قادة الاتحاد الأوروبي وحتمية التمسك بالخط الأخضر

باسكال لامي ؛ إنريكو ليتا ؛ لورنس توبيانا

باريس ــ لا شكَّ أنَّ المؤرخين سينظرون إلى عام 2020 باعتباره نقطة تحوُّل للاتحاد الأوروبي. ولكن أيًّا من العنوانين الرئيسين المتنافسين قد يُـعَـبِّر عن هذه اللحظة الحاسمة؟

من ناحية، يمكن تحديد عامنا هذا على أنه عام نضال وتفكك: خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي؛ والنزاعات حول سياسات الهجرة؛ وعرقلة المجر وبولندا لميزانية الاتحاد الأوروبي وصندوق التعافي من جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) بسبب شرط سيادة القانون الجديد في ما يتصل بصرف أموال الاتحاد. من ناحية أخرى، ربما يُـنـْظَـرَ إلى عام 2020 على أنه العام الذي قرَّرت فيه أوروبا بشكل قاطع ملاحقة أهداف الاقتصاد الأخضر الخالي من الكربون، وحس التضامن المتجدد، والتكامل الأعمق من أجل تشكيل تعافيها الاقتصادي.

مع انعقاد قمة المجلس الأوروبي الحاسمة هذا الأسبوع، سيكون لزاماً على رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي أن يقرروا ما إذا كانوا يعتزمون البقاء على التزامهم بقيم الاتحاد الجوهرية. في الربيع الفائت، اتفق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على إنشاء صندوق التعافي، وبالتالي إرساء الأساس لمستقبل أوروبا. كان هذا الاقتراح بمثابة خروج كبير عن سياسة الاتحاد الأوروبي التقليدية ــ وخاصة من المنظور الألماني ــ لأنه أعطى تصوراً للاقتراض المشترك واتحاد التحويل بعد ميزانية الاتحاد الأوروبي الحالية.

اعتُـبِـر هذا الاختراق الفرنسي الألماني إعادة تأكيد لا لبس فيها على الصفقة الخضراء الأوروبية وهدف الوصول إلى صافي الانبعاثات صِـفر بحلول منتصف القرن. كما أنه مَـكَّـن المفوضية الأوروبية من اقتراح جيل الاتحاد الأوروبي التالي، وهو برنامج المنح والقروض بقيمة 750 مليار يورو (908 مليار دولار أميركي) لمعالجة العبء الإضافي الذي فرضته جائحة كوفيد-19 على أوروبا ــ وخاصة البلدان الأعضاء في الجنوب.

بعد واحدة من أطول قمم المجلس الأوروبي في التاريخ، تبنى قادة الاتحاد الأوروبي هذا الصيف أولويات وطرائق توظيف ما يصل إلى حزمة تعاف ضخمة بقيمة 1.8 تريليون يورو. لكن اتفاق يوليو/تموز اشتمل على بندين أساسيين، بشأن سياسة المناخ وسيادة القانون، وتحديد شروط إطلاق هذا التمويل. ثمَّ جرى تعزيز شرط سيادة القانون بشكل أكبر تحت إصرار من البرلمان الأوروبي.

نظراً لقيمته الرمزية من منظور الاتحاد الأوروبي وعدم قدرة البلدان الأعضاء في الجنوب على الاستغناء عنه، سرعان ما أصبح برنامج جيل الاتحاد الأوروبي التالي هدفا لبولندا والمجر. خوفاً من أن تفضح آلية سيادة القانون إساءة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي بإقرار من الحكومة في كل من البلدين، مما يحد بالتالي من المبالغ التي يحصلان عليها من خزانة الاتحاد، استخدم البلدان حق النقض ضد أحد البنود "قرار الموارد الذاتية" الضرورية للموافقة على ميزانية الاتحاد الأوروبي لسبع سنوات وصندوق التعافي.

هذا رهان محفوف بالمخاطر بالنسبة لبولندا والمجر، خاصة وأنَّ صناديق التماسك في الاتحاد الأوروبي مولت غالبية استثماراتها العامة في الفترة 2015-2017 (أكثر من ثلاثة أخماسها في بولندا وزيادة على 55% في المجر). ومع ذلك، أدت محاولة الابتزاز من قِـبَـل البلدين إلى طريق مسدود يغذي التوترات السياسية قبل قمة هذا الأسبوع، والتي يجب أن توافق أيضاً على هدف جديد لخفض الانبعاثات الغازية الضارة بمقدار 55% بحلول عام 2030.

