ماذا يحمل لنا الركود؟

جيفري فرانكل

كمبريدج ــ في الثامن من يونيو/حزيران، أعلنت لجنة تأريخ دورة الأعمال التابعة للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية أن النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة بلغ ذروته في فبراير/شباط 2020، وهو التاريخ الذي يمثل رسمياً بداية الركود. لكننا كنا نعلم بالفعل أننا في ركود بدأ على الأرجح في ذلك التاريخ تقريباً. ما السبب إذن وراء أهمية الإعلان الرسمي الصادر عن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية؟

ليس سِـراً أن معدلات تشغيل العمالة سجلت انخفاضاً حاداً من فبراير/شباط إلى مارس/آذار. كما بلغ كل من الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الحقيقي (المعدل تبعاً للتضخم) والدخل الشخصي الحقيقي قبل التحويلات ذروته في فبراير أيضاً. تَـصـدُر الأرقام الرسمية للناتج المحلي الإجمالي كل ثلاثة أشهر فقط، لكن السقوط الاقتصادي الحر في أواخر مارس كان كافياً لدفع نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول إلى الانخفاض إلى معدل 4.8% سلباً على أساس سنوي (نسبة إلى الربع الأخير من عام 2019).

على الرغم من أن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية مؤسسة بحثية خاصة غير ربحية، فإن تأريخه يتمتع بمكانة رسمية، كما أكد مكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة في الولايات المتحدة. كلما أعلنت لجنة تأريخ دورة الأعمال عن نقطة تحول للاقتصاد الأميركي، يتساءل الناس لماذا استغرقت كل هذا الوقت. لكن التأخر الذي دام أربعة أشهر بين الحدث وإعلان اللجنة الأخير كان الأقصر في تاريخها منذ تأسست في عام 1978. أما نقاط التحول الدوري العشر في الاقتصاد الأميركي منذ عام 1980، فكان التأخر الزمني قبل الإعلان عنها يعادل 11.7 شهراً في المتوسط. وتشهد سرعة اللجنة النسبية هذه المرة على المفاجأة غير المسبوقة المتمثلة في الانهيار الذي أحدثته الجائحة.

يفاجأ القراء غالباً عندما يعلمون أن مهمة الإعلان عن الركود في الولايات المتحدة تقع على عاتق لجنة من الاقتصاديين الذين ينظرون في مجموعة واسعة من المؤشرات. الواقع أن أغلب الاقتصادات المتقدمة الأخرى تُـعَـرِّف الركود على أنه ببساطة ربعان متتاليان من نمو الناتج المحلي الإجمالي السلبي. لكن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تتجاوز قاعدة الربعين. فالحكومة اليابانية أيضاً تضع في الاعتبار مؤشرات أخرى في تأريخها الرسمي لدورة الأعمال. وتتولى لجان خاصة في مناطق أخرى ــ بما في ذلك منطقة اليورو، وكندا، وإسبانيا، والبرازيل ــ تأريخ دورة الأعمال من خلال النظر إلى مجموعة أكثر اتساعاً من المؤشرات الاقتصادية، وإن كانت تفعل ذلك دون اجتذاب ذات القدر الكبير من الاهتمام من وسائل الإعلام أو الهيئات الحكومية الرسمية.

في كل الأحوال، يميل كل من وجهي الانتقاد ــ "لماذا التأخر؟" و"لماذا لم يُـحـتَـكَـم إلى قاعدة الربعين؟" ــ إلى التعارض مع الآخر. ذلك أن إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي تُـجـمَـع دائماً بعد فاصل زمني ثم يجري تنقيحها لاحقاً (وخاصة في شهر يوليو/تموز من كل عام، عندما يقوم مكتب التحليل الاقتصادي بتحديث حسابات الدخل الوطني والإنتاج). وعلى هذا فإن الاكتفاء بأرقام الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر قد يتطلب الانتظار لفترة أطول بين البداية الفعلية للركود وتحديدها رسمياً.

