوات اختبار منخفضة التكلفة للفيروس الذي يسببه.

من الممكن أن تتخذ الاستثمارات في التخفيف من حدة الأزمة والاستجابة لها أشكالاً أخرى بسيطة لكنها قوية. على سبيل المثال، ساعدت أغنية "Ghen Co Vy"، التي انتشرت عالمياً بعد ظهورها في برنامج لاست ويك تونايت مع جون أوليفر، على زيادة الوعي العام بالفيروس الجديد وأهمية غسل اليدين. الأهم من ذلك، مع تشديد الحجر الصحي المستهدف والإلزامي لجميع المسافرين العائدين في أواخر شهر مارس/آذار، أدت التحديثات والمراجعات الفردية حول توافر وجودة أماكن السكن المشتركة التي تديرها الحكومة، والطعام، والفحوصات الصحية إلى اجتذاب آلاف ردود الأفعال على فيسبوك. حيث جرى تداول مئات الصور لوجبات الإفطار والغداء والعشاء والوجبات الخفيفة على نطاق واسع لدرجة أن فترة العزلة التي استمرت أسبوعين قوبلت بشكل إيجابي، مما شجع على الالتزام.

مع تفاقم الوباء العالمي بشكل يومي، واستمرار حالة عدم اليقين في معظم أنحاء العالم، توضح تجربة فيتنام كيف يُمكن لبلد يعاني من نقص الموارد وعدم استقرار نظام الرعاية الصحية أن يسيطر على الوباء، من خلال التركيز على التقييم المبكر للمخاطر والتواصل الفعال والتعاون بين الحكومة والمواطنين. ففي مواجهة المجهول، تُساهم القيادة الحاسمة، والمعلومات الدقيقة، والتضامن المجتمعي على تمكين الأفراد من حماية أنفسهم - وبعضهم بعضاً.

ترجمة: معاذ حجاج                   Translated by: Moaaz Hagag

هونج كونج نجوين باحث في مختبر الذكاء الاصطناعي للبيانات الاجتماعية في هانوي.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org
مرفق بهذا المقال رسم بياني يمكن تحميله من هنا.