هل سوف تخدم الثورة الصناعية الرابعة الاستدامة؟
فيكتور غالاز
ستوكهولم –يخبرنا قادة وادي السيليكون أنَّ الثورة الصناعية الرابعة سوف تجلب فوائد لا توصف وهم يقولون أنَّ تلك الثورة المتصاعدة حاليًّا يحركها الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى ويحذرون أننا سوف نتخلف عن الركب لو لم نلتزم بالبرنامج.
إنَّ هذه الفوضى –والتي تعكس كذلك تأثير علم الروبوتات والتقنية الحيوية وتقنية النانو والجيل الخامس وإنترنت الأشياء- هي ثورة ذات أغراض عامة فقادتها وداعميهم يعدون أنها سوف تساعد المجتمعات على التصدي للتغير المناخي ومعالجة الفقر وعدم المساواة ووقف الخسارة الكبيرة للتنوع البيئي.
إن من الممكن أن تحدث الثورة على هذا النحو وربما لا.
لو نظرنا إلى أحدث ثورة رقمية، والتي جلبت لنا غوغل وفيسبوك وتويتر وغيرّت تدفق المعلومات حول العالم، لوجدنا أنَّ القدرة على التواصل مع الآخرين من خلال الإنترنت وإنشاء ومشاركة المحتوى الرقمي بسلاسة من خلال شبكات اجتماعية افتراضية متزايدة بدت وكأنها أشياء مفيدة بشكل لا لَبْس فيه.
لكن اليوم فإنَّ التدفق العالمي للمعلومات المضللة من خلال تلك المنصات يعني أن إدارة جائحة كوفيد-19 والتصدي للتغير المناخي قد أصحبت أكثر صعوبة، وقلة من الناس فقط أدركت ما كان يحصل ولكن بعد فوات الأوان والآن نحن نتعامل مع التداعيات.
إذن ، كيف يمكن للمجتمعات التقليل من خطر الاستخدام غير المقصود أو الجاهل أو الضار بشكل متعمد للجيل التقني القادم؟
لقد ركّز عملي بشكل متزايد على تصادم عالمين، يتألف الغلاف التقني من الأشياء التي صنعها البشر والتي تشكِّل ما يقدَّر بثلاثين تريليون طن أو خمسين كيلوغرام (110 أرطال) لكل متر مربع من سطح الارض. إنَّ الغلاف الحيوي هو طبقة رقيقة تتشبت بسطح الأرض حيث تزدهر الحياة، وحيث يتمتع البشر بمناخ مستقر نسبيًّا يمتد لعشرة آلاف سنة.
لقد أصبحت مهتمًّا بالعلاقة بين هذين العالمين عندما كنت أستكشف نمو أنظمة الإنذار المبكر العالمية شبه الآلية فيما يتعلق بالسيطرة على الأمراض، حيث جعلني ذلك أُقدِّر عمق قدرة التقنية على تغيير السلوك البشري والتنظيمي والآلي، وأحيانًا فإنَّ ذلك النفوذ متسلسل وبسيط ومباشر، ولكن غالبًا ما تكون تأثيرات التغير التقني غير مباشرة؛ فهي تتحرك من خلال شبكات معقدة من السببية وتصبح ظاهرة لنا فقط بعد فترة طويلة ووسائل التواصل الاجتماعي هي مثال جيد في هذا الخصوص.
إن الغلاف التقني موجود في كل مكان حولنا وهو على المسار الصحيح لأن يصبح ما يطلق عليه "البنية التحتية المعرفية" مع القدرة على معالجة المعلومات والتفاهم والتذكر والتعلم وحل المشكلات، وأحيانا حتى اتخاذ القرارات بأاقل درجة ممكنة من التدخل البشري وذلك من خلال زيادة الأتمتة والتعلم الآلي.
طبقًا للتطور فإنَّ هذا قد يشكل قفزة هائلة ولكن القرارات المتعلقة بتصميم وتوجه الغلاف الحيوي يجب أن تعكس الأهداف الاجتماعية وحالة الكوكب، وعليه فإنَّ بناء مستقبل أكثر استدامة يتطلب منا إعادة التفكير ببعض الافتراضات الراسخة عن دور التقنية والذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص.
إنَّ الأمر الضروري الأهم قد يكون توسيع الطرح السائد المتعلق بقدرة الذكاء الاصطناعي على التصدي للتغير المناخي، فهذا الطرح في أبسط أشكاله يركّز على استخدام الذكاء الاصطناعي لتوقُّع المناخ أو تحسين كفاءة أنظمة الطاقة أو التدفقات المرورية، ولكن النظام المناخي مرتبط بشكل أساسي بالغلاف الحيوي بتنوعه البيئي والغابات والمحيطات والأنظمة الأيكولوجية الزراعية. إن تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول للتصدي لتحديات الاستدامة الملحة تتطلب تبني هذا الرابط مع الكوكب الحي ودورنا فيه.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ تأطير مساهمة الذكاء الاصطناعي طبقًا للتحسين والفاعلية هو الطريقة الخاطئة من أجل تعزيز المرونة طويلة الأمد للناس والكوكب. إن المرونة- القدرة على النهوض مجددًا بعد حدوث الصدمات والتأقلم مع الظروف المتغيرة- تتطلب التنوع والوفرة. إن مدينة بطريق رئيس واحد يمر من خلال مركزها هي مدينة معرَّضة للازدحام المروري لو تعرضت لفيضانات مفاجئة أو هجمات إرهابية؛ فالمدينة التي لديها العديد من الطرق من مكان لآخر هي مدينة أكثر مرونة.
والأنظمة التي يتم تحسينها من أجل الزيادة القصوى للإنتاج (مثل محصول معين) معرضة للصدمات والظروف المتغيرة. إنَّ تحسين الأرض الزراعية من أجل الزيادة القصوى في المحاصيل باستخدام التحاليل التنبؤية والأتمتة هي استراتيجية مغرية، ولكنها قد تسرّع من خسارة المعرفة الأيكولوجية المحلية وتزيد من عدم المساواة الحالي، إضافة إلى زيادة الاعتماد على محصول واحد استجابة لضغوطات تجارية.
إن إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة على التعامل مع التغير المناخي يكمن ليس في تحسين الأنظمة، ولكن في تعزيز قدرة الناس على أن يصبحوا حماة للغلاف الحيوي، علمًا بأننا بحاجة لمثل هذه النظرة الأشمل بشكل مُلِحٍّ اليوم ،ولكن هناك خطران كبيران في سعينا لتوجيه الآلات الذكية لتعزيز حماية الغلاف الحيوي.
أولاً، الضجة الإعلامية فبينما تزداد الضغوط على كوكبنا والنظام المناخي، سيزداد الأمل بأن حلول الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد على "حل" التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية العميقة جدًّا. إن معرفتنا بمدى قدرة الذكاء الاصطناعي الفعلية على تقديم فوائد مناخية كبيرة (ولمن) هي معرفة محدودة والتقييمات الحالية هي غالبًا ما تكون متفائلة للغاية إذا أخذنا بعين الاعتبار ما نعرفه عن التطور التقني. يجب أن يتم التحقق من جميع الادعاءات بشكل حثيث ومستقل، بينما تتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتنتشر مع مرور الوقت.
إن الخطر الثاني هو التعجيل وتسريع الأمور؛ فاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتعلقة بها مثل إنترنت الأشياء والجيل الخامس وعلم الروبوتات قد يؤدي إلى خسارة أسرع لمرونة الغلاف الحيوي، وإلى زيادة استخراج الوقود الأحفوري والمواد الخام التي تدعم تلك التقنيات، فعلى سبيل المثال فإنَّ شركات النفط والغاز تسعى بشكل متزايد لتخفيض النفقات من خلال الرقمنة وطبقا لأحد التقديرات فإنَّ سوق الخدمات الرقمية في قطاع الوقود الأحفوري يمكن أن ينمو بنسبة 500% في السنوات الخمس القادمة، مما يوفّر على منتجي النفظ نحو 150 مليار دولار أمريكي سنويًّا.
تتمتَّع الرقمنة والأتمتة والذكاء الاصطناعي بإمكانات غير مستغلة لتعزيز الاستدامة وتحسين استخدام الموارد ونحن بحاجة من أجل تسخير الثورة الصناعية الرابعة لتحقيق الاستدامة إلى البدء الآن في توجيه تقنياتها بشكل أفضل وأقوى.
فيكتور جالاز هو نائب مدير مركز ستوكهولم للمرونة في جامعة ستوكهولم ومدير البرامج في معهد بيجير للاقتصاد الأيكولوجي في الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم ومؤلف الكتاب القادم "الآلات المظلمة" (روتليدج 2022).
حقوق النشر:بروجيكت سنديكت ،2021
www.project-syndicate.org