يُـعَـد أحدث إعلان صادر عن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية مثالاً على الفائدة المتحقِّقة من التحرر من قاعدة الناتج المحلي الإجمالي. ربما يكون بوسعنا أن نجزم عن يقين بأن بيانات الربع الثاني من عام 2020 ستظهر انخفاضاً حاداً في الناتج الأميركي أكبر حتى من ذلك المسجل في الربع الأول (ربما بنحو 40% على أساس سنوي). لكن هذا الربع الثاني من النمو السلبي لا يمكن التحقق منه قبل أن يصدر تحديث مكتب التحليل الاقتصادي في الثلاثين من يوليو/تموز. وحتى ذلك الرقم سيكون مجرد تخمين مسبق.

الواقع أن العدسة التي ينظر المرء من خلالها إلى دورة الأعمال من الممكن أن تحدث فارقاً كبيراً بمرور الوقت. لا أحد يشكك في حكم المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية بأن عام 2001 شهد ركوداً، حتى برغم أن الربعين من نمو الناتج المحلي الإجمالي السلبي في ذلك العام كانا غير متتالين. وبذات المنطق، يقبل الجميع أن أطول توسع أمريكي مسجل، حتى وقت قريب، كان فترة العشر سنوات (120 شهراً) من مارس/آذار 1991 إلى مارس 2001. ولا أحد يحاول أن يزعم أن التوسع دام فعلياً حتى ديسمبر/كانون الأول 2007 (201 شهراً) لأن الربعين من النمو السلبي في عام 2001 كانا غير متتاليين. إذا كانت هذه هي الحال، فإن التوسع الذي اكتمل للتو والذي دام 128 شهراً (من يونيو/حزيران 2009 إلى فبراير/شباط 2020) يخسر دعواه بأنه أطول توسع أميركي مسجل على الإطلاق.

كانت عدسة المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية مهمة أيضاً في تأريخها لما يسمى الركود العظيم. فعندما أعلنت اللجنة أن الركود بدأ مع الذروة في ديسمبر/كانون الأول 2007، ظلت تقديرات الحكومة الأميركية تُـظـهِـر رغم ذلك أن أرقام الناتج المحلي الإجمالي الرسمية أعلى في كل من الربعين الأول والثاني من عام 2008 مقارنة بالربع الأخير من عام 2007. اسـتُـقـبِل إعلان المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية عن بدء الركود بالترحاب على أنه كان واجباً منذ فترة طويلة. ولكن، لو طبق المكتب قاعدة الربعين فإنه كان ليضطر إلى الانتظار عاماً آخر ونصف العام لتحديث مكتب التحليل الاقتصادي الحاسم للبيانات.

مقارنة بالنهج الأقل ميكانيكية الذي يتبناه المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، فإن قاعدة الربعين لها إيجابياتها وسلبياتها. تتلخص إحدى مزاياها في أن الإجراء البسيط الشفاف التلقائي يبدو أكثر موضوعية من قرارات لجنة تتألف من اقتصاديين أكاديميين غير منتخبين وغير خاضعين للمساءلة. أما العيب الأكبر فهو أنه ما دامت إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي تخضع لمراجعة لاحقة، فإنها قد تتطلب مراجعة بأثر رجعي لنقاط التحول الدوري.

على سبيل المثال، سنجد أن "ركود" 2011-2012 في المملكة المتحدة جرى محوه من السجل لاحقاً عندما تم تحديث أرقام الناتج المحلي الإجمالي الرسمية في يونيو/حزيران 2013. وأي ادعاء من جانب الساسة، والباحثين، وغيرهم، حول الركود في عام 2012 اعـتُـبِـر كاذباً، حتى على الرغم من استناد تلك الادعاءات إلى حسن النية في ذلك الوقت.

لهذا السبب، قبل تأريخ نقطة دنيا أو ذروة، ينتظر المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية إلى أن يصبح على يقين بشكل معقول من أنه لن يضطر إلى تنقيح بيانه في المستقبل بعد أن تكون التواريخ أدخلت بالفعل في التأريخ الرسمي. هناك بالفعل وفرة من المراقبين الذين يحاولون تقييم احتمالات الركود مثل الركود الحالي لحظياً. لكن أولوية لجنة المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية ليست أن تكون الأسرع، بل أن تكون حاسمة ودقيقة.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

جيفري فرانكل أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org