مرحباً بكم في عالم ما بعد أمريكا
كارل بيلدت
ستوكهولم- إنَّ العالم يعيش أول أزمة عالمية في عصر ما بعد أمريكا. وستحدِّد تداعيات جائحة كوفيد-19 شكل العالم لسنوات عديدة قادمة.
فعلى مدار القسم الأكبر من هذا القرن، دائماً ما كانت الولايات المتحدة تبادر في أوقات الأزمات، لتتولى القيادة في مهمة معينة. وكان هذا الدور يحظى أحياناً بالترحيب. ولم تكن نتائجه كما خُطِّطَ لها دائمًا. ولكن الغريزة الأمريكية الأساسية للقيادة كانت حاضرة. وأيًّا كانت العواقب، فقد اعتادت باقي دول العالم على ذلك.
ونظراً لوجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، انتهى عصر القيادة الأمريكية. وفي عهد باراك أوباما، كانت الولايات المتحدة تقلص التزاماتها العالمية، وذلك لأنها أدركت عدم توافرها على الموارد اللازمة لمعالجة كل مشكلة. ولكن، حتى وإن كانت الولايات المتحدة "تقود من الخلف"، في بعض الأحيان، فقد كانت تتولى القيادة.
وتحَوَّل ما قد يكون اعترافًا بالضرورة في عهد أوباما إلى مبدأ لا جدال فيه، تُعلِن عنه أصوات بقوة في عهد ترامب. وفيما يتعلق بمسألة دور أمريكا في العالم، يمارس ترامب- بثأر- ما بَشَّرَ به خلال حملته الرئاسية. إذ على مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت رسالة "أمريكا أولاً، وليتولى الأخرون، كل بمفرده، شؤونهم، هي الرسالة الواضحة من البيت الأبيض.
لقد تمَّ الكشف، الآن، عن تداعيات هذا التغيُّر على العالم الحقيقي. إذ في عام 2014، عندما بدأ فيروس إيبولا ينتشر في غرب إفريقيا، كان هناك خطر كبير من أن يتحوَّل تفشي المرض الإقليمي إلى كارثة عالمية. ولكن إدارة أوباما تدخَّلت. وعن طريق العمل عن كثب مع منظمة الصحة العالمية، حشدت الولايات المتحدة استجابة عالمية، واحتوت الوباء في النهاية. ولم يخطر ببال أحد أن يوصف فيروس إيبولا بأنه "فيروس إفريقي"، أو أن تتهم منظمة الصحة العالمية بالإهمال، وسوء التصرُّف.
ومنذ ذلك الحين، وروح التعاون العالمي يتعرَّض للهجوم المستمر. إذ في عهد ترامب، شنَّت الولايات المتحدة حربًا تجارية ضد الصين وحلفائها، وتخلَّت عن الاتفاقيات العالمية الرئيسة، مثل اتفاق باريس بشأن المناخ لعام 2015، والاتفاق النووي الإيراني. كما أنَّ صراعاً ثنائياً شرساً حول السيطرة على الاقتصاد الرقمي بدأ يتصاعد من سنوات.
وبسبب هذه التوترات، كان مجلس الأمن الدولي غائبًا فعليًّا طوال أزمة كوفيد-19. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى اتخاذ تدابير في هذا الشأن، لكن الولايات المتحدة، وروسيا تتماطلان، والتزم بقية مجلس الأمن الصمت بشأن هذه القضية. وفي الوقت الذي يمكن للمرء أن يأمل فيه بأن تستعيد مجموعة العشرين الدور الحاسم الذي اضطلعت به خلال الأزمة المالية لعام 2008، تخضع المنظمة حاليًّا لرئاسة المملكة العربية السعودية، مما يجعلها تخضع بصورة فعالة لرئاسة القائد الشاب المتقلب لذلك البلد، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وفي الوقت نفسه، تقوم الصين بملء فراغ القيادة، من خلال مجاملة الحكم العالمي، والسعي، في المقام الأول، إلى تطوير علاقاتها الثنائية. إذ أرسلت شحنات من الكمامات الصينية وغيرها من الإمدادات، مرفوقة برسالة تطلب فيها الصين الترحيب بها رسمياً- أي الأعلام الوطنية وكل شيء ذي صلة. ومن المؤكد أنَّ المساعدة حظيت بالتقدير، لكن الدوافع الخفية للصين واضحة تماماً.
ويبدو واضحاً أيضاً أنه كان يمكن فعل المزيد للحد من انتشار كوفيد-19خلال الأسابيع الأولى من تفشي الوباء، في ووهان. لقد ألحق هذا الفشل بحكومة الصين ضرراً تستحقه، وتعاملت تايوان الديمقراطية معه بصورة أفضل، وهو الشيء الذي لم يمر مرور الكرام.
وحين يأتي الوقت المناسب، ستكون هناك مناقشة أكثر انفتاحًا- وربما أكثر احتدامًا- بشأن كيفية تعامل مختلف البلدان، والقادة، والمنظمات الدولية مع تحدي كوفيد-19 . ومن المؤكد أن الصين ليست المكان الوحيد الذي تركت فيه الاستجابة الرسمية شيئًا مستحبًّا. لكن الأحداث تُناقَش وتُحَلَّل بعد انتهائها. والأولوية العاجلة هي تعبئة جميع الموارد المتاحة لاحتواء الوباء. ونظراً لانتقال بؤرة انتشار الوباء بالفعل، من شرق آسيا إلى أوروبا الغربية، ثمَّ إلى الولايات المتحدة، لا ينبغي لأحد أن يفترض أنَّ القصة قد انتهت.
وعلى أيِّ حال، إن لم تكن هناك استجابة دولية قوية ومستدامة، فماذا سيحدث في إندونيسيا، وباكستان، ومصر، ونيجيريا، والبرازيل، أو أي دولة رئيسة أخرى ذات كثافة سكانية حضرية؟ مع غياب أمريكا وتراجع مصداقية الصين، هناك حاجة ملحة لشخص ما لتولي زمام القيادة، والبدء في تعبئة استجابة منسقة، سواء من خلال منظمة الصحة العالمية، أو بطريقة أخرى. فالوباء يشبه حريق الغابات: إذا لم تطفئه في كل مكان، فأنت لم تقم بإخماده على الإطلاق.
هل يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يتقدم إلى الأمام، أم إنه مرهق للغاية بسبب مشكلاته الخاصة؟ هل يمكن تشكيل ائتلاف جديد تماماً للدفع بعجلة العمل، أم إنه قُدِّرَ للنظام الدولي أن يتطور أكثر ليتحوَّل إلى خليط غامض من سياسات التعددية القطبية، وسياسات القوة، التي ترى أنَّ الظاهرة العالمية الحقيقية الوحيدة هي الفيروس القاتل؟ إنَّ هذه الأسئلة هي التي يجب على المرء طرحُها في عالم ما بعد أمريكا.
ترجمة: نعيمة أبروش Translated by Naaima Abarouch
يشغل كارل بيلت منصب رئيس وزراء سابق ومنصب وزير خارجية السويد.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org