الاحتياطي الفدرالي وحتمية الارتقاء إلى مستوى التحدي مجدداً

نيويورك ــ وليم هـ. بيوتر

تستلزم حزمة التحفيز المالي غير المسبوقة التي أطلقتها الولايات المتحدة منذ تفشي جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) تحفيزاً نقدياً إضافياً غير مسبوق بذات القدر. فقد سببت القيود المفروضة للسيطرة على انتشار الفيروس أعمق ركود عالمي منذ الحرب العالمية الثانية.

تباينت عمليات الإغلاق التي فرضتها الحكومات في مدتها وشدتها، ويُرجح استمرار هذا الوضع مع تطور التهديدات الطبية الناشئة عن الجائحة. لكن كانت هناك أيضاً تباينات واسعة في درجة تكامل وتعاضد القيود السلوكية المفروضة والمطبقة على نطاق خاص مع تلك الموكلة على المستوى العام. على أية حال، فإن حقيقة كوننا السبب الأكبر في الركود الحالي تعطينا مبررات للتفاؤل بشأن سرعة التعافي التي يمكن أن نتوقعها بمجرد السيطرة على كارثة الصحة العامة.

جدير بالذكر هنا أنه على الرغم من اكتشاف الفيروس في يناير/كانون الثاني 2020، لم يتضح حجم ونطاق الضرر الاقتصادي القادم إلا في مارس/آذار. ففي الربع الأول من عام 2020، انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل حسب التضخم) في الولايات المتحدة بمعدل سنوي 5%، لكنه هبط بعد ذلك بنسبة 31.4% في الربع الثاني. وفي الربع الثالث، وبعد التخفيف من حدة الإغلاقات وتعلّم القطاع الخاص كيفية التعاطي مع مكونات الواقع الجديد، عاود الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الارتفاع ليقفز بمعدل سنوي كبير بلغ 33.4%، وإن ظل أقل كثيراً من المستوى المتوقع في بداية العام. ومن المرجح أن يسفر الربع الأخير عن مزيد من الضعف في مناحٍ مختلفة (البيانات الرسمية غير متاحة بعد)، وهو أمر متوقع أيضاً في الربع الأول من 2021، بسبب السلالات الجديدة من الفيروس وما رافقها من عودة إلى القيود.

هذه الصورة التي تعكس تعافياً منقوصاً، عززتها بدرجة أكبر بيانات سوق العمل، التي تشير إلى أوجه ضعف اقتصادية قادمة. فوفقاً لمكتب إحصاءات العمل الأميركي، وصل معدل البطالة منذ ديسمبر/كانون الأول 2020 إلى 6.7%، وهو بلا شك أفضل من معدل 14.8% المسجل في إبريل/نيسان 2020، لكنه أدنى كثيراً من نسبة 3.5% المعلن عنها في فبراير/شباط الماضي. ويُبرز فقدان 22 مليون وظيفة بين مارس/آذار وإبريل/نيسان 2020 حقيقتين هما: ضرر هائل سببته الإغلاقات، والسرعة المحتملة للتعافي – الواقع أن 16 مليون شخص عادوا بالفعل إلى العمل في الفترة بين إبريل/نيسان وديسمبر/كانون الأول.

هذا يعود في الغالب إلى رد الفعل المالي الأميركي المدهش إلى حد كبير تجاه الجائحة. فقبل إقرار قانون المعونة والإغاثة والأمن الاقتصادي لمواجهة فيروس كورونا (CARES) بقيمة 2.2 تريليون دولار في مارس/آذار الماضي، أُقرت تدابير تحفيزية بقيمة 200 مليار دولار إضافية في ذات الشهر. ثم جرى التوقيع على مشروع قانون حزمة إغاثة لمواجهة الجائحة بقيمة 900 مليار دولار في ديسمبر/كانون الأول. والآن تضغط إدارة جو بايدن لإقرار حزمة بقيمة 1.9 تريليون دولار.

