عاصفة الديون التي تتجمع في إفريقيا

كوبوس فان ستادن

كيب تاون ــ تدفع أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) إفريقيا إلى حافة الهاوية المالية. فالآن تخضع الحكومات الإفريقية للضغوط لمواصلة خدمة قروضها الخارجية، مما يترك لها القليل من الموارد لمواجهة جائحة تاريخية والتداعيات الاقتصادية المترتبة عليها. في غياب الدعم الخارجي ــ على وجه التحديد تجميد شامل للسداد ــ سوف ترزح بعض الاقتصادات الإفريقية تحت وطأة أعباء الديون. وقد يفضي تأثير الدومينو الناتج عن ذلك إلى تعريض عملية التنمية في القارة بأسرها للخطر وإلحاق الضرر بالبلدان الأكثر ثراءً أيضاً.

كانت استجابة المجتمع الدولي متباينة حتى الآن. ولا تغطي الخطوة الأكثر بروزاً حتى الآن ــ مبادرة تعليق خدمة الديون المستحقة لمجموعة العشرين على بلدان العالم الأكثر فقراً ــ سوى الديون الثنائية الرسمية. ولكن 61% من مدفوعات خدمة الديون الخاضعة لهذه المبادرة هذا العام ستذهب إلى دائنين من القطاع الخاص، وحاملي السندات، والمقرضين متعددي الأطراف مثل البنك الدولي. وعلى الرغم من تأكيدات مجموعة العشرين، فإنَّ وكالات التصنيف العالمية قد خفضت تصنيف بعض البلدان التي انضمت إلى المبادرة في وقت لاحق.

لعب البنك الدولي هنا دوراً غير مفيد. فعلى الرغم من أنَّ رئيسه ديفيد مالباس دعا أخيراً إلى تخفيف أعباء الديون على نطاق أوسع، بل وتطرَّق أيضاً إلى إمكانية شطب الديون، فقد قاوم أيضاً الدعوات الموجَّهة إلى البنك ذاته (المقرض الرئيس لإفريقيا) لتجميد مدفوعات الديون. بدلاً من ذلك، تبدو المؤسَّسة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة أكثر اهتماماً بتسجيل نقاط سياسية من خلال حث بنك التنمية الصيني على الانضمام إلى مبادرة مجموعة العشرين، حتى بالرغم من أن القيام بذلك من شأنه أن يؤثِّر حقاً في دولة إفريقية واحدة فقط.

كما تُـفضي عوامل جيوسياسية إلى إخراج الخيار الواعد المتمثل في التخصيص الجديد لحقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي (أصوله الاحتياطية العالمية) عن مساره من أجل تحرير قدر إضافي من السيولة. إذ إنَّ هذه المبادرة تواجه المقاومة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تخشى أن تتدفق بعض الأموال إلى دول مثل إيران.

تتمثل مشكلة كبرى تعاني منها إفريقيا في ديون القطاع الخاص الضخمة الآن. في شهر مايو/أيار، أُنشئَت مجموعة من 25 من أكبر الدائنين في القطاع الخاص في القارة، بالتشاور مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا. وكانت السكرتيرة التنفيذية لهذه المنظمة، فيرا سونجوي، تمارس الضغوط من أجل تجميع ديون إفريقيا في أداة تشبه التزام الديون المضمونة، بدعم من مؤسسة مالية متعددة الأطراف وتحمل التصنيف (AAA) أو بنك مركزي. هذا من شأنه أن يوفِّر الوقت للبلدان من خلال منحها تجميد السداد لمدة عامين من أجل التعامل مع الجائحة، دون منعها من استغلال أسواق الائتمان في المستقبل لتمويل التعافي الاقتصادي.

لكن الدائنين من القطاع الخاص سارعوا إلى رفض مثل هذه الأساليب الشاملة، مصرين على ضرورة التعامل مع ديون البلدان الإفريقية على أساس كل حالة على حِـدة. وهذا يهدِّد بإهدار الكثير من الوقت حتى إن العديد من البلدان قد تنزلق إلى التخلف عن السداد أثناء الانتظار، وهو ما سيكون أمراً مزعجاً بشكل خاص في ضوء الأرباح الضخمة التي حقَّقها هؤلاء الدائنون من خلال مطاردة العائدات المرتفعة إلى عنان السماء في إفريقيا.

على الرغم من أنَّ أياً من هذه المقترحات لا يُـعَـدُّ علاجاً سحرياً، فإنَّ مشكلة ديون إفريقيا ليست مستعصية على الحل. تصل مدفوعات خدمة الديون في القارة في عام 2020 إلى 44 مليار دولار أميركي. هذا مبلغ كبير من المال، لكنه تغيير بسيط مقارنة بتريليونات من الدولارات التي تضخها حكومات الدول الغنية في اقتصاداتها.

