سياسات ناجحة في اجتثاث العوامل المغذية للتضخم
ويليم إتش. بويتر * آن سي. سيبرت **
في المستويات الحالية، يُشكل التضخم مشكلة اقتصادية واجتماعية وسياسية حادة - وهي مشكلة تضر بشكل خاص بالفقراء وغير المُتمرسين مالياً. وكلما أصبحت توقعات التضخم على المدى الطويل غير ثابتة، كلما ارتفعت تكاليف خفض معدلات التضخم من حيث فقدان الإنتاج والعمالة.
ينبغي تصميم التباطؤ الاقتصادي المحتوم والضروري عاجلاً وليس آجلاً. في كل من اجتماعَي بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا التاليين، مؤخراً، تم الاتفاق على رفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس على الأقل، ويجب على البنك المركزي الأوروبي أن يخطط لثلاث زيادات في الأسعار بمقدار 100 نقطة أساس أو أكثر. لم يرفع البنك المركزي الأوروبي سعر فائدته منذ ما يقرب من 11 عاماً. دعونا نأمل أن يتذكر كيف فعل ذلك.
تفقد البنوك المركزية الرئيسية السيطرة عندما يتعلق الأمر بالوفاء بتفويضاتها الخاصة باستقرار الأسعار. ففي شهر أبريل الماضي، بلغ تضخم مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي لمدة 12 شهراً نسبة 8.3%، بانخفاض طفيف عن 8.5% في مارس، وقد بلغ مقياس التضخم المفضل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وهو مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (الذي يستبعد المواد الغذائية والطاقة)، نسبة %4.9 انخفاضاً من %5.2 في مارس. لكن ما يجب أن يفعله بنك الاحتياطي الفيدرالي هو عكس ما يفعله بالفعل.
بعد زيادة المنطقة المستهدفة لمعدل الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار 50 نقطة أساس إلى 0.75 - %1، أشارت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في اجتماعها في مايو إلى أنها ستلتزم برفع السعر بمقدار 50 نقطة أساس خلال اجتماعاتها في يونيو ويوليو. ووفقاً لمحضر اجتماع مايو، اتفق جميع المشاركين على أن الاقتصاد الأمريكي كان قوياً للغاية، وأن سوق العمل كان شديد الضيق، وأن معدل التضخم كان أعلى بكثير من الهدف. ومع ذلك، فقد قرروا أنه على لجنة السوق الفدرالية المفتوحة «أن تُغير بسرعة موقف السياسة النقدية نحو موقف محايد» (التشديد على موقفنا).
هناك مشكلتان أساسيتان تحولان دون تحقيق ذلك. أولاً، يجب أن يكون موقف بنك الاحتياطي الفيدرالي من السياسة النقدية مقيداً وليس محايداً. وبدلاً من ذلك، أشارت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة إلى أن «الموقف التقييدي للسياسة قد يصبح مناسباً اعتماداً على التوقعات الاقتصادية المتطورة والمخاطر على التوقعات». ثانياً، لا يوجد شيء سريع بشأن زيادتين إضافيتين بمقدار 50 نقطة أساس. سيظل الحد الأعلى لسعر الفائدة المُحدد عند مستوى لا يتجاوز %2، وهو أقل من التقدير المُتفق عليه لسعر محايد بنسبة %2.5 (مجموع المعدل الحقيقي المُحايد %0.5 وهدف التضخم المُحدد في نسبة %2).
علاوة على ذلك، تُعتبر عملية تشديد الميزانية العمومية لبنك الاحتياطي الفيدرالي غير كافية. بدءاً من يونيو، ستتقلص حيازاتها بمقدار 47.5 مليار دولار.
لكن من الجدير بالذكر أن الميزانية العمومية لبنك الاحتياطي الفيدرالي قد تضخمت إلى ما يقرب من 9 تريليونات دولار بحلول نهاية مارس عام 2021. ووفقاً للوتيرة الحالية للتخفيض، فإن إعادة الميزانية العمومية إلى ما كانت عليه في أوائل مارس عام 2020 (حوالي 4.2 تريليونات دولار) سيستغرق أكثر من أربع سنوات. وسيستغرق الأمر أكثر من سبع سنوات للوصول إلى المستوى المُحقق في أوائل سبتمبر من عام 2008 (900 مليار دولار)، قبل أن يُقيم بنك الاحتياطي الفيدرالي سور السيولة العظيم حول الأسواق المالية.
