هل سيُخرج كوفيد-19 القرن الإفريقي عن مساره؟

مايكل ويلكرسون

نيويورك- في كتاب The Fortunes of Africa (ثروات إفريقيا)، يتحدث المؤلف، مارتن ميريديث، عن سفينة إبحار هولندية أسقطت كومة من الغسيل لخويخوي، السكان المحليين في الرأس الجنوبي الغربي لإفريقيا، الذين أطلق عليهم الأوروبيون اسم هوتنتوتس. لقد حدث هذا في عام 1713. وقام سكان خويخوي بغسل الملابس، ثم تلقوا أجراً دُفع لهم حسب الأصول. ولكن الغسيل كان يحمل الجدري. وخلال العام التالي، انهار ذلك المجتمع. وتوفي تسعة من أصل عشرة من سكان خويخوي، وفي النهاية اختفت القبيلة من الرأس الإفريقي.

ومرة أخرى، يهدِّد مسبب أجنبي للأمراض إفريقيا. إذ سيظهر التأثير الكامل لـكوفيد-19، في وقت متأخر هناك، مقارنة مع بقية العالم، لكن الأسواق المالية قد أحدثت خسائر بالفعل. وحتى قبل أن يحرز الفيروس تقدمًا كبيرًا في القارة، تراجعت العملات الإفريقية، والديون السيادية، والأسهم العامة، إلى حدٍّ كبير، متكبدة، في كثير من الحالات، خسائر أكبر بكثير من الأسواق المتقدمة، أو الأسواق النامية، والناشئة الأخرى. لقد كان التأثير في أسواق الأسهم الإفريقية أسوأ مما كان عليه في عمق الأزمة المالية العالمية.

ولكن، إذا ما تمَّ التعامل مع هذا الوباء تعاملاً صحيحاً، فقد يصبح عقبة عالية في الطريق نحو تحقيق القرن الإفريقي. وبصفتي مستثمراً وفاعل خير في إفريقيا لأكثر من عقد من الزمان، ركزت على الفرصة التي لا مثيل لها، والتي تمثلها القارة. وكما قال رئيس جنوب إفريقيا السابق، ثابو مبيكي، في خطاب النصر الذي ألقاه عام 1999، "لقد أصدر شعب بلادنا توجيهًا واضحًا بأنه يجب علينا العمل معًا من أجل النهضة الإفريقية، من أجل أن يبرز القرن الحادي والعشرين على أنه قرن إفريقي". إنَّ النمو الكامن القوي، والاتجاهات الديموغرافية الجذابة، والحوكمة المحسنة، والاستقرار، والشفافية عوامل تنطوي على فرص هائلة على المدى الطويل، مع إمكانية إخراج عشرات الملايين من الفقر.

ومن المتوقع أن يتضاعف عدد سكان إفريقيا، الذي ينمو بمعدل 2.5٪ سنويًّا (بنحو ضعف وتيرة الهند)، خلال الثلاثين عامًا المقبلة. وبحلول نهاية هذا القرن، ستتفوق إفريقيا على آسيا في عدد البالغين سن العمل.

وتصاحب هذا النمو تحديات معينة. إذ سيحتاج ملايين الشباب الأصحاء في إفريقيا إلى التعليم، والوظائف، والسكن، والرعاية الصحية، والسلع الاجتماعية الأخرى، التي تعجز بلدانهم إلى حدٍّ كبير على توفيرها اليوم. وفي حين أنَّ التضخمَ الشبابي القادم يعد بالكثير، إلا أنه يمكن أن يعرض الاستقرار الجيوسياسي للخطر إذا أسيء التعامل معه. ويعد جيل من الشباب غير المتعلمين، والأشخاص الذين يعانون من العمالة الناقصة، والمحبطين اقتصاديًّا برميل بارود يمكن أن يعطل المجتمعات، ليس في إفريقيا فحسب، بل في جميع أنحاء العالم.

وسوف يعرقل كوفيد-19 القرن الإفريقي على المدى القصير. وقد يتسبب فرض الحجر في حدوث اضطرابات اجتماعية. وبالفعل، لقد كانت هناك احتجاجات، وما يشبه أعمال شغب في نيروبي، وجوهانسبرغ، وأماكن أخرى.

