العولمة والتغير المناخي
المصدر: أنتارا هالدار
تُظهر إحدى أكثر الصور شهرة في عصرنا الحاضر دباً قطبياً تقطعت به السبل على متن طوف جليدي يطفو به على غير هدى.
إن القليل من الصور يماثل هذه الصورة من حيث تمكنها من إظهار حقيقة التغير المناخي بمثل هذا العمق. إن من المفارقات الآن أن رجل دافوس يجد نفسه في تشبيه مماثل. إن موطنه الطبيعي وهو عالم شديد العولمة طيلة الخمسين سنة الماضية آخذ في الانكماش، حيث انتقل من التزلج في جبال الألب السويسرية إلى التزحلق على الجليد الرقيق.
بطبيعة الحال، فإن العولمة - تكامل الاقتصادات الوطنية والإقليمية من خلال التجارة والاستثمار عبر الحدود - تسبق رجل دافوس بوقت طويل فمنذ بزوغ فجر التصنيع في القرن التاسع عشر، أدى التقدم التكنولوجي (السفن البخارية والسكك الحديدية والتلغراف والسيارات والطائرات) والابتكارات المالية (مثل المعيار الذهبي) إلى اقتصاد عالمي مترابط بشكل متزايد.
لكن هذه العملية لم تكن مستمرة، حيث توقفت موجة سابقة من العولمة بشكل مفاجئ في أوائل القرن العشرين مع صعود القومية، والتي بلغت ذروتها في الكساد العظيم والفاشية.
لقد انطلق رجل دافوس من المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 1971 (ولكن لم تتم تسميته حتى عام 2004)، حيث أصبح الصورة الرمزية لهذه العملية، ففي كل عام منذ ذلك الحين نظم المنتدى الاقتصادي العالمي تجمّعه الرائد في جبال الألب السويسرية لتمجيد مزايا التجارة الحرة وتحرير أسواق رأس المال كأدوات لضمان السلام والازدهار.
أما الآن فيخشى كثيرون من أن العولمة في حالة تراجع لأول مرة منذ عام 1945. تشهد الولايات المتحدة والصين «انفصالاً» على نطاق واسع. كما أدى صعود الحركات الشعبوية في الاقتصادات المتقدمة، التي تجسدها «الترامبية» وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى وضع القوميين اليمينيين في شمال الكرة الأرضية في نفس الخندق مع الجناح اليساري في الجنوب العالمي.
لو أخذنا ما ذكرناه سابقاً بعين الاعتبار لوجدنا أن الحاضرين في دافوس كانوا يشعرون بالقلق خلال اجتماع هذا العام بشأن مسائل التصنيف («إعادة العولمة أم إزالة العولمة؟»)، بينما نشرت صحيفة الايكونومست قصة رئيسية عن التهديدات الجديدة للعولمة التي تأتي من بطلها السابق الولايات المتحدة الأمريكية. في غضون ذلك، حذّر بنك مورغان ستانلي العملاء من أن العولمة تسير في الاتجاه المعاكس.
لكن التغيير الذي نشهده يتعلق بما هو أهم بكثير من سلاسل التوريد وأشباه الموصلات، والأهم من ذلك أن ما أسماه عالم الاجتماع الاقتصادي كارل بولاني «فصل» النظم الاقتصادية عن النظم الاجتماعية يبدو أنه يصل إلى أقصى حدوده.
من الناحية الاقتصادية البحتة، فإن مسألة العولمة مقنعة دائماً: يفرض منطق الميزة النسبية أنه إذا استفادت البلدان من قوتها، ومزيجها الفريد من الموارد، والجغرافيا، ورأس المال البشري، ثم التجارة مع باقي دول العالم سينتهي المطاف بالجميع بأن يحصلوا على المزيد في المجمل.
تُظهر الدراسات الاقتصادية أن كل دولة في العالم تقريباً قد أصبحت أكثر ثراءً نتيجة للعولمة. أما على الصعيد العالمي فلقد انخفض الفقر وعدم المساواة بشكل ملحوظ.
لكنّ اللاعبين الاقتصاديين هم أناس حقيقيون يتمتعون بصفات نفسية «صعبة الإرضاء» ولديهم هويات شخصية واجتماعية وقيم راسخة، فهم ليسوا «سلعاً» أو مجرد عوامل إنتاج تنجذب مثل الذرات نحو الاستخدام الأكثر إنتاجية، وسواء كانوا عمالاً فقدوا وظائفهم بسبب الاستعانة بمصادر خارجية أو مزارعين غير قادرين على بيع منتجاتهم بسبب الاتفاقيات الدولية، فإن لديهم اعتراضات مفهومة على ديناميكيات العولمة المرتبطة بالسباق المحموم نحو التفوق وبصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى.
* أستاذة مشاركة في الدراسات القانونية التجريبية بجامعة كامبريدج