تقف صناعة النشر على أعتاب تحول تاريخي مع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي بقوة إلى هذا القطاع، الأمر الذي من شأنه إحداث ثورة في آليات إنتاج المحتوى وتوزيعه وأتاحته واستخدامه. ويشير نديم صادق، مؤلف كتب فوربس، إلى أبرز التطورات المتوقعة في مجال النشر، مستعرضاً رؤيته حول مستقبل التأليف ودور المؤلفين، إلى جانب آفاق تقنيات عرض المحتوى وانتشاره.
فمنذ نوفمبر 2022، ومع إتاحة أدوات الذكاء الاصطناعي للجمهور على نطاق واسع مثل ChatGPT وClaude وPerplexity، شهد العالم طفرة تكنولوجية غير مسبوقة جعلت هذه الأدوات جزءاً من الحياة اليومية. ولم يقتصر أثر الذكاء الاصطناعي على الواجهات التفاعلية فحسب، بل امتد ليصبح ركيزة تشغيلية أساسية في مختلف القطاعات، بدءاً من الرعاية الصحية وصولاً إلى الزراعة.
وفي قطاع النشر تحديداً، ساهمت هذه التقنيات في تبسيط العديد من الإجراءات، من العقود القانونية وتسويات الحقوق المالية إلى تقييم المخطوطات وعمليات التوزيع. ويرى الخبراء أن المرحلة المقبلة ستشهد تطورات أكثر عمقاً وإثارة، ستعيد تشكيل مشهد النشر العالمي وتفتح الباب أمام ابتكارات غير مسبوقة.
تجارب تفاعلية ومحتوى تنبؤي
يُبشّر الذكاء الاصطناعي بعصر جديد من الكتب التفاعلية الديناميكية التي تتكيف مع اختيارات القراء، حيث يمكن أن تتغير مسارات الروايات وفق قرارات القارئ، وتُدمج الجداول الزمنية والفيديوهات في الكتب التاريخية، ليزول بذلك الفارق بين النشر التقليدي والوسائط المتعددة. وإلى جانب ذلك، بات الذكاء الاصطناعي قادراً على التنبؤ بالتحولات المعرفية وتفضيلات القرّاء، ما يتيح للناشرين إصدار مؤلفات استباقية تتناول قضايا مستقبلية، ليصبحوا رواداً في الابتكار المعرفي بدلاً من مجرد متلقّين للتغيرات.

تعاون أفضل مع المؤلفين
ورغم المخاوف السائدة، يبرز الذكاء الاصطناعي كشريك إبداعي للمؤلفين لا بديلاً عنهم، إذ يتيح أدوات للتخطيط والتجريب تدعم الإبداع البشري، فيما تسهم تقنيات الترجمة وتحويل النص إلى كلام في كسر الحواجز اللغوية ونشر الأدب عالمياً، ورغم أن نتاج الذكاء الاصطناعي لن يكون مثالياً، فإنه يفتح آفاقاً لإبداعات بشرية أكثر تميزاً وانتشاراً.

التفاعل بين المؤلف والقارئ
سيجعل الذكاء الاصطناعي مستقبل النشر أكثر تخصيصاً، عبر كتب وروايات تتكيف مع القارئ في الوقت الفعلي وتستجيب لاختياراته ومستوى خبرته، كما قد تظهر صور رمزية للمؤلفين مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتوقيعات افتراضية وتفاعلات مباشرة مع الجمهور، ما يفتح الباب لعلاقات أعمق وأكثر تفاعلية بين المؤلفين وقرّائهم.

ما الخطوة التالية؟
الذكاء الاصطناعي ليس تهديداً للإبداع بل رافداً يعزز النشر ويوسّع جمهوره ويتفاعل معه بكفاءة. ولا يقتصر مستقبل الذكاء الاصطناعي في النشر على الإنتاج الأدبي فحسب، بل يمتد ليشمل المعرفة العلمية أيضاً، حيث يفتح المجال لإنتاج محتوى بحثي وعلمي أكثر دقة وسرعة وانتشاراً، بما يعزز دور النشر كجسر يصل الأفكار والإبداع والمعرفة إلى جمهور أوسع حول العالم. فمستقبل النشر يقوم على تكامل الإنسان والذكاء الاصطناعي لإنتاج تجارب أدبية ومعرفة علمية أعمق وأكثر انتشاراً.