كيف ستنتهي أزمة كوفيد في الصين؟

بقلم نانسي تسيان

شيكاغو- طيلة معظم العامين الماضيين، كان يُنظَر إلى استراتيجية "صفر كورونا" في الصين على أنها طريقة جذرية ولكن فعّالة للإبقاء على معدلات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في مستويات منخفضة انخفاضًا لافتًا. فقد فرضت الحكومة الصينية حجرًا صحيًّا على ملايين الأشخاص في وقت واحد، وأمرتهم بأن يلازموا بيوتهم، بل حتى مدارسهم ومباني مكاتبهم. وفي شتاء العام الماضي، خضعت مدينة "سيان" لإجراءات الإغلاق لمدة شهر كامل، وكان جميع سكانها البالغ عددهم 13 مليونًا ملازمين لبيوتهم التي لا توفِّر لهم سوى الحد الأدنى من الضروريات، مثل الطعام.

وعلى الرغم من أنَّ هذه الاستراتيجية المتطرفة كان لها عواقب سلبية غير مقصودة، بما في ذلك تقييد الرعاية الطبية فيما يتعلق بأمراض أخرى، وانفصال العائلات، ومختلف الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، فإنها أبقت معدلات الإصابة بـفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في مستويات منخفضة. واعتبر معظم الناس في الصين، والعديد من المراقبين في أماكن أخرى، أنَّ التكاليف هي الثمن الذي يجب دفعه مقابل تجنيب نسبة أكبر من السكان البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة الوفات بمعدلات مرتفعة كما حدث في دول مثل الولايات المتحدة.

وكان النجاح الواضح لاستراتيجية صفر كورونا مصدر فخر للشعب الصيني، وقد وصفته قيادة البلاد بأنها علامة على تفوق الصين. ومن المفارقات، مع ذلك، أنَّ الحصة السياسية للحكومة في النجاح المبكر للاستراتيجية أصبحت حاجزًا أمام التعافي. إذ خلُصت القيادة السياسية الصينية أنه من الصعب للغاية التحوُّل إلى استراتيجية أكثر اعتدالًا، لأنَّ ذلك سيؤدي بصفة دائمة إلى حدوث المزيد من الإصابات والوفيات بـكوفيد-19. وعلى الرغم من أنَّ الأرقام الإجمالية قد لا ترتفع أبدًا كما هي في الولايات المتحدة، فإنه سيصعب على الناس، الآن، قبول ارتفاع معدل الوفيات إلى الآلاف بعد أن جعلتهم حكومتهم يتوقعون معدل صفر في حالات الإصابة.

وفضلًا عن ذلك، أسهم هذا التوقع في انخفاض معدل التطعيم في فئة كبار السن من الصينيين، حيث يخشى كثير منهم أن تكون الآثار الجانبية للتطعيم أسوأ من المخاطر المتصورة لـفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). إذ لم يتلقَّ ما يناهز 40٪ من الصينيين فوق سن الثمانين، وما يقارب 20٪ ممن تتراوح أعمارهم بين 60 و79 عامًا، جرعة واحدة من أي لقاح. وفي الولايات المتحدة، تقترب النسبة المماثلة في فئة البالغين الذين تزيد أعمارهم على 65 عامًا من الصفر.

وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب انخفاض فعالية اللقاحات الصينية مقارنة مع لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال، وبسبب انعدام الشفافية في تجارب اللقاحات الصينية. فقد كان قادة الصين مترددين في استيراد لقاحات أكثر فاعلية لأنهم كانوا صريحين للغاية بشأن طموحهم في تطوير لقاح محلي موجه نحو التصدير. وربما أدى الهدف السياسي المتمثل في وضع الصين في مرتبة رائد صيدلاني عالمي، في نهاية المطاف، إلى تراجع معدلات التطعيم على المستوى المحلي.

وأصبحت المشكلة التي تطرحها استراتيجية الصين واضحة مع ظهور "أوميكرون"، وهو أحد متحورات كوفيد-19 الذي وُصِف في بلدان الغرب على أنه فيروس خفيف، بفضل معدلات التطعيم المرتفعة لدى سكانها. وفي هونغ كونغ، أحدثت موجة "أوميكرون" الأولى أعلى معدل وفيات الفيروس في العالم، عندما أصابت سكان هذه المدينة الكبيرة من كبار السن غير الملقحين.

