الاقتصاد الصيني.. ركائز القوة ومقوّمات التطور
نانسي تشيان
إن اقتصاد الصين أصبح في مصاف أهم الاقتصادات العالمية، لكنه، كما غيره، تعرض لتحديات جمة بفعل الجائحة وسواها.
ومن المؤكد أن شي جين بينغ، الذي هو على وشك أن يصبح أول رئيس لثلاث فترات رئاسية في التاريخ الصيني عندما ينعقد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، أفلح في النهوض بركائز السياسة الاقتصادية خلال السنوات العشر الماضية واستكشاف بعض الخطوات الواضحة من أجل تحسين الأداء الاقتصادي للفترة الرئاسية القادمة.
عندما تولى شي جين بينغ أعلى منصب سياسي في الصين سنة 2012 كان الاقتصاد مزدهرًا ولكنه كان يعاني من العديد من التحديات. لقد كان الناتج المحلي الإجمالي ينمو بمتوسط معدل سنوي يبلغ %10 لأكثر من عقد، ولكن كان التباطؤ حتميًا وبالفعل انخفض النمو في الناتج المحلي الإجمالي في كل سنة تقريبًا منذ سنة 2008.
وكانت الصين تعاني من تماسك وقوة قوتها العاملة تدريجياً، حيث بدأت معدلات الخصوبة المرتفعة تاريخياً والتي كانت تبلغ ستة أطفال لكل امرأة في الانخفاض في سبعينيات القرن الماضي، ووصلت إلى مستوياتها الحالية التي تقل عن طفلين لكل امرأة في عام 2000.
عندما تولى شي جين بينغ سدة الحكم، بذل جهودًا كبيرة للتصدي لتلك التحديات بشكل مباشر والنتائج كانت متفاوتة، فيسجل له أنه تمكن من تخفيض قراءات نسبة التلوث بي م 2،5 في المدن الرئيسية مثل بيجين وشنغهاي للنصف خلال العشر سنوات الماضية، وسجل تراجع معامل جيني الصيني اليوم إلى أقل من مثيله في الولايات المتحدة وأقل بنسبة 13 % مقارنة بذروته عام 2010.
عندما أتى إلى سدة الحكم كانت معايير وسياسات اقتصادية كثيرة أحدثت آثاراً مجتمعية متنوعة ولها كبير التبعات، وبادر فوراً للتصدي لها بحكمة.
وفي واقع الأمر بدأت الصين في مطالبة شبكات الطاقة المملوكة للدولة بالاستثمار في صناعات الطاقة المتجددة منذ عام 1994 كما ركّزت الحكومات السابقة أيضًا على السياسات التي تهدف لتحسين ظروف الفقراء. لقد تم إدخال التأمين الطبي الأساسي إلى المناطق الحضرية في عام 1998 وإلى المناطق الريفية في عام 2003 .
كما بدأ عدم المساواة الإجمالي في الانخفاض قبل عامين من تولي شي منصبه وكانت الحكومات السابقة تتبنى بانتظام حملات لمكافحة الفساد خاصة بها.
مع احتفاظ شي بالعديد من مبادرات أسلافه المتعلقة بالسياسات، استمرت الأشياء التي كانت تتحسن في التحسن، وظلت المشاكل التي كان من الصعب إصلاحها بدون حل. إن أكثر شيء تغير في عهد شي لم يكن أهداف السياسات الظاهرية ولكن طريقة التنفيذ.
لقد كان صانعو السياسات في الصين بعد عام 1978 مع وجود استثناءات مثل سياسة الطفل الواحد يميلون إلى توخي الحذر والحصافة. إن التغييرات المهمة مثل إدخال الانتخابات الريفية كان يتم تجريبها عادةً بهدوء ويتم الإعلان عنها على أنها «سياسة وطنية» فقط عندما تشعر الحكومة المركزية بالثقة في أنها تفهم كيف ستعمل تلك السياسة.
تمتاز طريقة التجربة والخطأ هذه بخلق مساحة سياسية للمناقشات بين أصحاب المصلحة المهمين مما أدى إلى نجاح المبادرات شديدة التعقيد مثل السياسة الصحية الوطنية للصين، كما كانت تلك الطريقة تنطوي على المرونة بحيث تتم مراجعة السياسات لمراعاة الظروف المتغيرة أو الآثار الجانبية غير المتوقعة، ولأن هذه السياسات لم تكن مرتبطة بشخص واحد، كانت التكلفة السياسية للاعتراف بالأخطاء منخفضة.
إن من الواضح أن طريقة العمل هذه تحتاج إلى خطط تطوير ودراسة أكبر اقتصاديًا، حتى عندما تكون الدوافع وراء السياسات حميدة أو حسنة النية.
إن سياسات الاقتصاد والمجتمع الصيني سائرة في دروب واعدة تنبئ بمزيد تطور وارتقاء. وعلى المسؤولين التركز أكثر عىل سبل مواجهة مستجدات التحدات في كافة الحقول. ولا بد من ترسيخ ركائز ثبات الاستثمارات المستقبلية في جميع القطاعات.
إن سياسة شي والمتعلقة بصفر حالات كوفيد هي مثال آخر في هذا الخصوص، فعلى الرغم من النجاح الكبير لتلك السياسة في السيطرة على فيروس كورونا عندما لم تكن هناك لقاحات، إلا أن تلك السياسة أصابها الضعف في ظل الظروف المتغيرة، وفي حين أن جميع البلدان الأخرى تعود إلى العمل كالمعتاد، أو قد فعلت ذلك بالفعل.
إن التداعيات على الاقتصاد الصيني واضحة: يجب على السلطات أن تستمر في نفس المسار فيما يتعلق بأهداف السياسات الاقتصادية، ويجب أن تواصل تعزيز أساليب صنع السياسات الخاصة بها. إن التحرك ببطء وحذر خدم الصين جيدًا لأكثر من 40 عامًا مما يعني أن مثل هذه السياسة يمكن أن تعمل بشكل جيد لفترة أطول بكثير.
*أستاذة الاقتصاد الإداري وعلوم القرار في كلية كيلوج للإدارة بجامعة نورث وسترن، وهي مديرة مشاركة لمختبر أبحاث الفقر العالمي بجامعة نورث وسترن
والمدير المؤسس لمختبر الاقتصاد الصيني