Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

الاقتراحات الفعّالة لدول الجنوب

خافيير سولانا

مدريد - أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في خطابه في افتتاح الاجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة لقادة الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة قائلاً: "نحن نُواجه أكبر موجة من الأزمات في حياتنا". عندما يتعلَّق الأمر باثنين من تلك الأزمات؛ تغير المناخ وجائحة فيروس كوفيد 19، فإنَّ قادة الدول الصغيرة والنامية، وليس قادة الاقتصادات الكبرى في العالم، هم الذين يقومون برواية القصص الأكثر إقناعًا.

على سبيل المثال، سلَّط وزير الخارجية النيجيري حسومي مسعودو الضوء على "الآثار المدمرة" الناجمة عن التغيرات المناخية في بلاده، والتي تشمل موجات الجفاف الشديدة، مثل موجة الجفاف التي اجتاحت البلاد في عام 2010 وأسفرت عن مقتل ما يقدَّر بنحو 4.8 ملايين رأس من الماشية - ما يقرب من 25 ٪ من قطيع البلاد - مع خسائر مادية تزيد على 700 مليون دولار.

ومن ناحية أخرى، يُهدد ارتفاع مستويات سطح البحر بإحداث تغييرات جذرية في النظم البيئية في بلدان جزر المحيط الهادئ، وقد يتسبَّب في إغراقها بالكامل. والسؤال الذي يطرحه رئيس الوزراء كوسيا ناتانو هو: "هل ستبقى توفالو دولة عضو في الأمم المتحدة إذا غُمرت بالمياه؟".

وحقيقة أنَّ البلدان النامية تواجه مثل هذه التهديدات المباشرة والفعلية تُسلط الضوء على الواجب الأخلاقي المتمثل في التعاون الفعّال في مجال المناخ. لكن ينبغي أن تكون الاقتصادات المتقدمة أيضًا مدفوعة بالمصلحة الذاتية المستنيرة. يُقدر البنك المركزي الأوروبي أنَّ الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا سينكمش بنسبة 10٪ في غياب العمل المناخي، مما يتسبَّب في ارتفاع عجز الشركات عن سداد الديون بنسبة 30٪. كما سيُهدد تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة الأمن الغذائي العالمي.

ومع ذلك، فإنَّ فرصنا في تجنُّب أسوأ آثار تغير المناخ تتلاشى بسرعة. ووفقًا لأحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فما لم تحدث تخفيضات فورية وسريعة وواسعة النطاق في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، سيكون الحد من الاحترار العالمي إلى ما يقرب من 1.5 درجة مئوية - أو حتى درجتين مئويتين - فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية أمرًا مُستحيلاً.

كما قدَّمت بعض الدول في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وجهات نظر مُهمة حول أزمة فيروس كوفيد 19. على سبيل المثال، دعا الرئيس الناميبي حاج جينغوب إلى وقف "التمييز العنصري في اللقاحات" الذي يعيق التقدم نحو إنهاء الجائحة. وبالفعل، فشل نظامنا المتعدد الأطراف فشلاً ذريعًا في الوفاء بالتزاماته لضمان المساواة في توزيع اللقاحات عبر البلدان. وكما أشار رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون أخيرًا، فإنَّ 2٪ فقط من البالغين في البلدان منخفضة الدخل مُحصنون تحصينًا كاملاً، مقارنة بأكثر من 50٪ من البالغين في معظم البلدان ذات الدخل المرتفع.

لقد أثبت العالم كفاءة عالية في صنع لقاحات مضادة لفيروس كورونا المستجد: نحن ننتج الآن 1.5 مليار جرعة شهريًّا. ومع ذلك، كنّا قد أهملنا بشكل كبير توزيعها. ووفقًا لشركة "إير فينيتي"، وهي شركة بحثية كبرى، سوف تنتهي صلاحية 100 مليون جرعة غير مُستخدمة بحلول نهاية هذا العام، إذا لم نعمل بشكل فوري على إعادة توزيعها. حتى الآن، لم يُساعد مرفق الوصول العالمي للقاحات المضادة لفيروس كوفيد 19 (كوفاكس) في توزيع سوى 300 مليون جرعة من اللقاح، في حين كان يهدف إلى توزيع ما لا يقل عن مليار جرعة إلى البلدان المنخفضة الدخل بحلول نهاية عام 2021.

