من يملك الاقتصاد الأكبر في العالم؟

جيفري فرانكل

كمبريدج ــ أصدر برنامج المقارنات الدولية التابع للبنك الدولي للتو أحدث مقاييسه لمستويات الأسعار والناتج المحلي الإجمالي في 176 دولة، وكانت النتائج مذهلة. فللمرة الأولى على الإطلاق، يجد برنامج المقارنات الدولية أنَّ إجمالي الدخل الحقيقي (المعدل حسب التضخم) في الصين أكبر قليلاً من دخل الولايات المتحدة. على أساس تعادل القوة الشرائية، كان الناتج المحلي الإجمالي لعام 2017 في الصين 19.617 تريليون دولار أميركي، في حين بلغ في الولايات المتحدة 19.519 تريليون دولار.

بالطبع، عند تقسيم إجمالي الدخل في الصين على عدد سكانها الهائل، تتغيَّر الصورة. فرغم أنَّ نصيب دخل الفرد في الصين تقدَّم على نظيره في مِـصر، فإنه لا يزال في منتصف المجموعة عالمياً، خلف البرازيل، وإيران، وتايلاند، والمكسيك.

على أية حال، لكل من المفهومين ــ إجمالي الدخل ونصيب الفرد في الدخل ــ أثار واضحة فيما يتصل بالمسائل الجيوسياسية، ولهذا يتعيَّن على المرء أن ينظر فيهما بشكل منفصل. تريد الصين أن تُـعـامـل معاملة الدولة النامية (على الأقل في المفاوضات التجارية)، ويُـظـهِـر رقم نصيب الفرد في الدخل حسب برنامج المقارنات الدولية أنها كذلك على وجه الدقة. ولكن عندما يتعلَّق الأمر بسياسات القوة ونفوذ الصين في المؤسَّسات الدولية، يصبح إجمالي الدخل أكثر أهمية.

يقارن برنامج المقارنات الدولية بين البلدان على أساس تعادل القوة الشرائية، وهي الطريقة الصحيحة عند حساب نصيب الفرد في الدخل، لكنه من المحتمَل أن يفرض مشكلة عند استخدامه لتقييم القوة الجيوسياسية. ولعلَّ النهج الأفضل في تقييم القوة الجيوسياسية يتمثَّل في مقارنة الناتج المحلي الإجمالي الوطني بأسعار الصرف الفعلية، وفي هذه الحالة يتضح أنَّ الاقتصاد الأميركي متقدم كثيراً على الاقتصاد الصيني.

عندما أصدر برنامج المقارنات الدولية تقريره الأخير قبل ست سنوات، أثار موجة من الاهتياج الإعلامي، بعناوين رئيسة مثل "الصين تقترب من اجتياز الولايات المتحدة باعتبارها القوة الاقتصادية الرائدة في العالم هذا العام"، في صحية فاينانشال تايمز. الواقع أنَّ مقاييس برنامج المقارنات الدولية هذه التي تخصُّ عام 2011، أظهرت أنَّ الناتج المحلي الإجمالي الصيني يقترب بسرعة من نظيره في الولايات المتحدة. بعد ذلك بفترة وجيزة، أوردت التقارير أنَّ الاجتياز حدث بالفعل، على الأقل وفقاً لإحصاءات النمو الوطنية التي تغيَّرت بين نقطتي المرجع لبرنامج المقارنات الدولية اللتين تفصل بينهما ست سنوات.

ولكن مرة أخرى، استندت هذه النتائج إلى قراءة البيانات على أساس تعادل القوة الشرائية. المشكلة، المألوفة بين خبراء الاقتصاد الدوليين، هي أنَّ الناتجين الصيني والأميركي يقاسان بعملة كلٍّ من البلدين. فكيف يترجم المرء الأرقام حتى تصبح قابلة للمقارنة؟

يتمثَّل الحل الواضح في استخدام سعر الصرف المتزامن: ضرب الناتج المحلي الإجمالي الصيني المقاس بالرنمينبي في سعر صرف الدولار مقابل الرنمينبي، ليصبح معبراً عنه بالدولار. على هذا الأساس، يظلُّ الاقتصاد الأميركي (19.519 تريليون دولار) أكبر من نظيره الصيني (12.144 تريليون دولار) بأكثر من 50%، وفقاً لأحدث الأرقام.

