كيف تؤثر الجائحة في العمل المصرفي؟

زافير فيفيس

برشلونة ــ كشفت أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) عن حقيقة مفادها أنَّ البنوك ليست جزءاً من المشكلة يحتاج إلى التغيير، بل هي جزء من الحل. فقد أثبتت البنوك حتى الآن قدرتها على الصمود، وغالباً كنتيجة لمتطلبات الرأسمال والسيولة الأكثر صرامة التي فرضت عليها في أعقاب الأزمة المالية العالمية في الفترة من 2007 إلى 2009. واليوم، تستخدم العديد من الحكومات البنوك لتوجيه الأموال إلى الأسر والشركات التي تضررت بفعل التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الجائحة.

علاوة على ذلك، منحت الحكومات البنوك وقفاً مؤقتاً لتطبيق معايير تنظيمية وإشرافية أكثر صرامة، من أجل الحد من التأثيرات الدورية المحتملة التي قد تنتج عن التدابير التي جرى فرضها في العقدين الأخيرين وتجنب ضائقة ائتمانية. ونتيجة لهذا، أصبح لدى البنوك الآن الفرصة لعكس الضرر الذي لحق بسمعتها أثناء الأزمة المالية.

لكنها لم تخرج من المأزق بعد، وهو ما يرجع جزئياً إلى أنَّ الأزمة ستزيد بشكل حاد من حجم القروض المتعثرة. علاوة على ذلك، وكما يشير تقرير حديث شاركت في إعداده، فإنَّ الجائحة ستزيد من حدة الضغوط القائمة مسبقاً ــ وخاصة أسعار الفائدة المنخفضة والارتباك الرقمي ــ على ربحية البنوك.

الآن ستتقدم عملية التحول الرقمي بسرعة، لأنَّ كلاً من البنوك والعملاء أدركوا أنهم قادرون على العمل والتشغيل عن بُـعد بطريقة آمنة وفعّالة. وسوف تتسبَّب الزيادة الناجمة عن ذلك في الاستثمارات في تكنولوجيا المعلومات في جعل العديد من شبكات الفروع الممتدة للبنوك مجرد بنايات عتيقة عفا عليها الزمن بسرعة أكبر مما كان متصوراً، وخاصة في أوروبا. وسوف يستلزم هذا إعادة هيكلة عميقة لهذا القطاع.

سوف تعاني البنوك المتوسطة الحجم لأنها ستجد صعوبة في توليد الكفاءة من حيث التكلفة والاستثمار اللازم في تكنولوجيا المعلومات في ظل البيئة الجديدة. ورغم أنَّ الاندماج قد يعرض على البنوك المجهدة مخرجاً، فمن المحتمل أن تنشأ عقبات سياسية تعرقل عمليات الاندماج عبر الحدود في العديد من المناطق مع اتجاه الحكومات إلى تبني المزيد من سبل الحماية للأنظمة المصرفية الوطنية. ففي أوروبا، على سبيل المثال، حيث ارتفعت النزعة الوطنية المصرفية (باستثناء المملكة المتحدة)، يبدو الاندماج المحلي أكثر احتمالاً.

بالإضافة إلى هذا، ربما تواجه البنوك منافسة متجددة من جانب بنوك الظل والمشاركين الرقميين الجدد الذين كانوا يتحدون بالفعل نموذج الأعمال المصرفية التقليدي قبل الجائحة. في الولايات المتحدة، حقَّقت شركات التكنولوجيا المالية نجاحات مهمة في مجال الرهن العقاري والقروض الشخصية. وفي الأسواق الناشئة، أصبحت المنصات الرقمية الضخمة، مثل Alipay في الصين، مهيمنة على بعض قطاعات السوق مثل أنظمة الدفع.

يشير التحوُّل الرقمي السريع الناتج عن تدابير الإغلاق لمكافحة كوفيد-19 إلى أنَّ وتيرة التغيير في القطاع المصرفي ربما تفاجئ الجميع. وقد يؤدي هذا التسارع بدوره إلى التعجيل بتبني أشكال مختلفة من العملات الرقمية، بما في ذلك من قِـبَـل البنوك المركزية.

