اقتصاد الحرب وتهدئة الأسواق
المصدر: روبرت سكيدلسكي
من الطبيعي أن يكون الاقتصاد ضعيفاً خلال فترة الحرب. إذ يتعين على الحكومة توجيه الموارد نحو تصنيع الأسلحة النارية، ما يؤدي إلى إنتاج كميات أقل من الزبدة.
ونظراً لضرورة التقليل من حصص الفرد من الزبدة، من أجل صنع المزيد من الأسلحة، فقد يؤدي اقتصاد الحرب إلى زيادة تضخمية، تتطلب من صانعي السياسة خفض الاستهلاك المدني لتقليل الطلب الزائد.
«جون ماينارد كينز» دعا في منشور صدر له عام 1940، إلى إعادة التوازن المالي، بدلاً من توسيع الميزانية، لتلبية الاحتياجات المتزايدة لجهود التعبئة في الحرب العالمية الثانية في المملكة المتحدة. ولخفض الاستهلاك دون زيادة التضخم، قال «كينز» إنه ينبغي للحكومة أن تزيد من الضرائب على الدخل والأرباح والأجور.
وأكد أن «أهمية ميزانية الحرب اجتماعية»، وأن الغرض منها ليس فقط «منع الآفات الاجتماعية للتضخم»، بل منعها «بطريقة ترضي الحس الشعبي للعدالة الاجتماعية، مع الحفاظ على الحوافز المناسبة للعمل والاقتصاد».
وطبق «جوزيف إي. ستيغليتز»، مؤخراً، هذا النهج في معالجة أزمة أوكرانيا.. وقد تكون مقترحات «ستيغليتز»، صالحة بالنسبة للولايات المتحدة، التي هي أقل عرضة للاضطرابات الخارجية، مقارنة مع الدول الأوروبية.
ورغم أن بريطانيا كانت عدوانية في ردها على تصرفات روسيا، شأنها في ذلك تقريباً شأن الولايات المتحدة، إلا أنها أقل استعداداً لإدارة اقتصاد الحرب مما كانت عليه في عام 1940.
وفي مخاضات مواجهة جملة الإفرازات التي نتجت عن الحرب في الأوقات الراهنة، رفع بنك إنجلترا بالفعل من أسعار الفائدة للحفاظ على تدفقات رأس المال الأجنبي.
ولكن من المرجح أن تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى انهيار أسواق الإسكان والأصول الأخرى، التي أصبحت مدمنة على معدلات منخفضة للغاية على مدى السنوات الـ 15 الماضية.
وقد يؤدي اتخاذ خطوات لتحقيق التوازن في الميزانية إلى تهدئة الأسواق مؤقتاً، لكن مثل هذه الإجراءات لن تعالج الضعف الأساسي للاقتصاد البريطاني. وفضلاً عن ذلك، لا يوجد دليل على أن الضبط المالي يؤدي إلى النمو الاقتصادي.
وقد يكون أحد العلاجات الممكنة، هو إنعاش الاستثمار الحكومي. فقد انخفض الاستثمار العام في المملكة المتحدة من متوسط 47.3 في المئة من إجمالي الاستثمارات بين عامي 1948 و1976، إلى 18.4 في المئة بين عامي 1977 و2007، ما جعل الاستثمار الكلي يعتمد على التوقعات المتقلبة قصيرة الأجل.
إن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها للمملكة المتحدة أن «تدفع ثمن الحرب»، هي تنفيذ استراتيجية صناعية، تهدف إلى زيادة الاكتفاء الذاتي في ما يتعلق بالطاقة، والمواد الخام، وإنتاج الغذاء. ولكن مثل هذه السياسة، سوف تستغرق سنوات، حتى تؤتي ثمارها.
وليس بريطانيا فقط من تواجه أزمة طاقة نتيجة لانقطاع إمدادات النفط والغاز من روسيا، بل جميع الدول الأوروبية.
وقد تكون إحدى الطرق الممكنة للمضي قدماً، هي التوصل إلى اتفاق لتخفيف العقوبات الاقتصادية، مقابل استئناف تدفقات الغاز. وبريطانيا مهيأة تماماً لدراسة هذه الفكرة، نيابة عن الاتحاد الأوروبي، ولكن باستقلالية عنه، وذلك نظراً لأوجه الضعف الخاصة لاقتصادها، وخروجها من الاتحاد الأوروبي.
إن المملكة المتحدة، ستظل على المدى القصير، معتمدة على التدفقات المالية التي توَلدها المدن لمنع حدوث انهيار كارثي للجنيه على المدى القريب، وهذا ما أجبر المستشار البريطاني الجديد، جيريمي هانت، على الإسراع لـ «استعادة الثقة» في اقتصاد بريطانيا.
إذ بدلاً من فرض الضرائب الكينزية أو الاستثمار العام، من الأرجح أن تلك السياسة ستؤدي إلى زيادة التقشف، الذي تسبب في الأزمة التي تعاني منها بريطانيا حالياً.
* عضو مجلس اللوردات البريطاني وأستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة وارويك.