الاستدامة والنمو الاقتصادي الشامل وتحديات سد الفجوات
المصدر: سفين سميت * آنو مادغافكار **
اجتمع المئات من الرؤساء التنفيذيين ورؤساء الدول في بالي بإندونيسيا، في نوفمبر 2022، لحضور قمة الأعمال العالمية B20. وتمحورت المواضيع المدرجة في جدول أعمال هذا العام حول ثلاثة أهداف مترابطة: الاستدامة، والشمول، والنمو الاقتصادي.
إن هذه الأهداف الثلاثة أبعد من أن تكون متعارضة فيما بينها، بل يمكن أن تعزز بعضها البعض. إذ يمكن لعالم مستدام احتواء تغير المناخ، والحفاظ على رأس المال والتنوع البيولوجي. ومن شأن الشمولية أن تخلق فرصاً اقتصادية وتقدماً يتشاركه الجميع. وفي حين يعتقد البعض أن النمو الاقتصادي لا يتوافق مع مكافحة تغير المناخ، فمن الضروري إنتاج الموارد المالية اللازمة لخلق عالم مستدام وشامل - شريطة استخدام هذه الموارد استخداماً صحيحاً.
ولتقدير نطاق التحديات المقبلة، فحصنا مؤشرين في غاية من الأهمية. أولاً، قمنا بقياس فجوة الاستدامة، وهي الاستثمار الإضافي في التكنولوجيا المنخفضة الانبعاثات الذي يجب أن تنجزه جميع البلدان من أجل تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. ونظراً لأن العالم يقترب من استنفاد «ميزانيته الكربونية» بحلول عام 2030، لم يتبقَ سوى القليل من الوقت للقيام باستثمارات مهمة. وسيتطلب الانتقال إلى اقتصاد من دون أي انبعاثات اتخاذ خطوات حاسمة بحلول نهاية هذا العقد.
والمؤشر الآخر هو ما نسميه فجوة التمكين، وهو مستوى الاستهلاك اللازم لتلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والطاقة، وللحصول على دخل تقديري يتجاوز الضروريات، ولمواجهة حالات الطوارئ. ووفقاً لحساباتنا، تبلغ قيمة خط التمكين 11 دولاراً للفرد يومياً في البلدان الفقيرة، و55 دولاراً في البلدان الغنية (وفقاً لتعادل القوة الشرائية لعام 2011). وإذا تمكنت كل أسرة في العالم من الوصول إلى هذا المستوى من الاستهلاك بحلول عام 2030، فإن كل شخص بالغ سيخرج من دائرة الفقر ويدخل مرحلة الأمن الاقتصادي بحلول عام 2050. ولكن ينبغي أن يجري العالم تحولات جذرية قبل نهاية هذا العقد.
ويمكن أن يساعدنا النمو الاقتصادي في تحقيق كلا الهدفين. إذ يمكن للحكومات أن تنفق بعض الدخل الذي تكتسبه من النمو للارتقاء بالأسر الفقيرة إلى الطبقة الوسطى العالمية، مع تخصيص جزء منه لبناء بنية تحتية صديقة للبيئة.
إن الوضع مختلف تماماً في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تُقدر فجوة التمكين بـ10.3 تريليونات دولار، وهي قيمة أكبر بكثير من نظيرتها في البلدان الأخرى، ويبلغ مجموع فجوة الاستدامة 600 مليار دولار. ومن المتوقع أن يسد النمو (كما هو متوقع حالياً) 6 في المئة فقط من فجوة التمكين و25 في المئة من فجوة الاستدامة.
ولِسد هذه الفجوات، يجب أن تسهم قوى إضافية في تعزيز النمو الاقتصادي. فبادئ ذي بدء، يمكن للابتكار المرتبط بالتجارة تغيير نموذج النمو الحالي بطرق أكثر توجهاً نحو الشمول والاستدامة. إذ تنفق الشركات الكبرى في مجموعة العشرين أكثر من 2 تريليون دولار سنوياً على البحث والتطوير، ومن ثم فهي تضطلع بدور حاسم في تطوير تكنولوجيا وحلول جديدة للتقليل من تكاليف التحول إلى الاستدامة.
وعندما تكتشف هذه الشركات كيفية التقليل من تكلفة البنية التحتية منخفضة الانبعاثات، يمكنها أيضاً المساعدة في إعادة توجيه النمو نحو الاستدامة عن طريق تحويل تفضيلات المستهلكين نحو المنتجات الصديقة للبيئة، كما فعل مصنعو السيارات الكهربائية في السنوات الأخيرة. وفي الوقت نفسه، عندما يكون الابتكار المرتبط بالتجارة مصحوباً باستراتيجيات وسياسات عامة تمكّن من التعليم، والتدريب، ورعاية الأطفال، والرعاية الصحية، والتوظيف الشامل، يمكن أن يساعد في سد فجوة التمكين من خلال زيادة دخل العمال.
ويمكن للحكومة والعمل الخيري أيضاً توجيه الحوافز والموارد العامة نحو الاستدامة والشمول.. كما يمكن أن تشجع ضرائب الكربون وإعانات المشاريع ذات انبعاثات كربونية منخفضة المستثمرين على سد فجوة الاستدامة؛ أو يمكن للحكومات استخدام التحويل المباشر للمدفوعات للارتقاء بالمزيد من الأسر إلى مستوى يتجاوز خط التمكين.
ومما يؤسف له أنه لا يمكن سد فجوات التمكين والاستدامة الحالية في العالم على الفور؛ وينبغي أن يكون هذا الأمر صيحة استنفار، وليس سبباً للتقاعس عن العمل. ولا ينبغي للشركات أن تقبل التحدي وتبتكر فقط؛ بل يجب أيضاً أن تغتنم الفرص العديدة القائمة بالفعل. كذلك، يجب أن تركز الحكومات والمؤسسات الخيرية على المجالات التي تعاني فيها الأسواق حالياً من العجز. وإذا عمل قطاع الأعمال والقطاعات العامة والاجتماعية معاً، يمكننا تحقيق النمو المستدام والشامل الذي يحتاجه العالم بإلحاح.
* شريك رئيسي في شركة McKinzey & Company (مكينزي أند كامبني)، ورئيس مشارك لمعهد «مكينزي» العالمي
** شريكة في معهد «مكينزي» العالمي.