الأزمات والاستحواذ المالي في البنك المركزي الأوروبي
ويليم إتش بيوتر
إن تفسير «الاستحواذ المالي» مقنع بصورة خاصة بالنسبة إلى البنك المركزي الأوروبي، الذي يجب أن يتعامل مع العديد من الحكومات السيادية التي تواجه مشكلات القدرة على تحمّل الديون. فاليونان، وإيطاليا، والبرتغال، وإسبانيا، كلها تعاني من الهشاشة المالية. كما يمكن أن تواجه فرنسا، وبلجيكا، وقبرص، مشكلات التمويل السيادي عندما تحدث الانتكاسة الدورية التالية، أو عندما تعود أسعار الفائدة الخالية من المخاطر إلى وضعها الطبيعي، بعدما كانت في مستويات منخفضة للغاية في العقد الماضي، أو عندما يتم تسعير المخاطر السيادية بصورة أكثر واقعية.
منذ الربع الثاني من عام 2021، تجاوز التضخم في المملكة المتحدة والولايات المتحدة ومنطقة اليورو هدف البنوك المركزية المحدد في 2 % إلى حد كبير. ويمكن تفسير هذا الارتفاع تفسيراً جيداً من خلال عاملين لا يمكن توقعهما وهما شدة وباء «كوفيد 19» ومدته، فضلاً عن تداعيات الحرب في أوكرانيا، والأخطاء المتكررة التي يرتكبها بنك إنجلترا، والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي في التقدير.
بيد أنّ هناك تفسيراً آخر محتملاً وهو أن السياسة النقدية خضعت للهيمنة أو السيطرة المالية. بمعنى أن البنوك المركزية الرئيسة انخرطت في سياسات صارمة في ما يتعلق بسعر الفائدة المنخفض وشراء الأصول لدعم السياسات المالية التوسعية التي تعتمدها حكوماتها، على الرغم من أنها كانت تعلم أن هذه السياسات من المرجح أن تتعارض مع المهمة المنوطة بها في تحقيق استقرار الأسعار، ولم تكن ضرورية للحفاظ على الاستقرار المالي.
في أبريل 2022، بلغ معدل التضخم الرئيس في منطقة اليورو 7.5 %، وبلغ التضخم الأساسي (باستثناء الغذاء والطاقة) 3.5%. ومع ذلك، لا يزال البنك المركزي الأوروبي قلقاً جداً بشأن تمويل العجز السيادي. وكان هذا واضحاً في إعلانه الصادر في 24 مارس 2022 بأنه سيستمر في قبول سندات الحكومة اليونانية كضمان حتى نهاية عام 2024. إن الديون السيادية اليونانية لا تستجيب لشروط أهلية الائتمان التي وضعها البنك المركزي الأوروبي، ولكن منظومة اليورو (البنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية للدول الأعضاء) اشترتها واحتفظت بها في إطار برنامج عمليات الشراء الطارئة الوبائية (PEPP) منذ مارس 2020.
وفي ديسمبر 2021، أعلن مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي أنه سيتوقف عن شراء الأصول الصافية بموجب خطة حماية البيئة في نهاية مارس 2022. ولكنه قرر أيضاً إعادة استثمار مدفوعات الأصل المستحقة حتى نهاية عام 2024 على الأقل، بحيث «(يمكن) إدارة التدهور المستقبلي لمحفظة البرنامج لتجنّب التدخل في الموقف النقدي المناسب».
وفضلاً عن ذلك، في مارس 2022، أوضح مجلس الإدارة أنه قد يستمر في شراء وقبول ديون الحكومات الأخرى التي يمكن أن تنخفض إلى أقل من درجة الاستثمار في شكل ضمان. ويحتفظ البنك المركزي الأوروبي «بالحق في الانحراف أيضاً عن تصنيفات وكالات التصنيف الائتماني في المستقبل إذا كان هناك ما يبرر ذلك، بما يتماشى مع سلطته التقديرية بموجب إطار السياسة النقدية، ومن ثم تجنّب الاعتماد الآلي على هذه التصنيفات».
