لماذا سيفشل مؤتمر الأمم المتحدة لتغيُّر المناخ؟

مارك ليونارد

برلين ــ قد ينتهي مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP26) الـمنعقد الآن في مدينة جلاسجو إلى اتفاق دولي كبير. ولكن أيًّا كانت النجاحات التكتيكية التي قد تتحقَّق في المؤتمر، فمن المرجح أن تشكّل النتائج انتكاسة استراتيجية للبشرية ــ على الأقل عند مقارنتها بآمال الناشطين في مجال المناخ.

الواقع أنَّ العالَـم يفوت الهدف تلو الآخر. ولا ينبغي لهذا أن يكون مفاجئًا: ففي حين ذهب عدد متزايد من البلدان إلى تحديد أهداف صافي الـصِّـفر، على سبيل المثال، فإنَّ قِلة ضئيلة من هذه البلدان وضعت بالفعل خططًا جديرة بالثقة لتلبية هذه الأهداف. وحتى إذا نجحنا في تلبية الأهداف الحالية، فلن يكون هذا كافيًا لتحقيق الهدف الرئيس الذي حدَّدته اتفاقية باريس للمناخ عام 2015: الحد من الانحباس الحراري الكوكبي بحيث لا يتجاوز ارتفاع درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.

الواقع أنَّ أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ يحذر من أنَّ كوكب الأرض من المرجَّح أن يبلغ حد الدرجة ونصف الدرجة المئوية في أوائل ثلاثينيات القرن الحالي. وما دامت النزعة القومية، وسياسة القوة، والانفعالات، تهيمن على المشاركة المتعددة الأطراف، بدلاً من التضامن، والقانون، والـعِـلم، فسوف يصبح مستقبلنا أشد بؤسا وكآبة.

في أوج الحرب الباردة، روى المسلسل التلفزيوني الأميركي "الحدود الخارجية" (The Outer Limits) قصة مجموعة مثالية من العلماء يصورون للناس غزوًا أجنبيًّا وهميًّا لكوكب الأرض، على أمل مضلل يتمثل في تمكنهم من تجنب حرب نووية عالمية فاصلة من خلال تزويد العالم بعدو مشترك يتوحد ضده. في مواجه احتمال الانقراض، وفقًا لهذا المنطق، سيحول الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة انتباههما من المنافسة إلى البقاء المشترك.

اليوم لم يعد أحد في احتياج إلى إيجاد قضية مشتركة. إذ يفرض تغير المناخ تهديدًا أعظم من أي غزو من كائنات فضائية. ولكن بعيدًا عن إبعاد القادة الوطنيين عن منافساتهم التافهة، يُـسـتَــخدم تغير المناخ كسلاح في حرب دعائية متعددة الجوانب. ومن البرازيل وأستراليا إلى الصين والولايات المتحدة، تحاول البلدان التلاعب بمفاوضات المناخ من أجل تحويل تكاليف التكيف إلى آخرين.

على سبيل المثال، تحاول الحكومة البرازيلية حـمل العالم على الدفع لها مقابل توقفها عن تدمير الغابات المطيرة في منطقة الأمازون، ولن يشارك الرئيس الصيني شي جين بينج في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في جلاسجو إلا من خلال الاتصال عن طريق الفيديو، وقد لا يحضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتن المؤتمر على الإطلاق.

في الوقت ذاته، حنثت الاقتصادات المتقدمة ــ بما في ذلك تلك التي تدعي بفخر أنها ملتزمة بالعمل المناخي ــ بوعدها بتقديم 100 مليار دولار سنويًّا لدعم التحوُّل المناخي في الجنوب العالمي. وحتى لو أوفوا، فلن يكون ذلك كافيًا.

تجد الاقتصادات المتقدمة طرقًا متزايدة القهر لتشكيل سلوك البلدان الأخرى. على سبيل المثال، تعمل تعهدات أغلب بنوك التنمية الغربية والمتعددة الأطراف بوقف تمويل الفحم (التي انضمت إليها الصين الآن) على تقييد خيارات توسيع شبكات الطاقة في البلدان النامية حيث ينمو الطلب على الطاقة بسرعة.

كما حثّت بلدان ذات نفوذ صندوق النقد الدولي على إلحاق شروط خضراء (بيئية) لتخفيف الديون المستحقة على البلدان الفقيرة، فضلًا عن تخصيصه الجديد لحقوق السحب الخاصة (الأصول الاحتياطية التي يصدرها صندوق النقد الدولي). وتعمل آلية تعديل الحد الكربوني التابعة للاتحاد الأوروبي ــ التي تشكِّل حاجزًا غير تجاري المقصود منه إجبار المصدرين على التحول إلى الإنتاج الأخضر ــ على إلحاق الضرر بشكل غير متناسب بمصادر الانبعاثات الصغيرة في إفريقيا وأوروبا الشرقية التي قد تخسر الكثير.

