أجندة داعمة للأسرة الأميركية تبدأ من كاليفورنيا
لورا تايسون، ليني ميندونكا
بيركلي ــ بحلول أوائل عام 2022، أصبح مصير خطة الرئيس الأميركي جو بايدن لتحقيق التعافي الاقتصادي العادل والمستدام ملتبسًا ومحاطا بالغموض. إنَّ الفشل في إقرار قانون إعادة البناء على نحو أفضل بتكلفة 1.75 تريليون دولار يعني إهدار فرصة كبرى. الواقع أنَّ هذا التشريع من شأنه أن يعمل على تعزيز الاقتصاد في وقت حيث يتعاظم خطر جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19). وفي غيابه، كما يتوقّع بنك جولدمان ساكس، قد يكون نمو الناتج الإجمالي المحلي في الولايات المتحدة أقل من المستوى المحتمل معه بنحو نقطة مئوية كاملة.
الأمر الأكثر أهمية أنَّ الاستثمارات في إطار قانون إعادة البناء على نحو أفضل من شأنها أن تقلِّل من معدلات الفقر بين الأطفال؛ وأن تقدِّم الدعم للأسر العاملة التي تناضل لتحقيق التوازن بن مسؤوليات الرعاية والعمل؛ وأن تعالج مخاطر المناخ على النحو الذي يوفِّر الأساس السليم للرخاء المستدام العادل على مدار العقد المقبل. تحظى هذه الأشكال من الإنفاق العام بشعبية كبيرة، وليس فقط بين الناخبين الديمقراطيين.
لكن في الوقت الحالي، يقف أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون، واثنان من الديمقراطيين من ولايتين تتسم كل منهما بميول جمهورية، في طريق العمل الفيدرالي الحقيقي. الآن، تعمل ولاية كاليفورنيا، التي نجحت في توليد فائض تاريخي في الميزانية بفضل اقتصادها القوي والعائدات غير المسبوقة من الضرائب المفروضة على مكاسب رأس المال، على تنفيذ استثمارات كبيرة لدعم الأطفال، والأسر العاملة، وجهود التخفيف من حدة تغيُّر المناخ والتكيُّف معه، مما يقدم نموذجًا لواضعي السياسات في ولايات أخرى وعلى المستوى الوطني.
تشمل الميزانية المقترحة من جانب حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم لعام 2022 إعفاءات ضريبية للدخل المكتسب والأطفال، وإجازات أسرية مدفوعة الأجر، ورعاية أطفال مدعومة، ووجبتين مجانيتين وبرامج ما بعد المدرسة والصيف للتلاميذ من رياض الأطفال إلى الصف الثاني عشر، وسنة كاملة من رياض الأطفال مجانًا. إذا جرى إقرار قانون البناء على نحو أفضل فسوف يضيف للجهود التي تبذلها ولاية كاليفورنيا دعمًا حاسمًا من خلال زيادة وتوسيع نطاق الإعفاءات الضريبية الفيدرالية للأطفال، من خلال ضمان عدم إنفاق أي أسرة عاملة يقلُّ دخلها عن 300 ألف دولار أكثر من 7% من دخلها على رعاية الأطفال، وتوفير ما يصل إلى أربعة أسابيع من الإجازات الوالدية المدفوعة الأجر للعاملين الموظفين والعاملين لحسابهم الخاص. تتفرد الولايات المتحدة حاليًّا بكونها الدولة الغنية الوحيدة التي لا تطبق نظام الإجازات الوالدية المدفوعة الأجر على المستوى الوطني (ينص قانون الإجازات الأسرية والطبية لعام 1993 على 12 أسبوعًا من الإجازات الأسرية غير المدفوعة الأجر).
يتمثّل أحد العناصر الأساسية في أجندة كاليفورنيا الداعمة للأطفال في برنامج رياض الأطفال الانتقالي الشامل الذي يفترض أن يُنَفَّذ على مراحل ليشمل جميع الأطفال في سن الرابعة بحلول 2025-2026. تُـعَـدُّ برامج ما قبل المدرسة استثمارات فَـعّـالة للغاية، حيث تدر عوائد بعيدة المدى على المشاركين ــ من النتائج الأكاديمية الأقوى والصحة الأفضل إلى الدخل الأعلى، والأسر الأكثر استقرارًا، والمزيد من الحراك الاجتماعي في وقت لاحق من الحياة. من خلال قانون إعادة البناء على نحو أفضل، تسعى إدارة بايدن إلى البناء على برامج ما قبل المدرسة القائمة بالفعل على مستوى الولايات والمستوى الفيدرالي، من خلال توفير التمويل لتغطية الحصة الفيدرالية في تكلفة برامج ما قبل رياض الأطفال الطوعية لجميع الأطفال، بصرف النظر عن الدخل أو غير ذلك من متطلبات التأهل.
