لا للمزيد من المحرومين بفعل الجائحة

مارك مالوك براون، راج شاه، دارين ووكر

نيويورك ــ كانت جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) سببًا في انقسام العالم على نحو يكاد يكون غير مسبوق. تمتلك الدول الأكثر ثراءً أكثر مما يكفيها من جرعات اللقاح لحماية شعوبها من ويلات الفيروس، لكن الحال في البلدان الأكثر فقرًا معكوسة تمامًا. كما يمتلك سكان الشمال العالمي الوسائل اللازمة لتفادي الكارثة الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية من خلال حِـزَم تحفيز هائلة الحجم، في حين دُفِـع بمئات الملايين في الجنوب العالمي إلى الفقر المدقع. الواقع أنَّ هذا الانقسام الظالم يجعل البشرية أشد عُـرضة للمرحلة التالية من الجائحة، فضلًا عن أيِّ أزمة جهازية أخرى قد تنشأ في المستقبل.

باعتبارنا قادة لبعض من أكبر المؤسَّسات الخيرية في العالم، فإننا على يقين من أمرين. أولًا، تعلَّمنا من التاريخ أنَّ أيَّ تغييرٍ تحويليٍّ يكاد يكون السبب الذي أفضى إليه دومًا أزمة عميقة. ثانيًا، من خلال تضافر الجهود فقط يصبح بوسع العالم حشد التدابير الجريئة والعاجلة اللازمة لعكس اتجاه التباعد العظيم الذي نراه اليوم بين من يملكون ومن لا يملكون. ومن خلال التعاون والتنسيق فقط يصبح بوسعنا إطلاق حقبة تحويلية من التقدم.

لتحقيق هذه الغاية، قررت كلٌّ من مؤسَّسة Aliko Dangote، ومؤسَّسة Archewell، ومؤسَّسة بِـل وميليندا جيتس، ومؤسَّسة Chaudhary في نيبال، ومؤسَّسة صندوق الاستثمار في الأطفال، ومؤسَّسة كونراد هيلتون، ومؤسَّسة فورد، ومؤسَّسة Saldarriaga Concha، ومؤسَّسة Kagiso Trust، ومؤسَّسة ماستر كارد، ومؤسَّسة مو إبراهيم، ومؤسَّسات المجتمع المفتوح، ومؤسَّسة OppGen الخيرية، ومؤسَّسة روكفلر، ومؤسَّسة ويليام وفلورا هيوليت، توحيد قواها والعمل معًا لإنشاء تحالف عالمي من المؤسَّسات. ونحن نوجه الدعوة إلى المؤسَّسات الخيرية الأخرى للانضمام إلى شبكتنا.

في اجتماعنا الأول هذا الأسبوع، اتفقنا على أن تعمل منظماتنا، التي تعهدت جماعيًّا حتى الآن بتخصيص 3 مليارات دولار لمكافحة جائحة كوفيد-19، على تعبئة المزيد من الموارد، والخبرات، وقوى الدعم لتعزيز الجهود العالمية. وسوف تتشكِّل استراتيجيتنا من خلال مشورة مؤسَّسات مثل منظمة الصحة العالمية ومراكز إفريقيا لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فضلًا عن منظمات المجتمع المدني والقادة المجتمعيين في مختلف أنحاء العالم.

على مدار العام الماضي، دعمت مؤسَّساتنا المجتمعات والأفراد على الخطوط الأمامية للأزمة، وأظهرت في استجابتهم أفضل ما تستطيع الإنسانية أن تقدمه: الالتزام، والتضامن، والشجاعة، والرحمة. الآن، يتعين على قادة البلدان الأكثر ثراءً والمؤسَّسات العالمية أن يفعلوا ذات الشيء.

لتشجيع التحرك العالمي الضروري، يدعو تحالفنا إلى السعي إلى تحقيق هدفين رئيسين. أولًا، يتعيَّن على العالم أن يتحمَّل المسؤولية الجماعية عن تحقيق هدف منظمة الصحة العالمية الطموح المتمثل في تطعيم 40% من السكان في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بحلول نهاية هذا العام، و70% بحلول سبتمبر/أيلول 2022. ونحن ندعو قادة الحكومات وصنّاع السياسات ــ بمن فيهم أولئك الذين يحضرون اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هذا الأسبوع في واشنطن العاصمة، وقمة مجموعة العشرين في روما في وقت لاحق من هذا الشهر ــ إلى العمل على توفير الجرعات، والموارد المالية، والتدابير اللوجستية اللازمة لتحقيق هذا الهدف.