هذا لا يعني الانتقاص من قيمة حظر الفحم، والتمويل الأخضر، وتسعير الكربون. بل على العكس من ذلك، تستطيع هذه الأدوات أن تلعب دورًا حاسمًا في تغيير الكيفية التي يعمل بها الاقتصاد العالمي. لكن هذا لا يعني أننا نستطيع أن نتجاهل العواقب (الشديدة الخطورة) التي ستتحملها الاقتصادات النامية. بدلاً من ذلك، يجب أن نعكف على إنشاء صفقة كبرى جديدة تركِّز على دعم التكيف في العالم النامي.

في عموم الأمر، يجب أن نضمن أن أي اتفاقية متعددة الأطراف لمعالجة تغير المناخ محكومة بالقانون الدولي، وأنها لا تعتمد على إرادة بلدان بمفردها. ويجب أن يكون صنع القرار مدفوعًا بالحقائق العلمية وليس الشعارات السياسية.

كان سلف اتفاقية باريس للمناخ، بروتوكول كيوتو، الذي تبنَّته بلدان العالم في عام 1997، يتماشى في عموم الأمر مع هذا النهج: كان عبارة عن معاهدة متعددة الأطراف تحمل أهدافًا دولية ملزمة قانونًا حددها أفضل العلماء. لكن البروتوكول أيضًا كان مشوبًا بالعديد من العيوب، ولم يقطع شوطًا طويلًا نحو تحقيق أهدافه.

اتخذ اتفاق باريس مسارًا مختلفًا تمام الاختلاف. فقد أُشيد به باعتباره انتصارًا، لأنَّ الآمال في التوصُّل إلى أي اتفاق كانت متدنية للغاية. لكنه استلزم تسويات وحلول وسط كبرى: كان قائمًا على تعهدات غير ملزمة عُـرِفَت باسم "المساهمات المحددة على المستوى الوطني". كان بوسع البلدان أن تلاحق ببساطة سياسات الطاقة التي قرَّرت انتهاجها بالفعل، في حين تتظاهر بأنها تعمل معًا للتصدي لتغير المناخ. ليس من المستغرب إذن أن تكون المساهمات المحددة على المستوى الوطني غير كافية على الإطلاق لتحقيق أهداف الاتفاق المعلنة.

من المؤكد أنَّ مؤتمرات تغير المناخ قدمت مساهمات مهمة ــ وإن كانت إجرائية ومملة وفنية في كثير من الأحيان ــ في مكافحة تغير المناخ. لكن استعراض المهارات وسياسات القوة كانت عقبة حالت دون تحقيق أي تقدم حقيقي. كما تسببت ضجة سائل الإعلام وسيرك المجتمع المدني التي أحاطت بالمؤتمر ــ والتي تهدف إلى فرض المساءلة والشفافية ــ في عرقلة قدرة المفاوضين على إنجاز الأمور في أغلب الأحيان.

الأمر الأكثر أهمية أنَّ مؤتمرات تغيُّر المناخ فشلت في إنتاج نموذج للحوكمة العالمية قادر على ترويض سياسات القوة، ناهيك عن صياغة حس بالمصير المشترك بين البلدان. وليس هناك من الأسباب الوجهية ما يجعلنا نصدق أنَّ هذه المرة ستكون مختلفة.

تمتد المشكلة بطبيعة الحال إلى ما هو أبعد من مؤتمرات الأمم المتحدة لتغيُّر المناخ. فبينما انتشلت العولمة الاقتصادية الملايين من براثن الفقر، فقد عملت أيضًا على تغذية تركيز الثروة على نحو متزايد. في هذا السياق، من الممكن أن تصبح الجهود الرامية إلى تعزيز المصالح المشتركة أقل جاذبية، لأنها تنتج مكافآت غير متوازنة.

أضف إلى هذا سيكولوجية الحسد التي أطلقت لها العنان وسائل الإعلام، فيصبح من الصعب للغاية تحويل تركيز الناس من موقعهم النسبي في الترتيب العالمي إلى الصالح العام. وقد قوضت هذه الاتجاهات الثقة بقوة الحكومات، وعملت على تغذية التشاؤم بشأن إمكانية ظهور أي حل.

النتيجة هي ما يسميه علماء الاجتماع مشكلة العمل الجماعي. يستنتج القادة والمواطنون على حد سواء أنَّ الاستراتيجية الأكثر عقلانية في الأمد القريب هي التشدق بالقضية والأمل في أن يحل آخرون الأزمة. وفي غضون ذلك، يحترق الكوكب.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

مارك ليونارد المؤسس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، كما يتولى إدارته، وهو مؤلف كتاب "عصر اللاسلم" (مطبعة بانتام، 2021).

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org