لا يُعد بنك الاحتياطي الفيدرالي البنك المركزي الرئيسي الوحيد المتخلف عن المُنحنى. يبلغ سعر فائدة بنك إنجلترا حالياً 1%. وقد ارتفع هذا المعدل عن أدنى مستوى له على الإطلاق عند %0.1 في مارس 2020، لكن بنك إنجلترا قد حد من ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادات بمقدار 25 نقطة أساس أو أقل. في اجتماع لجنة السياسة النقدية في مايو، صوت ثلاثة أعضاء فقط (من أصل تسعة) لصالح زيادة قدرها 50 نقطة أساس. في توقعات لجنة السياسة النقدية لشهر مايو، يصل سعر الفائدة المصرفي الضمني في السوق إلى حوالي %2.5 بحلول منتصف عام 2023، قبل أن يتراجع إلى %2 في عام 2025.
ويبدو هذا التوقع لمعدل الفائدة منخفضاً للغاية. فقد ارتفع تضخم مؤشر أسعار المستهلك العام في المملكة المتحدة من %7 في مارس إلى %9 في أبريل ومن المتوقع أن يبلغ ذروته في وقت لاحق بنسبة %10 في عام 2022. ويتوقع بنك إنجلترا أن يؤدي التباطؤ الكبير في النمو الاقتصادي إلى تحقيق معدل التضخم المُستهدف في عام 2024؛ ولكن في حين أن هذه النتيجة ممكنة بالتأكيد، فإننا نعتبرها غير مرجحة في غياب تشديد إضافي حقيقي للسياسة النقدية.
وعلى نحو مماثل، لا يمكن تفسير نهج السياسة في منطقة اليورو، حيث بلغ تضخم مؤشر أسعار المستهلك العام %8.1 في مايو، ارتفاعاً من %7.4 في أبريل. ومع ذلك، لا يزال سعر فائدة البنك المركزي الأوروبي على عمليات إعادة التمويل الرئيسية صفراً، وسعر الفائدة على الودائع البالغ %0.5-. وفي مقابلة أُجريت معه في 25 مايو، أشار كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي فيليب آر. لين إلى أنه بعد انتهاء صافي مشتريات الأصول في يوليو، ستحدد لجنة السياسة النقدية وتيرة قياسية مع زيادة بـ25 نقطة أساس في اجتماعات يوليو وسبتمبر.
وفي هذه الأثناء، دعا روبرت هولزمان رئيس البنك المركزي النمساوي المُتشدد، إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع يوليو. ومع ذلك، حتى لو قرر البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في يوليو ومرة أخرى في سبتمبر، فإن سعر الفائدة على الودائع لن يتجاوز 0.5%. بغض النظر عن أن معدل التضخم سيظل أعلى من الهدف مادياً، وأن الاقتصاد الحقيقي سيكون مُعرضاً لفرط النشاط ثم الإنهاك، مع معدل البطالة المنسق في منطقة اليورو عند %6.8 في أبريل - وهو أدنى مستوى له منذ يوليو عام 1990. إن حماسة البنك المركزي الأوروبي تفوق حماسة بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا.
يتعين على البنوك المركزية الثلاثة تبني موقف انكماشي، وتحديد أسعار الفائدة بما يزيد على المعدل المحايد البالغ %2.5. تُعتبر قاعدة تايلور من المعايير المفيدة لمعدل الفائدة المناسب، حيث توصي نسختها الأصلية بمعدل فائدة يساوي المعدل المحايد (%2.5)، بالإضافة إلى نصف الفرق بالنسبة المئوية بين إجمالي الناتج المحلي الفعلي والمحتمل (المعدل حسب التضخم)، بالإضافة إلى 1.5 ضعف الفارق بين معدلات التضخم الفعلية والمُستهدفة.
لنفترض بشكل متحفظ أن فجوة الإنتاج تساوي صفراً في جميع مجالات السياسة النقدية الثلاثة. بالنسبة لمنطقة اليورو، حتى لو كان معدل التضخم الفعلي (الأساسي) هو المعدل الأساسي %3.8 وليس المعدل الإجمالي، فإن سعر الفائدة القياسي سيكون %5.2. ولأنه من الصعب التوصل إلى معدلات تضخم أساسية فعلية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عند مستوى أقل من %4، فإن سعر الفائدة القياسي لكل من بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا لن يقل عن %5.5.
بعيداً عن كونه مقيداً، يظل الموقف الحالي للبنوك المركزية الرئيسية توسعياً، حيث تُعد أسعار الفائدة أقل بكثير من المستوى المحايد (وسلبية للغاية من حيث القيمة الحقيقية). وبالتالي تواصل العوامل الثلاثة تغذية التضخم.
* أستاذ مساعد في جامعة كولومبيا، وعضو سابق في لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا وكبير الاقتصاديين السابق في «سيتي جروب».
** أستاذة الاقتصاد في بيركبيك، جامعة لندن، وعضو سابق في لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي لآيسلندا.