الاتحاد الأوروبي وأهمية الانضباط المالي في استقرار اليورو
ماريك دابروفسكي *
في التاسع من نوفمبر عام 2022، نشرت المفوضية الأوروبية برنامج عمل لإصلاح إطار الحوكمة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي. تتصور الوثيقة، بين أمور أخرى، نهجاً أكثر تكاملاً في الإشراف الاقتصادي من جانب الاتحاد الأوروبي، وتعزيز الملكية الوطنية، وقواعد مبسطة لإدارة المخاطر المالية، وتطبيق أفضل لهذه القواعد، لكن تفاصيل الاقتراح تثير الشكوك حول إمكانية تحقيق هذه الأهداف، على وجه التحديد، يترك المكون المالي للإطار المقترح ثلاثة أسئلة أساسية دون إجابة.
السؤال الأول هو ما إذا كانت القواعد الجديدة لتمنع الإفلاس السيادي؟ اعتباراً من عام 2021، كان إجمالي الدين الحكومي العام في سبع من دول منطقة اليورو تجاوز 100 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يعني أنها مسألة وقت فقط قبل أن تصبح الأسواق المالية قلقة بشأن استدامة ديون بعض البلدان، لكن الطريقة التي تقترحها المفوضية للتعامل مع الديون المفرطة أكثر تساهلاً حتى من الطريقة القديمة بموجب ميثاق الاستقرار والنمو.
يرفض برنامج العمل «قاعدة 1/20» المعمول بها في السابق لخفض الديون على أساس أن مطالبة الحكومات بخفض دينها كل عام بمقدار 1/20 من الزيادة التي تتجاوز 60 % من الناتج المحلي الإجمالي يُحَمِّلها ما لا تطيق، بدلاً من ذلك، تريد المفوضية من البلدان الأعضاء التي تواجه تحديات دين «كبيرة» أو «معتدلة» أن تتفاوض على خطة مالية متوسطة الأمد تتضمن مسار دين تنازلياً، ولا توضح الوثيقة سرعة ضبط الأوضاع المالية، التي سَتُفَصَّل لاحقاً في منهجية تحليل استدامة الدين، ولا معايير تصنيف تحديات الدين على أنها «كبيرة» أو «معتدلة» أو «منخفضة».
يتعلق سؤال ثانٍ بوعد برنامج العمل بقدر أكبر من البساطة، فقد كانت القواعد القديمة موضع انتقاد لكونها شديدة التعقيد، ولاعتمادها على فئات مبهمة مثل الناتج المحتمل أو المواقف المالية المعدلة دورياً، ولأن هذه المