تخضير القطاعات الأصعب

جول كورتنهورست

دينفر- يقوم قادة العالم وبشكل متزايد بعمل التزامات طموحة بخفض انبعاثات غاز الاحتباس الحراري والحد من التأثيرات الكارثية للتغير المناخي، ولكن من أجل تحويل الالتزامات إلى نتائج، يجب عمل المزيد من أجل إزالة الكربون من جميع قطاعات الاقتصاد العالمي سريعًا.

إنَّ هذه العملية ستكون أسهل نسبيًّا لقطاعات مثل الكهرباء وسيارات الركاب، حيث إنَّ حلول الطاقة النظيفة جاهزة للاستخدام على نطاق واسع، ولكن سيكون الأمر أصعب بكثير بالنسبة للطيران والأسمنت والشحن والصلب وغيرها من القطاعات صعبة التخفيف.

إنَّ تحقيق صافي صفر انبعاثات في تلك القطاعات يتطلَّب إضفاء الطابع التجاري على التقنيات والتي تعدُّ غير جاهزة بعد للاستخدام على نطاق واسع، علمًا أنَّ إضفاء مثل هذا الطابع التجاري سوف يتطلَّب التنسيق بين الصناعات. يحتاج موردو المنتجات مثل الصلب إلى وجود توافق بينهم وبين زبائنهم والشركاء الماليين وصنّاع السياسات وغيرهم من أصحاب المصلحة للاتفاق على مسار لنزع الكربون بالنسبة لصناعاتهم.

إنَّ مثل هذا التوافق يعدُّ ضروريًا للتحقُّق من أنَّ الجميع يفهمون ما هي التقنيات التي تتقدم، وما هي وتيرة ذلك التقدم. وبوجود تلك المعرفة يمكن للجميع التوافق على عملية الاستثمار في الأصول منخفضة الكربون ذات دورات الحياة الطويلة، مثل مصانع الصلب ومصانع الأسمنت والسفن  

والطائرات.

إنَّ تحقيق هذا المستوى من التوافق عبر الصناعات العالمية ليس سهلًا ولكن يمكن تحقيقه؛ فمثلًا هناك صناعة الشحن والتي طورّت بالفعل مسارًا عالميًّا لإزالة الكربون تحت قيادة ائتلاف الوصول إلى الصفر التابع للمنتدى البحري العالمي. إنَّ عملية التوافق والتي تتألف من أربع خطوات والتي تمَّ تكريسها في مبادئ بوسايدن يتم حاليًّا تقليدها في قطاعات صعبة التخفيف وبقيادة تحالف شراكة المهمة المستحيلة.

إنَّ تحالف شراكة المهمة المستحيلة هو ائتلاف عالمي للقادة الصناعيين وقادة المناخ يركّز على تكثيف الجهود لإزالة الكربون من بعض أكثر صناعات العالم انبعاثًا في السنوات العشر القادمة، علمًا أنَّ الأولوية الفورية هذا العام هي تسليط الضوء على القطاعات صعبة التخفيف في مؤتمر تغير المناخ في غلاسكو (مؤتمر الأطراف 26) في نوفمبر القادم.

بينما ركزّت مؤتمرات الأمم المتحدة للتغير المناخي السابقة بشكل أساسي على الالتزامات الوطنية وصناعة السياسات، فإنَّ هناك حاجة لتفعيل آليات إضافية من أجل تسريع وتيرة تخفيض الانبعاثات. إنَّ الأهداف المناخية الطموحة لن تكون في متناول اليد حتى يقوم قادة الصناعات التي تنتج معظم الانبعاثات بإزالة الكربون من سلاسل التوريد العالمي بأكملها، وكما يحب زميلي السابق بول بودنار من شركة بلاك روك أن يقول: "الاقتصاد الحقيقي ليس مسألة ثانوية". إنَّ رفع الصناعة إلى نفس المستوى من الأهمية مثل الحكومات الوطنية هو أمر حيوي.

إنَّ هناك بضع تقنيات رئيسة ستكون ضرورية من أجل نجاح جهود إزالة الكربون في جميع القطاعات التي يصعب تخفيفها ومن أهم تلك التقنيات الهيدروجين الأخضر، والذي يتمُّ إنتاجه مع الكهرباء المتجددة والتحليل الكهربائي. إنَّ هناك جهودًا جارية بالفعل لتوسيع نطاق إنتاج الهيدروجين الأخضر، وذلك من خلال برامج مثل "غرين هيدروجين كاتابيولت" وبرنامج وزارة الطاقة الأمريكية الذي تمَّ الإعلان عنه أخيرًا "هيدروجين شوت"، والذي تمَّ تصميمه على غرار برنامج "سن شوت" الذي نجح بشكل سريع في خفض تكاليف الألواح الشمسية، وإضافة إلى ذلك فإنَّ هناك إشارات مبكرة على ارتفاع الطلب الصناعي على المنتجات منخفضة الانبعاثات التي يوفّرها الهيدروجين الأخضر؛ فعلى سبيل المثال أعلنت شركة فولفو لصناعة السيارات أنها سوف تحصل على الصلب الخالي من الوقود الأحفوري من مشروع الصلب الأخضر السويدي "هابريت".

إنَّ التقنيات لتحسين الفعالية هي من المكونات الرئيسة (وان كانت أقل إثارة للاهتمام) في إزالة الكربون من القطاعات صعبة التخفيف وسواء تحسين الفعالية يعني نشر طائرات خفيفة الوزن أو إنشاء أبنية باستخدام كميات أقل من الصلب. فكلما استخدمت الصناعة طاقة أقل بشكل عام، أصبحت العملية أكثر سهولة. إنَّ التحليل الأخير من مفوضية تحولات الطاقة يظهر أنَّ الخطوة الأولى في إنشاء اقتصاد عالمي على أساس صافي صفر من الانبعاثات بحلول سنة 2050 هي بكل بساطة استخدام طاقة أقل يليها توسيع نطاق مصادر الطاقة النظيفة وتعميمها.

تسلّط مفوضية تحولات الطاقة كذلك الضوء على أهمية احتجاز الكربون وعزله والذي سيكون ضروريًّا ليس فقط للتعويض عن العمليات الصناعية التي لا يمكن إزالة الكربون منها بالكامل، ولكن أيضًا لتقليل مستوى ثاني أكسيد الكربون المنبعث بالفعل في الغلاف الجوي. إنَّ حساب الانبعاثات التاريخية هي عملية معقدة لم يتمكن معظم قادة الصناعات من وضعها بعين الاعتبار بشكل كامل ولكن من الأفضل لهم البدء في التفكير في ذلك الآن؛ لأنَّ أيَّ مسار واقعي للحفاظ على الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية من مستويات ما قبل الصناعة يجب أن يشمل

تقليل ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

نحن لا نحتاج فقط الى إزالة كميات ضخمة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، بل يجب علنا كذلك إيجاد حلول تخزين طويلة المدى لإبقاءها مغلقة لمئات أو حتى آلاف السنين وهنا تكمن الفجوة الأكبر بين هدف صافي صفر انبعاثات وبين التقنيات الحالية.

من الذي يجب أن يتحمَّل تكاليف التصدي للمشكلة؟ إنَّ من المؤكد أنَّ الكثير من الناس يجادلون بأنَّ البلدان والشركات المسؤولة عن الحصة الأكبر من الانبعاثات العالمية التاريخية يجب أن تتحمَّل مسؤولية مماثلة عن إزالة ثاني أكسيد الكربون. وفي مقال قادم سوف يستكشف مجلس المستقبل التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي هذه القضية ويصف المقاربات المختلفة لكيف يمكن الوصول إلى توافق عن مسؤولية الانبعاثات التاريخية.

وبينما نتطلع قدمًا إلى مؤتمر الأطراف 26، يجب علينا الاهتمام بشكل كاف بجميع تلك التحديات، حيث يجب على الحكومات الوطنية والصناعات العالمية على حد سواء العمل بشكل فوري لتخفيض الانبعاثات. إنَّ الاكتفاء فقط بالتعهد للتصرف مستقبلًا لم يعد أمرًا مقبولًا وكلما فشلنا في تأمين المزيد من مسارات التنمية المستدامة، أصبح من الصعب المحافظة على درجات الحرارة العالمية بمستوى آمن علمًا أنه حتى لو تمكَّنا من تخفيض الانبعاثات السنوية قليلًا، فإنَّ الكمية التراكمية من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي هي ما يهم فعلًا ولو أنَّ هذه الكمية ما تزال تنمو فإنَّ المشكلة ستبقى بدون حل.

نحن بحاجة إلى وجود قادة عالميين في كل مكان يدركون فداحة هذه الأزمة الملحة التي نواجهها، حيث المطلوب الآن هو تعاون جذري وعمل منسق من الجميع علمًا أنه ليس فقط الأجيال القادمة التي تعتمد علينا ، بل أيضًا مئات الملايين من البشر الذين يعانون بالفعل من موجات الحر المريعة والحرائق والفيضانات والجفاف والعواصف، ومن كالفورنيا وتكساس إلى مناطق بأكملها في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط فإنَّ العواقب الكارثية للأزمة المناخية تتضاعف، وبينما تكاليف تخفيض الانبعاثات كبيرة، إلا أنَّ هذه التكاليف لا تكاد تذكر مقارنة بتكاليف الفشل في تحقيق ذلك.

  RMI جول كورتنهورست هو الرئيس التنفيذي لشركة   

حقوق النشر: بروجيكت سنديكت،2021
www.project-syndicate.org