وفي الوقت نفسه، بدأ صبر الشعب الصيني ينفد إزاء ما اعتُمِدَ من سياسات صارمة لمكافحة فيروس كورونا. إنَّ تكاليف عمليات الإغلاق على مستوى المدينة كبيرة حقًّا، لا سيما في المراكز الاقتصادية الساحلية في الصين. إذ تشير الأبحاث التي أجراها كبار خبراء الاقتصاد الكلي الصينيين إلى أنَّ فرض إغلاق شامل في مدينة رئيسة مثل "شنغهاي" من شأنه أن يقلل من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الوطني (المعدل حسب التضخم) بنسبة 4٪. وستتحمَّل المدينة الخاضعة للإغلاق الجزء الأكبرمن هذه الخسارة، ولكن العواقب السلبية ستشمل أيضًا مناطق أخرى تربطها علاقات تجارية مع المدينة المغلقة.

والأسوأ من ذلك أنَّ الصين لا تغلق مدينة واحدة فقط. ففي الشهر الماضي وحده، أغلقت مدينة "شنتشن" التي يبلغ عدد سكانها 17.5 مليون نسمة، لمدة أسبوع. وخضعت نصف مدينة "شنغهاي" لإغلاق متكرر في وقت خضع جميع سكانها البالغ عددهم 26 مليونًا لاختبار كوفيد-19 التشخيصي، قبل أن تغلق المدينة بأكملها فجأة إلى أجل غير مسمّى. ولندرك حجم هذا الاضطراب، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنَّ "شنغهاي" و"شينزن" هما، على التوالي، أكبر وثالث أكبر اقتصاد حضري في الصين، شأنهما في ذلك شأن المنطقتين الحضريتين في الولايات المتحدة، "نيويورك" و"شيكاغو".

ومن خلال الاعتماد المكثف على استراتيجية صفر كورونا، وضعت القيادة السياسية الصينية نفسها بين المطرقة والسندان. فإذا تضاعف هذا الاعتماد، سيشكِّل عائقًا إضافيًّا أمام التعافي الاقتصادي للبلاد، ويفرض تكاليف لم تعد جديرة بالاهتمام بالنسبة للناس. ولكن إذا خفَّفت قيود كوفيد-19، فستزداد الإصابات والوفيات بسرعة مع انتشار الفيروس بين السكان الذين يفتقرون إلى مستوى المناعة التي تتمتَّع بها معظم البلدان المماثلة الأخرى.

ولن تتجاوز الصين أزمة فيرو كورونا المستجد في النهاية إلا عندما يحدث شيئان. أولاً، يجب تحسين المناعة المزودة باللقاحات بالنسبة لكبار السن؛ ويجب أن تنشر الحكومة جميع مواردها للزيادة من سرعة وعدد التطعيمات التي تُقدَّم لكبار السن؛ كما يجب أن تعتمد أكثر اللقاحات فعّالية. وتعدُّ الموافقة الأخيرة بشأن السماح لشركة صينية بأن تنتج أدوية جنسية لعقار "فايزر" المضاد لفيروس كورونا خطوة في الاتجاه الصحيح. كما يجب أن تشجِّع الحكومة، الآن، المزيد من التقييمات المستقلة والشفافة فيما يتعلَّق بجميع اللقاحات المتاحة، حتى تتمكَّن من الزيادة من إمدادات اللقاحات الفعّالة وتعزيز ثقة الناس بها.

ثانيًا، يجب أن تغيِّر السلطات الصينية رسائلها العامة لإدارة التوقُّعات. فالشعب الصيني في حاجة إلى الاستعداد للتعايش مع كوفيد-19، مما يعني تقبلهم لحدوث حالات العدوى والوفيات، تمامًا كما يحدث في حالة الإصابة بالإنفلونزا والأمراض المعدية الأخرى.

وينبغي أن تتحرَّك الصين بسرعة. فعلى الرغم من أنها لا تزال تعاني من الموجة الأولى ل"أوميكرون"، فإنَّ المتحور الفرعي (BA.2) يجتاح أوروبا بالفعل ومن المرجَّح أن يشقَّ طريقه إلى الصين في الأشهر المقبلة. وخلُص الباحثون إلى أنَّ المتغير الجديد مشابه للمتغير القديم، مما يهدد بصورة أساسية الأشخاص الذين لم يتلقوا التطعيم، أو الذين يعانون من نقص المناعة، أو الذين يفتقرون إلى الأجسام المضادة بسبب عدوى حديثة. وما لم تكن الصين مستعدة لإغلاق اقتصادها مع كل ظهور لمتغير جديد، فإنه من الضروري أن توفِّر تطعيمات لكبار السن وإعداد شعبها لحدوث مزيد من الوفيات بسبب فيروس كورونا المستجد ( كوفيد-19).

ترجمة: نعيمة أبروش   Translated by Naaima Abarouch

نانسي تسيان، أستاذة الاقتصاد الإداري وعلوم القرار في كلية كيلوج للإدارة بجامعة نورث وسترن، هي المديرة المؤسِّسة لمختبر الاقتصاد الصيني ومختبر "نورث وسترن" الصيني.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org