وعلى غرار العمل المناخ، تُشكل المساواة في توزيع اللقاحات ضرورة أخلاقية وعملية بالنسبة للاقتصادات المتقدمة. كلما سُمح للفيروس بالانتشار، زاد احتمال تحوله إلى متغيرات جديدة أكثر قابلية للانتقال ومُميتة ومُقاومة للقاحات. وبالفعل، اضطرت البلدان التي حقَّقت معدلات تطعيم مرتفعة - مثل إسرائيل، التي قدَّمت جرعتين إلى أكثر من 60٪ من سكانها بحلول شهر أغسطس/ آب - إلى إعادة فرض القيود، وذلك بسبب انتشار متغير دلتا، الذي أصبحت اللقاحات ضده أقل فاعلية.

إلى جانب ضمان المساواة في توزيع اللقاحات اليوم، يتعيَّن على المجتمع الدولي العمل على تعزيز استعداد منظمة الصحة العالمية للتعامل مع حالات الطوارئ في مجال الصحة العامة. لن يتسنى لنا الكشف المبكر عن الأزمات المستقبلية إلا إذا توافرت لدينا هيئة متعددة الأطراف قادرة ومُمولة تمويلاً جيداً. ومع ذلك، في الوقت الحالي، تُمثِّل الاشتراكات المقررة أقل من ربع ميزانية منظمة الصحة العالمية، مما يجعلها تعتمد على المساهمات الطوعية.

هناك حواجز هائلة تحول دون إحراز التقدم. تمَّ عقد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت يتسم بالمواجهة الجيوسياسية المتصاعدة، والتي تتواصل على نحو متزايد في منطق المحيطين الهادئ والهندي. وفي أعقاب انسحابها من أفغانستان، أنشأت الولايات المتحدة تحالفًا أمنيًّا وتكنولوجيًّا جديدًا مع أستراليا والمملكة المتحدة "أوكوس"، مما أدى إلى تصعيد التوترات مع الصين.

إنَّ تصعيد الأعمال العدائية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ - التي تمثِّل نحو 65٪ من سكان العالم، و 62٪ من إجمالي الناتج المحلي العالمي، و46٪ من إجمالي تجارة السلع - من شأنه أن يُخلف عواقب وخيمة. وهناك العديد من العوامل المحتملة. أثبتت تايوان أنها نقطة اشتعال خطيرة بشكل خاص في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، حيث أصبحت المناورات العسكرية الانتقامية على الجزيرة حدثًا متكررًا بشكل متزايد، الأمر الذي يزيد من احتمالات حدوث سوء تقدير أو حادث ما.

وفي خضم هذه التوترات الشديدة، يصبح التعاون في مجال المناخ أكثر صعوبة. وقد تجلى ذلك بوضوح أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها المبعوث الخاص لشؤون المناخ جون كيري إلى تيانجين، والتي سلَّطت الضوء على مدى توتُّر العلاقات الثنائية في مجموعة من المجالات، بما في ذلك التجارة وحقوق الإنسان والديمقراطية والدفاع والأمن في بحر الصين الجنوبي. في حديثه إلى كيري عبر اتصال بالفيديو، حذر وزير الخارجية الصيني وانغ يي بصراحة من أنَّ التعاون المناخي لن يكون مُستدامًا ما لم تتحسَّن العلاقة.

وبالمثل، يُعيق التنافس بين الولايات المتحدة والصين الجهود المبذولة لإنهاء جائحة فيروس كوفيد 19، في الوقت الذي ينخرط فيه البَلدان في "دبلوماسية اللقاحات": توفير اللقاحات لدول ثالثة كوسيلة لتأسيس تبعيات سياسية ونفوذ جيوسياسي طويل الأمد. يُهدِّد هذا النهج التوزيع الآمن والعادل للقاحات، لأسباب ليس أقلها إهمال العديد من البلدان في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا، حيث سيستمر الفيروس في الانتشار - والتحول - دون رادع.

لقد ترك اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة جمهوره مع شعور بالإلحاح الشديد والاطلاع على بواطن الأمور. وكما قالت رئيسة وزراء دولة جزيرة بربادوس ميا أمور موتلي متأسفة: "كم مرة سنشهد موقفًا نقول فيه نفس الشيء مرارًا وتكرارًا، حتى لا نصل إلى أي نتيجة؟" يرجع جزء كبير من الجواب إلى الأمم المتحدة.

على الرغم من أوجه القصور التي تُعيبها، فقد شكلت الأمم المتحدة منذ فترة طويلة قلب النظام المتعدد الأطراف. بينما نتجه نحو عقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 26) في غلاسكو، يجب أن يثبت هذا النظام قدرته على ترجمة الدعوات المطالبة بالعمل لإحراز تقدم حقيقي. كما يجب ألا ينسى الاستماع إلى دول النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.

خافيير سولانا هو الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية والأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ووزير خارجية إسبانيا، ورئيس "EsadeGeo" - مركز الاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية وزميل متميز في معهد بروكينغز.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكت، 2021
www.project-syndicate.org