الواقع أنَّ ما تفعله الولايات المتحدة للحد من الفقر بين الأطفال أقل مما تفعله أي دولة متقدمة أخرى. وحتى بعد الفوائد المترتبة على البرامج الحكومية الحالية والإعفاءات الضريبية، يظل معدل الفقر بين الأطفال عند مستوى يقرب من 20%. الأسوأ من هذا أنَّ الأطفال يعانون من أعلى معدلات الفقر بين جميع الفئات العمرية في الولايات المتحدة، وأولئك الذين ينشأون في فقر يصبحون أكثر عُـرضة لأن تنتهي بهم الحال إلى الفقر في مرحلة البلوغ. ومن المعروف أنَّ الفقر ذاته (بخلاف العوامل الأخرى) يؤثِّر في التحصيل التعليمي، والصحة، والدخل، والسوك الإجرامي في المستقبل.
ولكن من الممكن تغيير هذا المسار من خلال برامج دعم الأطفال مثل تلك الجارية بالفعل في كاليفورنيا والإعفاءات الضريبية المتزايدة والقابلة للاسترداد بموجب قانون إعادة البناء على نحو أفضل (والتي تشبه علاوات الأطفال النقدية المتاحة في بلدان متقدمة أخرى). وسوف تقلل الإعفاءات بموجب قانون البناء على نحو أفضل وحدها من الفقر بين الأطفال بنحو 40% في عام نموذجي، مع ذهاب أكبر الفوائد للأطفال في الأسر ذات الأصول الإفريقية واللاتينية.
ولأنَّ التعليم والصحة من العوامل الرئيسة المحددة لنتائج الحياة، فإنَّ أجندة ولاية كاليفورنيا للأسر العاملة والأطفال تضمُّ استثمارات كبرى في المجالين. في عام 2010، أصبحت كاليفورنيا أول ولاية تنشئ سوقًا للتأمين الصحي، حيث توفِّر الرعاية الصحية المدعومة بتخفيضات كبيرة لنحو 1.6 مليون مستفيد. والآن، بموجب مقترح نيوسوم لميزانية 2022، تستعد لتصبح أول ولاية تحقق الوصول الشامل إلى التغطية الصحية لكل المقيمين (بصرف النظر عن وضعهم القانوني كمهاجرين). ومن أجل حماية الحقوق الإنجابية في وقت حيث تتعرَّض للهجوم على المستوى الوطني وفي ولايات أخرى، تقترح الميزانية سلسلة من التدابير للحفاظ على توافر خدمات الرعاية الصحية الأساسية وتحسين إتاحتها.
دعمت خطة الإنقاذ الأميركية لعام 2021 بشكل كبير الأهلية الموسعة لبرامج التغطية الصحية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. لكن توسيع القدرة على الوصول إلى هذه الخدمات على هذا النحو سينتهي العمل به في غياب قانون البناء على نحو أفضل، والذي سيخصِّص 130 مليار دولار لتوسيع برنامج المساعدة الطبية للفقراء (ميديك ايد) وخفض الأقساط (بمتوسط 600 دولار في السنة) لنحو تسعة ملايين مشارك في قانون الرعاية الميسرة. كما سيوفِّر قانون البناء على نحو أفضل أموالًا إضافية لدعم توسع برامج التأمين الصحي على مستوى الولايات.
علاوة على ذلك، سيعزِّز قانون البناء على نحو أفضل بشكل كبير قدرة الحكومة الفيدرالية على الاستفادة من قوتها الشرائية في التفاوض على خفض أسعار الدواء. وهناك دعم شعبي قوي من جانب الحزبين للحكومة الفيدرالية لبذل المزيد من الجهد في التصدي لهذه المشكلة المتنامية. وفقًا لتقديرات مكتب الموازنة في الكونجرس، ستعمل الفقرات الخاصة بتسعير الأدوية في إطار قانون البناء على نحو أفضل على تقليل العجز الفيدرالي بنحو 297 مليار دولار على مدار عشر سنوات.
تعمل كاليفورنيا أيضًا على تطوير أساليب جديدة لمكافحة أسعار الأدوية التي ارتفعت إلى عنان السماء. في عام 2019، وقع نيوسوم على أمر تنفيذي يدعو مسؤولي الولاية إلى التفاوض بشأن أسعار الأدوية نيابة عن 13 مليون شخص يغطيهم برنامج المساعدة الطبية للفقراء في الولاية، والسماح لشركات التأمين الخاصة أيضا بالمشاركة. وفي عام 2020، وقع نيوسوم على تشريع يقضي بإنشاء أول علامة تجارية للأدوية العامة برعاية الولاية.
برغم أنَّ العمل الوطني لا يزال محتجبًا، تُـظـهِـر ولاية كاليفورنيا كيف يمكن للحكومات أن تستخدم محافظها وقدراتها التفاوضية لتحقيق تقدم كبير لصالح الأسر العاملة. وسوف تبقى منارة للسياسات التقدمية في الأوقات العصيبة.
ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel
لورا تايسون الرئيسة السابقة لمجلس المستشارين الاقتصاديين التابع لرئيس الولايات المتحدة، وأستاذة في كلية الدراسات العليا التابعة لكلية هاس لإدارة الأعمال، ورئيسة مجلس أمناء مركز بلوم في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. ليني ميندونكا كبير شركاء فخري لدى ماكينزي آند كومبني، وكبير خبراء الاقتصاد ومستشار الأعمال الأسبق لحاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم، ورئيس هيئة السكك الحديدية الفائقة السرعة في كاليفورنيا سابقا.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org