على النقيض من ذلك، يعدُّ قياس الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية أكثر ملاءمة لمقارنة مستويات المعيشة، لأنه يعبِّر عن حقيقة مفادها أنَّ العديد من السلع والخدمات أرخص في الصين مما هي عليه في الولايات المتحدة. في عموم الأمر، ما يمكن شراؤه برنمينبي واحد في الصين أكثر كثيراً مما يمكن شراؤه به في الخارج. ورغم أنَّ أسعار بعض السلع المتداولة دولياً متماثلة، فإنَّ أموراً مثل قص الشعر ــ وهي الخدمة التي لا يمكن تصديرها أو استيرادها بسهولة ــ أرخص في الصين عنها في الولايات المتحدة.

الواقع أنَّ مقياس تعادل القوة الشرائية له العديد من الاستخدامات، لكن تقييم القوة الجيوسياسية ليس أحد هذه الاستخدامات. فهو لا يفيد في الإجابة عن السؤال الأساسي الذي يركِّز عليه أغلب المعلقين: كيف يُـقارَن حجم الصين اقتصادياً بنظيره الأميركي في المسابقة الأوسع من أجل الفوز بالسطوة العالمية؟

في الإجابة عن هذا التساؤل، ربما يكون الاعتبار الأكثر صِـلة هو على سبيل المثال كم من الأموال يمكن أن تسهم به الصين في صندوق النقد الدولي وغيره من الهيئات المتعددة الأطراف، وكم من قوة التصويت ينبغي لها أن تحصل عليه في المقابل. يتمثل اعتبار آخر في منظور دول أخرى لها مطالبات مُـنافِسة في بحر الصين الجنوبي: كم عدد السفن التي تستطيع الصين شراؤها أو بناؤها أو نشرها؟ في الإجابة عن هذا وغيره من التساؤلات الجيوسياسية، من المفيد بشكل أكبر الاعتماد على الناتج المحلي الإجمالي الصيني بأسعار الصرف الحالية. المسألة ليست في عدد قصات الشعر التي يمكن للمستهلكين الصينيين شراؤها، بل ما الذي يمكن أن يشتريه الرنمينبي في الأسواق العالمية.

يشير بعض المراقبين بكل تأكيد إلى أنَّ صندوق النقد الدولي ذاته يقدِّم الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية لأغراض محددة للغاية في توقعاته الاقتصادية العالمية. لكن صندوق النقد الدولي لا يتخذ موقفاً بشأن مسألة تحديد أي الاقتصادات أكبر.

يتمثَّل أقرب ما وصل إليه صندوق النقد الدولي في تقديم موقف رسمي في صيغته التي توجه تخصيص حصص البلدان الأعضاء. وهنا يكون قياس الناتج المحلي الإجمالي مرجحاً، مع احتساب 60% بأسعار صرف السوق واحتساب 40% فقط على أساس أسعار تعادل القوة الشرائية. (يمثل مؤشر الناتج المحلي الإجمالي نصف الصيغة الإجمالية؛ وتشمل مقاييس أخرى، مثل الانفتاح التجاري، النصف الآخر).

يتعامل صندوق النقد الدولي مع أحجام الحصص بجدية. وإذا حصلت الصين على حصة أعلى من الولايات المتحدة، على سبيل المثال، فإنَّ بنود اتفاقية الصندوق تلزمه بنقل مقره من واشنطن إلى بكين.

في اللحظة الراهنة، تتمتع الصين بنفوذ أقل كثيراً من نفوذ الولايات المتحدة في صندوق النقد الدولي. ولكن في عهد الرئيس دونالد ترامب، تتخلَّى الولايات المتحدة عن نفوذها في المنظمات المتعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، ومنظمة الصحة العالمية (حتى في خضم الجائحة). ولا ينبغي لأحد أن يندهش عندما تسارع الصين إلى شغل الفراغ.

إنَّ الولايات المتحدة لا تفتقر إلى القوة الاقتصادية أو المالية اللازمة للحفاظ على قيادتها التي دامت 75 عاماً للنظام الدولي. ولكن في عهد ترامب، نسيت أميركا السبب وراء أهمية هذه المكانة القيادية، وهي الآن تلقي بقوتها وسمعتها إلى البالوعة.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

جيفري فرانكل أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org