التضخم ومستقبل الاقتصاد الأمريكي
مايكل جيه. بوسكين
لا تزال سوق الوظائف في أمريكا صامدة، مع خلق فرص عمل مجزية، وانخفاض معدل البطالة، وتوفر فرصتي عمل تقريباً لكل شخص عاطل عن العمل. لكن التضخم الذي ارتفع بصورة خطيرة، ترك الأمريكيين في حالة من عدم الرضا الشديد عن الاقتصاد. عند مستوى 8.6 % اعتباراً من مايو، أصبح معدل التضخم السنوي لمؤشر أسعار المستهلك، يعادل أربعة أمثال المعيار المعتاد في العقود الأخيرة، وتجاوز معدل نمو الأجور، فأصبحت الدخول الحقيقية لمعظم الأسر في انخفاض. وحتى التضخم الأساسي ــ الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة ــ بلغ 6 %، وهذا أعلى من المعدل في الاقتصادات الكبرى الأخرى. لم يشهد أي شخص تحت سن الستين أي شيء من هذا القبيل في حياته البالغة.
الأسوأ من ذلك، أن احتمالات حدوث ركود آخذة في الازدياد.
مع اتجاه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الآن، إلى رفع سعر الفائدة المستهدف، فقد ينحسر التضخم مع اقتراب العام المقبل. لكن تأخر تأثيرات ارتفاع أسعار الفائدة، مقترناً بتوقعات التضخم المتزايدة الارتفاع (وفقاً لاستطلاعات المستهلكين وسوق السندات)، يشير إلى أن بعض الوقت قد يمر قبل الوصول إلى هدف الاحتياطي الفيدرالي 2 %.
من ناحية أخرى، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الأمريكيين سيفرغون غضبهم وإحباطهم على الرئيس جو بايدن والحزب الديمقراطي، بدءاً من انتخابات التجديد النصفي في شهر نوفمبر.
زعم بايدن مراراً وتكراراً، أن التضخم المرتفع اليوم، حالة عابرة مؤقتة، وأن أحداً لم يتوقع تضخماً مرتفعاً ومستمراً. من الواضح أنه مخطئ، وربما ضللته المعلومات التي نقلها إليه مستشاروه.
وفي كل الحالات، ولو حللنا المسائل بمنطقية، وطبقاً لمقارنات تاريخية، نرى أنه يستحق بايدن التقدير، لاحترامه استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، في سعيه إلى إحكام السياسة النقدية. هذا يميزه عن سلفه، الذي يقارن به على نحو متزايد: جيمي كارتر. في خضم تضخم أشد سوءاً، طالب كارتر الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة، والذي ينم عن جهل اقتصادي شديد.
السؤال الآن هو، ما إذا كان بايدن ليتحلى بالقدر الكافي من الحكمة، بحيث يتبع المسار الذي سلكه كلينتون، بعد الهزيمة الساحقة التي مُـني بها الديمقراطيون في انتخابات التجديد النصفي عام 1994، عندما انتقلت إدارته إلى الوسط، للعمل بشكل بَـنّـاء مع الأغلبية المعتدلة في الحزب الديمقراطي وأغلب الجمهوريين.
لكي يتسنى له القيام بذلك، يتعين على بايدن أن يتخلى عن سياسته الاقتصادية. لقد طالب حتى بالمزيد من الإنفاق، لمساعدة الأسر التي تعاني من التضخم، الذي ساعد الإنفاق العام ذاته في خلقه. كما دعا إلى إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري، ووجه انتقادات شديدة في ذات الوقت إلى شركات النفط والغاز الأمريكية، لأنها لا تنتج المزيد، حتى برغم أن سياساته هي التي قللت من الحوافز التي قد تدفع هذه الشركات إلى الاستثمار.
قد يكون النهج الأكثر حكمة، متمثلاً في تبني أجندة من الإصلاحات التنظيمية والضريبة الداعمة للنمو، وجانب العرض (كما فعل الرئيس جون ف. كينيدي)، مع فرض الضوابط على الإنفاق، وخفض العجز، لتكميل الجهود التي يبذلها الاحتياطي الفيدرالي، لكبح جماح التضخم، دون التسبب في إحداث حالة من الركود. ولكن، لم يُـظـهِـر بايدن أو بقية أعضاء حزبه، أي ميل نحو مثل هذه السياسات.
* أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، وكبير زملاء معهد هووفر، وكان رئيساً لمجلس مستشاري الرئيس جورج بوش الأب للشؤون الاقتصادية