وإجمالاً، بلغت حيازات نظام اليورو من الأوراق المالية للقطاع العام بموجب برنامج المشتريات الطارئة الوبائية في نهاية مارس 2022 أكثر من 1.6 تريليون يورو، أو 13.4 % من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو لعام 2021، وبلغت قيمة صافي المشتريات التراكمي للديون السيادية اليونانية بموجب البرنامج، 38.5 مليار يورو. وبالنسبة للبرتغال وإيطاليا وإسبانيا، كانت حصص إجمالي الناتج المحلي المقابلة من صافي مشتريات برنامج عمليات الشراء الطارئة الوبائية 16.4 % و16 % و15.7 % على التوالي.
كما أجرى برنامج عمليات شراء القطاع العام (PSPP) التابع لمنظومة الأورو لعمليات شراء صافية للديون السيادية ذات الدرجة الاستثمارية. ومن نوفمبر 2019 حتى نهاية مارس 2022، بلغ إجمالي هذه الأموال 503.6 مليارات يورو، أو 4.1 % من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو.
والآن، يقال إن البنك المركزي الأوروبي يطوّر «أداة جديدة» لدعم الدول الأعضاء في منطقة اليورو في مواجهة تكاليف الاقتراض المرتفعة الناجمة عن الزيادات المستقبلية المتوقعة في معدل السياسة من البنك المركزي الأوروبي. وتتزايد فروق العائد السيادي على الديون السيادية في منطقة اليورو مرة أخرى - حيث وصلت فوارق عوائد العشر سنوات بين إيطاليا وألمانيا إلى 2 % في 10 مايو 2022 - في وقت لا تزال فيه العديد من الحكومات الضعيفة تخطط لإصدارات ديون صافية إضافية كبيرة.
وأتوقع أنه ستغير قواعد الأهلية التي وضعها برنامج عمليات شراء القطاع العام حتى يتسنى شراء الديون ذات الدرجة الاستثمارية الفرعية، أو أنه سيتم إنشاء مرفق جديد يشبه برنامج عمليات الشراء الطارئة الوبائية لهذا الغرض. وفي كلتا الحالتين، البنك المركزي الأوروبي هو المؤسسة الوحيدة التي لديها الموارد وسرعة رد الفعل اللازمة للانخراط في عمليات الإنقاذ المالي. ولا يمتلك الكيان الذي أنشئ خصيصاً لمعالجة قضايا الديون السيادية في منطقة اليورو، آلية الاستقرار الأوروبية، والجيوب العميقة، ولا المرونة للاستجابة بسرعة وحسم للتصدي لأزمة التمويل السيادي التي تلوح في الأفق.
عندما يبدأ البنك المركزي الأوروبي في رفع معدلات سياسته، أتوقع أنه سيواصل مشترياته من السندات. وعلى الأرجح، ستستهدف هذه الديون السيادية عالية المخاطر الصادرة عن دول مثل اليونان وإيطاليا، على الرغم من أن المشتريات المستهدفة من سندات الشركات والأوراق المالية المدعومة بالأصول يمكن أن تكون أيضاً جزءاً من «برنامج الشراء الجديد».
وعندما تحدث عمليات شراء الأصول هذه في ظل ظروف سوق غير منظمة، يمكن تبريرها على أنها تدابير «صانع السوق من فئة الملاذ الأخير». ومن المحتمل أن يكون هذا هو الحال مع عمليات شراء نظام اليورو لديون الشركات، بشرط أن تُعالج بمجرد استعادة ظروف السوق المنتظمة. ولكن عندما تصبح مالكاً طويل الأجل لمخزون متزايد من الديون السيادية الضعيفة، وهو أمر لا يمكن تبريره على أساس الاستقرار المالي النظامي، فإن نظام اليورو سيشارك في المزيد من عمليات الدعم المالي (وأحياناً الإنقاذ المالي).
* أستاذ مساعد للشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا