أفريقيا تحتاج إلى إبداع قادر على خلق الأسواق
كارل مانلان، إيفوسا أوجومو
لومي/بوسطن ــ يبدأ القضاء على الفقر وتعزيز الرخاء في إفريقيا في قاعات الاجتماعات. ويتطلب الأمر أن يستخدم قادة الأعمال الأفارقة مكانتهم لتعزيز نمو اقتصادي أكثر شمولاً يستفيد منه جميع أصحاب المصلحة ــ العملاء، والموظفون، والموردون، والمجتمعات ــ بدلاً من التركيز على أرباح قصيرة الأجل تفشل في رفع مستوى المجتمعات المستضعفة.
لكن تكبير حجم الكعكة الاقتصادية يستلزم حرص قادة الأعمال في القارة على اتخاذ نهج مختلف جوهرياً في التعامل مع الإبداع والنمو. فلتوليد الرخاء المشترك، يتعيَّن على مجالس إدارة الشركات الإفريقية أن تركز على بناء أسواق جديدة في إفريقيا، للأفارقة. وهذا يعني إعطاء الأولوية للإبداعات القادرة على خلق الأسواق.
كما أشار العديد من المراقبين، فإنَّ القول المأثور الشهير الذي جاء على لسان رجل الاقتصاد الحائز جائزة نوبل في علوم الاقتصاد ميلتون فريدمان، بأنَّ الغرض الاجتماعي الوحيد لأيِّ شركة هو تعظيم القيمة لصالح المساهمين، لم يعد صالحاً، نظراً لمستويات التفاوت الشديدة الارتفاع. في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، على سبيل المثال، يعاني أكثر من 230 مليون إنسان من نقص التغذية المزمن.
لكن الإبداعات والابتكارات القادرة على خلق الأسواق من الممكن أن تبدأ في تحسين الوضع غير المستقر الذي تعيشه هذه المجموعات وغيرها من الفئات المستضعفة. تعمل مثل هذه الإبداعات على تحويل المنتجات المعقدة والمكلفة إلى منتجات بسيطة وميسورة التكلفة، مما يجعلها في متناول عدد أكبر من الأشخاص الذين يطلق عليهم وصف "غير المستهلكين"، الذين لم يكن بمقدورهم في السابق شراء المنتجات المتاحة في السوق. وإذا طورت المزيد من الشركات الإفريقية استراتيجيات لخدمة مئات الملايين من "غير المستهلكين" في القارة، فسوف يصبح من الممكن تحقيق رؤية الرخاء المشترك.
ربما يبدو إنشاء أسواق جديدة مهمة شاقة، إن لم تكن مستحيلة، لأنها تتطلب غالباً استثمارات كبيرة لاجتذاب عملاء يفترض أنهم أكثر فقراً من أن يستهلكوا. لكن هذه على وجه التحديد الطريقة التي تستطيع بها إفريقيا أن تصبح أكثر ازدهاراً.
قبل ما يزيد قليلا على 20 عاماً، على سبيل المثال، أسَّس مو إبراهيم شركة الاتصالات المتنقلة الإفريقية سيلتيل (Celtel) بهدف جعل تكنولوجيا الهواتف المحمولة والاتصالات الرخيصة متاحة للمواطن الإفريقي العادي. ورغم أنَّ العديد من الخبراء توقعوا فشل المشروع لأن إفريقيا كانت فقيرة للغاية وفاسدة، فقد ازدهرت الشركة. واليوم، بفضل قوة إبداع مو إبراهيم في خلق الأسواق، يوجد في إفريقيا ما يقرب من مليار اشتراك في الهاتف المحمول. ويدعم قطاع الاتصالات في القارة حالياً نحو أربعة ملايين وظيفة، ويولد كل عام مليارات الدولارات من عائدات الضرائب المطلوبة بشدة.
يتعين على مجالس إدارة الشركات الإفريقية الآن أن تعكف على معالجة التحديات العديدة التي يواجهها غير المستهلكين في القارة. على سبيل المثال، كيف يتمكن معظم الأفارقة من الحصول على رعاية صحية أفضل؟ الواقع أنَّ معظم الحكومات تعاني من نقص تمويل الميزانيات الصحية، في حين تفتقر المنظمات غير الحكومية عادة إلى نماذج الأعمال المستدامة اللازمة لتوسيع نطاق مبادرات تمكين الوصول. لكن الأسواق الجديدة يمكنها حل هذه المشكلة.
على سبيل المثال، تتوسَّع شركة الرعاية الصحية mPharma في غانا بسرعة عبر القارة من خلال تقديم أدوية عالية الجودة بأسعار ميسورة. وقد خدمت الشركة أكثر من مليون إفريقي، وخلقت مئات الوظائف، وجمعت أكثر من 50 مليون دولار في هيئة تمويل لرأس المال الاستثماري لتوسيع عملياتها. وتتبع شركة mPharma دليل إرشادات خلق الأسواق، وتفوز.
تركز إبداعات خلق الأسواق في جوهرها على احتياجات الغالبية. عندما سعت مجموعة Tolaram في سنغافورة إلى خلق سوق جديدة للنودلز (نوع من المعكرونة) في نيجيريا في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، استفاد مجلس إدارتها بحكمة من شبكات التوزيع والتجزئة غير الرسمية القائمة في البلاد وعمل على بناء الخبرة المحلية لصنع منتج يستطيع المستهلك العادي تحمل ثمنه. ومن خلال تصنيع المعكرونة في نيجيريا في وقت لاحق، ضمنت الشركة تمكُّنها بفضل المهارات والبيئات المحلية من تلبية طلبات العملاء. وتسلط مثل هذه القرارات الضوء على الدور الذي يمكن أن تضطلع به مجالس إدارات الشركات في خلق محركات نمو جديدة لمنظماتها والمجتمع.
الواقع أنَّ هذه المحركات مطلوبة بشدة. إذ تهدد جائحة كوفيد-19 بالتسبُّب في تفاقم فجوة التفاوت المتزايدة الاتساع التي صاحبت النمو الاقتصادي في إفريقيا على مدار السنوات الخمسة والعشرين الأخيرة. لقد تسبب فيروس كورونا في تعطيل سبل عيش 85% من العمال غير الرسميين في إفريقيا، والذين يفتقرون إلى القدرة على الوصول إلى الخدمات الاجتماعية ويغوصون إلى أعماق أكبر في مستنقع الفقر. ومن المرجح أن يصبح هؤلاء الأشخاص غير مستهلكين للعديد من المنتجات والخدمات التي كانت لتعمل على تحسين حياتهم بشكل كبير. وسوف يأتي النمو الشامل في إفريقيا من توجيه الإبداعات إليهم.
وعلى هذا فإنَّ قادة الأعمال الأفارقة لديهم فرصة فريدة لرسم مسار جديد للنمو في القارة. لكن الشروع في ذلك يتطلب أولاً أن يقدر الأفارقة الإمكانات غير العادية للنمو داخل إفريقيا حق قدرها.
للاضطلاع بدور حاسم في تمكين الازدهار الأعرض قاعدة، يتعيَّن على كبار المسؤولين التنفيذيين الأفارقة أن يدركوا حقيقة مفادها أنَّ الإبداعات القادرة على خلق الأسواق هي الجزء المفقود في اللغز. وتتمثَّل إحدى الطرق لتشجيع مثل هذه المبادرات في قيام الشركات بتخصيص نسبة من أرباحها لتطوير الابتكارات التي تستهدف غير المستهلكين. ولأنَّ الجائحة ستؤدي حتماً إلى تفاقم مشكلة عدم الاستهلاك، فإنَّ الوقت المثالي للتحرُّك هو الآن.
علاوة على ذلك، تستطيع الشركات الإفريقية دعم الحكومات من خلال إقامة الشراكات بين القطاعين العام والخاص بهدف إضفاء الطابع الديمقراطي على الإبداع. على سبيل المثال، قامت Wecyclers، وهي شركة تعمل في مجال جمع ومعالجة النفايات القابلة لإعادة التدوير، بالتعاون مع الحكومة النيجيرية، بتكوين شراكة لتحسين جهود جمع النفايات. يبلغ نصيب الفرد المتوسط في الإنفاق السنوي نحو 300 دولار للفرد، ولهذا السبب تحتاج الحكومات الإفريقية إلى إقامة شراكات من هذا القبيل من أجل تحقيق إمكاناتها الإنمائية.
لكي يصبح النمو الاقتصادي في إفريقيا مستداماً، لم يعد من الممكن أن تعود فوائده على القِـلة دون الغالبية. ولا يجوز أن تقتصر استراتيجيات التنمية على الصمود في وجه العواصف الاقتصادية من ذلك النوع الذي جلبته جائحة كوفيد-19. وسوف يساعد تطوير منتجات مبدعة من أجل غير المستهلكين في إفريقيا في توفير مسار أكثر وضوحاً وشمولية واستدامة إلى الرخاء لمئات الملايين من البشر. وكما ذَكَّـرَنا فيروس كورونا، فإنَّ استهداف أي شيء أقل من الرخاء للجميع من شأنه أن يُعرِّض القارة بأسرها للخطر.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
كارل مانلان زميل أصوات جديدة لعام 2016 في معهد أسبن، وهو كبير مديري العمليات في مؤسسة Ecobank. إيفوسا أوجومو كبير زملاء الأبحاث في معهد كلايتون كريستنسن، وهو المؤلف المشارك لكتاب "مفارقة الرخاء: كيف ينتشل الإبداع الأمم من براثن الفقر".
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org