إن عمليات الحجر في المدن الإفريقية الكبرى لا تشبه نظيرتها في الصين، أو إيطاليا، أو الولايات المتحدة. فالمستوطنات السكنية هناك غير رسمية، ونسبة الكثافة السكانية أعلى. كما يجب شراء المواد الغذائية، والأساسيات الأخرى واستهلاكها يوميًّا- وغالبًا ما تقتنى من الأسواق المفتوحة، والأكشاك، بالأموال التي كُسبت في نفس اليوم. إنَّ المباعدة الاجتماعية مستحيلة عندما ينام خمسة من أفراد الأسرة أو أكثر في غرفة واحدة سيئة التهوية. كما أنَّ غسل اليدين بصورة متكررة أمر صعب عندما يتعيَّن جلب المياه من مصدر مجتمعي غير آمن.

إنَّ صوت الجوع أعلى من المراسيم الحكومية. فمعظم العمال في إفريقيا يعملون في الزراعة الأولية، ويجب أن يكونوا قادرين على زراعة محاصيلهم، وحصادها، ومعالجتها. وعلى أي حال، ليس هناك جدوى من العيش الآن فقط لنعاني الجوع في وقت لاحق.

وسيواصل القادة في إفريقيا التطلُّع إلى الخارج للحصول على الدعم. وبدأت العديد من الحكومات الإفريقية، التي مالت بسهولة وفي وقت مبكر إلى مجال النفوذ الصيني، في البحث عن بدائل في مكان آخر. ولكن الصين ستسعى إلى الاستفادة من الأزمة. فعلى سبيل المثال، ستقدم الصين مساعدة مالية وطبية ومساعدات أخرى، كما فعلت مع إيطاليا. وسوف ينظر الكثيرون إلى الإجراءات الصينية الصارمة والحاسمة لمكافحة الوباء في الداخل، على أنها نموذج لإفريقيا، نظراً إلى ردود فعل أوروبا وأمريكا المفككة، وغير الكفؤة حتى الآن.

ولكن إفريقيا يمكن أن تخرج من الوباء بضرر أقل مما يخشى الكثيرون. لقد تعلم القادة دروسًا مهمة من الأوبئة، لا سيما الإيبولا. وقد يبطئ المناخ الدافئ، وساكنة معظمها من الشباب ومن الريف، وانخفاض معدلات السفر الإقليمي، وتيرة انتشار الفيروس، ويخفض معدل الوفيات.

صحيح أنَّ المؤسسات الإفريقية ضعيفة للغاية، وقليلة الموارد للتعامل مع الوباء وتداعياته الاقتصادية، كما أنَّ الأنظمة الطبية في القارة غير مستعدة على الإطلاق. ولكن الدعم المالي والمؤسسي من أوروبا، والولايات المتحدة سيساعد في تخفيف الضرر، خاصة إذا ركزت الحلول على توفير التعليم الذي تشتد الحاجة إليه، وكذلك الإمدادات والبنية التحتية حيث ما تكون الحاجات على أشد وأمس ما يكون.

إن الوفاء بوعد القرن الإفريقي في المستقبل غير البعيد، لا يمكن أن تحققه البلدان الإفريقية بمفردها. وكما قال كين أوفوري-عطا، وزير المالية الغاني، لـ"فاينانشال تايمز" في الآونة الأخيرة، فإنَّ هذه "لحظة طوارئ" بالنسبة للقارة- حالة طارئة تحتاج فيها الجهات الدولية إلى اتخاذ إجراءات جذرية، إذا أرادت المنطقة الأفقر في العالم أن تتجنب كارثة انسانية، واقتصادية. ويُعد إدراك أن سكان إفريقيا، وظروفها، وأهميتها الجيوسياسية، عوامل فريدة أمرًا ضروريًّا.

لا يمكننا السماح لـكوفيد-19بوقف تقدم إفريقيا. ويمكن لزعماء القارة وشركائها من البلدان المتقدمة احتواء الوباء، بل يجب عليهم ذلك. إنَّ مصير خويخوي بمثابة تحذير. ويجب ألا يصبح مقدمة.

ترجمة:  نعيمة أبروش   Translated by Naaima Abarouch

يشغل مايكل ويلكرسون منصب الرئيس التنفيذي لشركةFairfax Africa Holding  (فيرفاكس أفريكا هولدينغ)، ومنصب رئيس مجلس إدارة Atlas Mara (أطلس مارا).

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org