يتعين على الحكومات التي اختزنت مئات الآلاف من الجرعات من اللقاحات أن تعمل على الفور على إعادة توزيعها على البلدان حيث معدلات التطعيم منخفضة قبل أن تنتهي صلاحيتها في الأشهر المقبلة. وبالنظر إلى ما هو أبعد من حالة الطوارئ العاجلة هذه، يتعيَّن علينا أن نسارع إلى تنفيذ الاستثمارات الحاسمة اللازمة لبناء قدرات تصنيع المستحضرات الصيدلانية للأجل البعيد في البلدان الأكثر فقرًا، حتى نكون مستعدين لأزمة الصحة العامة العالمية التالية.

ثانيًا، لتحفيز التعافي الاقتصادي العالمي، نحث حكومات البلدان المرتفعة الدخل على إعادة تخصيص 100 مليار دولار على الأقل من حقوق السحب الخاصة (الأصول الاحتياطية التي يصدرها صندوق النقد الدولي) المعاد تدويرها للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في عام 2021. ندعو هذه الحكومات أيضًا إلى التعهد بتخصيص 100 مليار دولار لإعادة تمويل صندوق مؤسَّسة التنمية الدولية التابع للبنك الدولي لدعم الاستجابة للجائحة والتعافي الاقتصادي في بلدان العالم الأكثر فقرًا.

نحن نعتقد أنَّ المؤسَّسات، التي تعمل ضمن التحالف الجديد وغيرها التي تعمل بشكل مستقل، قادرة على الاضطلاع بدور أساسي في دعم وتعزيز الجهود الوطنية والعالمية. فمعًا، سندعم هذه الأصوات التي ستمارس الضغوط على القادة إلى أن يفوا بالتزاماتهم في ما يتصل بالصحة العامة والتعافي الاقتصادي.

إننا لا نملك ترف إهدار الوقت. فكل شهر يمر يجلب المزيد من المخاطر والمظالم غير الضرورية من خلال تغذية متحورات جديدة من فيروس كورونا قد تكون أشد فتكًا، وتعريض المزيد من الناس للعدوى والموت، وتوسيع فجوات التفاوت القائمة بالفعل ودفع المزيد من الناس إلى الفقر، وإثارة الاضطرابات الاجتماعية والسياسية. ويجب أن نتصدى لكل هذا في وقت حيث نواجه أيضًا التهديد الوجودي المتمثل في تغير المناخ.

كلما تلكأنا زادت الفرص التي نهدرها. فالتقاعس عن العمل يُـتَـرجَـم في النهاية إلى المزيد من الأعمال والمشاريع التي لا يمكن إطلاقها، والمزيد من ساعات الانقطاع عن المدارس للطلاب المتحمسين للتعلم، والبطالة لعدد أكبر من الأشهر لأشخاص يتوقون إلى العودة إلى العمل.

الجائحة ليست القضية الوحيدة التي تواجهها البشرية، لذلك ستواصل مؤسَّساتنا العمل في العديد من الأماكن وفي التصدي للعديد من القضايا الأخرى بعد انقضاء الأزمات الصحية والاقتصادية المباشرة. لكننا نعلم أنَّ هذه الأزمات المترابطة ستؤدي إلى زيادة التحديات التي تواجه البشرية في الأمد الأبعد تعقيدًا على تعقيد، إذا لم نتحرك اليوم. ونحن نعلم أننا قادرون معا على التعامل مع هذه اللحظة الحاسمة والمساعدة في ضمان مستقبل أكثر إنصافًا واستدامة للجميع.

ترجمة: مايسة كامل            Translated by: Maysa Kamel

مارك مالوك براون نائب أمين عام الأمم المتحدة والرئيس المشارك لمؤسَّسة الأمم المتحدة سابقًا، ويشغل حاليًّا منصب رئيس مؤسَّسات المجتمع المفتوح. راج شاه رئيس مؤسَّسة روكفلر. دارين ووكر رئيس مؤسَّسة فورد.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org