من خلال المزيد من تقليص الحواجز التي تحول دون الدخول والخروج في سوق الخدمات المالية، سيعمل التحول الرقمي على زيادة حدة الضغوط التنافسية وتقييد ربحية البنوك في الأمد القريب. لكن تأثيره في الأمد البعيد سيكون أكثر التباساً، وسوف يعتمد على بنية السوق التي ستسود في نهاية المطاف.

تتمثل إحدى النتائج المحتملة في أنَّ بعض المنصات المهيمنة ــ ربما بعض الشركات الرقمية العملاقة الحالية، إضافة إلى بعض الشركات الحالية المتحولة ــ تتحكَّم في القدرة على الوصول إلى قاعدة العملاء المجزأة التي تعيش في ظل أنظمة بيئية مالية مختلفة. في هذه الحالة، يقوم العملاء بتسجيل طلباتهم على إحدى المنصات، ويتنافس مقدمو الخدمات المالية لتوفيرها لهم. وسوف تعتمد درجة تنافس المنصة ومستوى خدمة العملاء على تكاليف التحوُّل من نظام بيئي إلى آخر: كلما كانت أعلى، كانت السوق أقل تنافسية.

لقد تكيفت الهيئات التنظيمية المصرفية بالفعل مع عالم ما بعد الجائحة بتخفيف قيود الجدول الزمني الذي يحكم تنفيذ متطلبات رأس المال. إضافة إلى هذا، سوف يلزمها الارتباك الرقمي بالعمل على إيجاد التوازن بين تعزيز المنافسة والإبداع وبين الحاجة إلى حماية الاستقرار المالي.

لتحقيق هذه الغاية، يجب على الهيئات التنظيمية أن تضمن تكافؤ الفرص للجميع، وأن تعمل على تنسيق الضوابط التنظيمية الاحترازية وسياسة المنافسة مع سياسات البيانات. وسوف يتطلب هذا الإبحار عبر مقايضات معقدة بين استقرار النظام وسلامته، وكفاءته وقدرته على المنافسة، والخصوصية.

سوف تختبر الجائحة وتداعياتها مرونة النظام المالي وقدرته على الصمود وكفاءة الإصلاحات التنظيمية التي أدخلت بعد أزمة 2007-2009. خلص التقرير الأول الذي أصدرته في العام الفائت المبادرة المصرفية التي أطلقها معهد الدراسات العليا لإدارة الأعمال (IESE Business School) إلى أنَّ هذه التدابير جعلت العمل المصرفي أكثر سلامة، لكن بعض العمل لا يزال مطلوباً، وخاصة في ما يتعلَّق بأعمال الظل المصرفية.

سوف تُـفضي الاستجابة للأزمة الحالية إلى توسيع حدود تدخل البنوك المركزية ــ وخاصة في أوروبا، حيث قد تصبح القدرة على تحمل الديون السيادية قضية أكثر بروزاً في الأمد المتوسط. علاوة على ذلك، سوف تختبر الأزمة الاتحاد المصرفي في منطقة اليورو، والذي لا يزال غير مكتمل في غياب التأمين المشترك على الودائع.

الواقع أنَّ البنوك لديها الآن الفرصة لتحسين صورتها العامة المتضررة من خلال الاضطلاع بدور بـنّاء في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية الحالية. ولكن مع تسبُّب أزمة كوفيد-19 في التعجيل بالتحوُّل الرقمي في القطاع وإعادة هيكلته، فقد يصبح مستقبل البنوك قريباً أقل يقيناً.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

زافير فيفيس أستاذ علوم الاقتصاد والتمويل في معهد الدراسات العليا لإدارة الأعمال (IESE Business School)، والمؤلف المشارك (مع إيلينا كارليتي، وستيجن كليسنس، وأنطونيو فاتاس) لتقرير بعنوان "نموذج أعمال البنوك في عالم ما بعد جائحة كوفيد-19".

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org