المستهلك الأمريكي ودوامات الركود المحتمل
جيسون فورمان
لا شك أننا معنيون ونحن ندرس مآلات وتوقعات أبعاد الركود والتضخم المحتملة في أمريكا، بأن ننظر بعمق إلى أي تنبؤات حول سلوك المستهلكين في المستقبل بحذر.
عادة، يرتبط الإنفاق الاستهلاكي بشكل وثيق بنمو الدخل المتاح الحقيقي، والذي يُـمَـثّـل كتدفق. مع ذلك، على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، كان تحديد الإنفاق الاستهلاكي يجري إلى حد كبير من خلال مجموعة من المواقف في التعامل مع جائحة «كوفيد19» والرغبة في مواصلة الإنفاق على مسار سلس.
يتوقع بعض المحللين أن يتجه الاقتصاد الأمريكي نحو الركود. ولكن إذا كانت هذه هي الحال حقاً، فمن الواضح أن شخصاً ما نسي أن يبلغ المستهلكين.
على الرغم من انخفاض ثقة المستهلك بشكل حاد في أغسطس 2021 وتراجعها منذ ذلك الحين، على النحو الذي أعادها إلى ذات المنطقة التي كانت عندها خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، فإن الإنفاق الأسري كان أعلى كثيراً من مستواه في ذلك الحين.
عندما يتحدث المستهلكون مع منظمي استطلاعات الرأي، فإنهم يسجلون مزاجاً كئيباً، ولكن سواء تسوّقوا عبر الإنترنت أو شخصياً، فإنهم ما زالوا يشترون بوتيرة متزايدة.
الواقع أن الإنفاق الاستهلاكي في الربع الثاني أصبح في طريقه إلى النمو بأكثر من 4% على أساس سنوي، وهذا من شأنه أن يجعله بين أفضل الأرباع في العقود الأخيرة. السؤال الأكبر إذن هو ما إذا كانت طفرة الإنفاق لتستمر.
على أية حال، المستهلكون لديهم سبب وجيه للشعور بالاكتئاب. فقد بلغ التضخم أعلى مستوياته في أربعين عاماً، وبلغ نمو الأجور الحقيقي (المعدل تبعاً للتضخم) أدنى مستوياته في أربعين عاماً.
كما سجل نصيب الفرد في الدخل الشخصي الحقيقي المتاح انخفاضاً دام خمسة أشهر متتالية قبل أن يستقر في أبريل، ليصبح أقل بنسبة 2.1% مما كان عليه في سبتمبر. في الوقت ذاته، تزايد الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 2% منذ سبتمبر، أي ما يقرب من ضعف معدله السنوي المعتاد.
تُـرى كيف يتسنى للمستهلكين زيادة إنفاقهم رغم تراجع مكاسبهم؟ الإجابة هي أنهم بدأوا ينفقون من مدخراتهم. انخفض معدل الادخار الشخصي من مستوى أعلى من المتوسط (مع تراكم الأصول لدى الأسر) إلى أقل من المتوسط مع انغماس المستهلكين في مدخراتهم لتيسير استهلاكهم بمرور الوقت.
يجب أن يكون المستهلكون قادرين على الإبقاء على هذا المستوى لبعض الوقت. خلال الفترة من مارس 2020 إلى ديسمبر 2021، تلقت الأسر 1.6 تريليون دولار إضافية من الدخل الشخصي المتاح بما يتجاوز الاتجاه السابق، ويرجع هذا في الأغلب إلى التحويلات الحكومية مثل شيكات التحفيز والتأمين ضد البطالة.
في الوقت ذاته، في الاستجابة للجائحة، قلّص المستهلكون استهلاكهم بمقدار 800 مليار دولار مقارنة بما كان متوقعاً. وهذا يعني أن المستهلكين دخلوا عام 2022 ومعهم 2.4 تريليون دولار في هيئة مدخرات فائضة، ولا يعبر هذا الرقم حتى عن الارتفاع الهائل الذي شهدته أسواق الأصول حتى نهاية عام 2021.
تظهر هذه المدخرات الإضافية بشكل مباشر في هيئة أرصدة أعلى في حسابات الشيكات، والتي يسجلها على نحو منتظم معهد جيه بي مورجان تشيس. لكن أرصدة حسابات الشيكات ليست سوى غيض من فيض، فهي تعكس نحو عُـشر المدخرات الفائضة. كما استخدمت الأسر المكاسب غير المتوقعة المرتبطة بالجائحة لسداد الديون (مما أدى إلى انخفاض أرصدة بطاقات الائتمان) وتكديس أصول أخرى.
* رئيس مجلس مستشاري الرئيس باراك أوباما للشؤون الاقتصادية سابقاً، وهو أستاذ ممارسة السياسة الاقتصادية في كلية جون ف. كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد، وكبير زملاء معهد بيترسون للاقتصاد الدولي