يبدي أنصار المذهب التقليدي الأسف إزاء الكيفية التي ستعاني بها البلدان الأشد فقراً بسبب الاقتتال الداخلي بين دائني إفريقيا. تفترض هذه الاستجابة أنه على الرغم من كون محنة إفريقيا مؤسفة، فإنها أيضاً بعيدة، وسوف تعاني القارة في صمت. اليوم يُـعَـدُّ مثل هذا التفكير بالغ السذاجة.

حتى أوائل هذا العام، كانت اقتصادات إفريقية عديدة تنمو بقوة. الآن، في غياب المساعدة الخارجية للتغلب على عاصفة كوفيد-19، قد تواجه هذه البلدان انهياراً اقتصادياً. وسوف يؤثر هذا في العالم الغني بشكل مباشر وبطرق من غير الممكن أن يكون مستعداً لها.

بالنسبة إلى الصين، تمثل أزمة الديون الحالية أكبر انتكاسة سياسية لها في إفريقيا حتى يومنا هذا. ربما تراجعت قيمة القارة الاقتصادية من منظور الصين بعض الشيء، لكن قيمتها السياسية ككتلة من الأصوات يمكن الاعتماد عليها في المؤسَّسات المتعددة الأطراف تتزايد. وإذا فاز المنافس الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني، فسوف تواجه الصين ضغوطاً كثيفة في هذه المنظمات. ورغم أنَّ الصين انضمَّت إلى مبادرة مجموعة العشرين بشأن تعليق خدمة الديون من حيث المبدأ، فإنَّ تطبيقها يظلُّ تدريجياً ومبهماً.

وتستمر التكاليف السياسية في التصاعد. تواجه الصين حالياً جوقة من الرافضين فيما يتصل بالديون في نيجيريا، سواء على وسائط التواصل الاجتماعي أو في مجلس النواب. يدعو الساسة في نيجيريا إلى مراجعة كل قرض صيني للبلاد ــ وهو تحرُّك غير مسبوق في العلاقات الصينية الإفريقية. وإذا تفاقمت الأزمة الاقتصادية وأزمة الديون، فسوف ينتشر هذا العداء عبر القارة.

خلال الأوقات العصيبة السابقة، شنت أحزاب المعارضة الإفريقية حملة ضد التواجد الصيني في بلدانها. الواقع أنَّ الفوضى الاقتصادية المتزايدة ربما تؤدي ليس فقط إلى تآكل الدعم الإفريقي الرفيع المستوى للصين في منتديات مثل الأمم المتحدة، بل وأيضاً إلى الاستهداف الشعبوي للشركات الصينية والمواطنين الصينيين.

لا يخلو انخراط أميركا في إفريقيا من عنصر عسكري قوي ومناهض للإرهاب. وعلى هذا، ينبغي لصُنّاع السياسات الأميركيين أن يشعروا بالقلق إزاء حقيقة مفادها أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سيطر أخيراً على ميناء في موزمبيق. يبلغ عدد سكان إفريقيا 1.2 مليار نسمة، ويبلغ متوسط أعمارهم 19 عاماً. وليس من الصعب تحويل قارة من المراهقين الذين يفتقرون إلى أي آفاق اقتصادية إلى التطرف.

تتعامل أوروبا بالفعل مع فضيحة تخلي السلطات اليونانية عن مهاجرين أفارقة، وتركهم يموتون في البحر المفتوح. إذا انهارت الاقتصادات الإفريقية، فستواجه أوروبا أزمة هجرة غير مسبوقة تتضاءل بجانبها أزمة 2015، التي تسببت في إحداث موجة من استيلاء اليمين الشعبوي على السلطة في العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي.

إنَّ تكلفة مساعدة إفريقيا على تجاوز عاصفة الديون هذه ضئيلة للغاية، في حين أنَّ تكاليف التقاعس عن مساعدتها باهظة إلى حدٍّ لا يمكن تصوره. لقد انضمت العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي إلى مبادرة تعليق خدمة الديون، وربما تدعم تمديدها عندما تجتمع مجموعة العشرين ونادي باريس للدائنين السياديين في وقت لاحق من هذا العام. لكن تجنُّب سيناريوهات وخيمة يتطلب الإبداع. الآن، يتعين على جميع شركاء إفريقيا الماليين، بما في ذلك المؤسَّسات المتعددة الأطراف، والدائنون من القطاع الخاص، وحكومات الدول الغنية، أن تجتمع مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا وغيرها من أصحاب المصلحة الأفارقة للتوصُّل إلى حل شامل، وبسرعة.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

كوبوس فان ستادن كبير باحثي السياسة الخارجية في معهد جنوب إفريقيا للشؤون الدولية.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org