تأتي القمة في ذات اللحظة حيث بدأت تتضح بشكل تام فوائد صندوق التعافي. باع الاتحاد الأوروبي سنداته الجديدة التي يمتد أجلها عشر سنوات بعائد 0.24% بالسالب. وباعت إيطاليا سندات سيادية يمتد أجلها عشر سنوات بعائد 0.76%. وكانت إصدارات هذه السندات متجاوزة للمتاح بشكل مفرط.

علاوة على ذلك، مع سندات إعادة البناء، تمضي تبادلية الديون قدماً من خلال إنشاء أصول أوروبية آمنة عن طريق إصدار دين مشترك. وهذا أيضاً يرسخ مبادئ إطار اتخاذ القرار فيما يتصل بالسياسة المالية على المستوى الأوروبي. وقد ارتفعت ثقة السوق في الاتحاد الأوروبي كما ينبغي لها.

بشكل أكثر حذقاً، أضفت الإجراءات المالية المنسقة المضمنة في برنامج جيل الاتحاد الأوروبي التالي الشرعية على التدابير الحاسمة (في هيئة مشتريات من الأصول) التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي، الأمر الذي أدى إلى إنتاج عملية تنسيق واقعية للسياسة النقدية في الاستجابة لأزمة كوفيد-19.

الواقع أنَّ أولئك الذين يريدون الاستسلام للمجر وبولندا يركزون على التقدم الذي تحقِّق في تقليص الفارق بين أسعار الفائدة التي تدفعها البلدان الأعضاء في الجنوب والشمال. وهم يزعمون أنَّ هذا التوافق الاقتصادي الجديد ــ الذي جلبه برنامج جيل الاتحاد الأوروبي التالي ــ لا ينبغي تعريضه للخطر من أجل آلية سيادة القانون. من منظور بلدان الجنوب بشكل خاص، وفي ظل الموجة الثانية المروعة من كوفيد-19 التي تحدق بأوروبا، يبدو الإذعان لفقرة المشروطية الخيار الأقل سوءاً.

لكن الاستسلام للابتزاز من شأنه أن يقوض بشكل خطير مصداقية الاتحاد الأوروبي ويُـضـعِـف الثقة المتزايدة التي اكتسبتها الأسواق المالية العالمية في مستقبله ومستقبل اليورو. كما أنَّ هذا قد يفتح الباب أمام المزيد من النقض الرجعي للتدابير اللازمة لتعزيز النموذج الديمقراطي الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050. وسوف تتضاءل شهية الأسواق المالية القوية للسندات الخضراء التي يصدرها الاتحاد الأوروبي ــ مما يؤدي بالتالي إلى زيادة تكاليف الاقتراض ــ وقد تعاني أيضاً مشتريات الأصول من قِـبَـل البنك المركزي الأوروبي من أضرار جانبية.

في قمة المجلس الأوروبي هذا الأسبوع، يتعيَّن على القادة أن يناضلوا من أجل مستقبل الاتحاد الأوروبي المالي، والصفقة الخضراء، والتضامن بين شعوبنا، والاختيار الديمقراطي. بينما نكتب هذه السطور، هناك تقارير تشير إلى التوصل إلى اتفاق تسوية مع المجر وبولندا. إذا كان هذا صحيحاً، فإنَّ هذه التسوية لا يجوز لها بأي حال من الأحوال أن تتنكر للوعود التي بذلت في يوليو/تموز عندما وُلِـد صندوق التعافي. الواقع أنَّ أضمن طريقة لتقويض ثقة الأسواق المالية المتنامية في الاتحاد الأوروبي وموارده المالية تتلخص في التنازل عن القيم والشروط التي عززت مشاعر السوق هذه.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

باسكال لامي مدير عام منظمة التجارة العالمية الأسبق ومفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي سابقا. إنريكو ليتا رئيس وزراء إيطاليا الأسبق. لورنس توبيانا سفير فرنسا الأسبق إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، يشغل حالياً منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة المناخ الأوروبية، وهو أستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org