في حال إقرار خطة بايدن، سيصل حجم الاستجابة المالية الأميركية لتداعيات جائحة كورونا 5.2 تريليون دولار، وهو ما يمثل ربع الناتج المحلي الإجمالي السنوي للولايات المتحدة تقريباً. بالمقارنة نجد أن الاستجابة الأولية للسياسة المالية الأميركية تجاه الأزمة المالية العالمية، متمثلة في قانون التعافي وإعادة الاستثمار الأميركي الصادر عام 2009، بلغت في مجملها نحو 800 مليار دولار.

ورغم أن عملية إدارة وصرف مبلغ 5.2 تريليون دولار قد تمتد لعامين أو يزيد، فإن تحفيزاً مالياً يصل إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة ينبغي أن يثير مخاوف بشأن الاستدامة المالية ومزاحمة الإنفاق الخاص الذي يتأثر بسعر الفائدة. وبالتالي فإن مواصلة خطة التحفيز المالي الإضافي، رغم أنها لا تزال المسلك الصحيح الواجب انتهاجه، يجب أن تكون مصحوبة بالسياسة النقدية الملائمة. ببساطة، يجب تغطية أوجه العجز الفدرالي الإضافي بتحويله إلى نقد (من خلال قيام مجلس الاحتياطي الفدرالي بشراء السندات الحكومية).

من المؤكد أن مجلس الاحتياطي الفدرالي أبلى بلاء حسناً حتى الآن. فمنذ مارس/آذار 2020، اتسعت ميزانيته العمومية بنسبة 70% لتتجاوز 7.4 تريليونات دولار، بعد أن كانت 4.2 تريليونات دولار، بينما ارتفعت قيمة السندات المالية (العامة والخاصة) التي يمتلكها مباشرة من 3.9 تريليونات دولار إلى 6.8 تريليونات دولار. أما على جانب الخصوم أو الالتزامات، فقد جاءت غالبية الزيادة في هيئة أرصدة احتياطية أكبر (إيداعات المؤسسات الحافظة للودائع) ورصيد أكبر للخزانة.

غير أنه يتحتم على مجلس الاحتياطي الفدرالي الآن شراء كل الدين الفدرالي الصادر من قِبل وزارة الخزانة لتمويل أحدث طموحاته المالية، وهذا يعني توسيع ميزانيته العمومية بما يزيد عن 2.8 تريليون دولار حتى يستوعب ويتكيف مع قانون الاعتمادات الموحد الصادر في ديسمبر/كانون الأول الماضي بقيمة 900 مليار دولار وحزمة بايدن القادمة بقيمة 1.9 تريليون دولار.

من شأن تحركات كهذه من جانب الاحتياطي الفدرالي أن تهدئ المخاوف بشأن الاستدامة المالية ومزاحمة مستثمري القطاع الخاص. ورغم ما قد يؤدي إليه تحويل العجز إلى نقد من تزايد المخاوف من التضخم، فهي باعتقادي مجازفة تستحق أن نخوضها؛ إذ لا يزال تباطؤ الاقتصاد كبيراً على أية حال، مما يُستبعد معه أن تكون لتغطية حزم التحفيز الأخيرة بالنقد أثر تضخمي ملموس. فضلاً عن ذلك، سيكون من السهل بالتأكيد إدارة الضرر الناجم عن أي عودة مفاجئة للتضخم.

على الأرجح لن تبرز قضية التضخم مجدداً قبل الربع الأخير من عام 2021 على أقرب تقدير. وبحلول ذلك الوقت، سيُغني التقدم الكبير في تلقيح المواطنين وعلاجهم من مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) عن الحاجة إلى خطط تحفيز مالية ونقدية أكثر قسوة. وسيكون الانضباط المالي والنقدي كفيلاً بصد وتعطيل مفعول أي موجات تضخمية مفاجئة دون إعادة الاقتصاد مجدداً إلى الركود، شريطة تخير الوقت المناسب لتنفيذ هذا الانضباط، وتخطيطه بذكاء قبل أي شيء.

ترجمة: أيمن أحمد السملاوي    Translated by: Ayman A. Al-Semellawi

وليم هـ. بيوتر أستاذ الشؤون الدولية والعامة الزائر في جامعة كولومبيا.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org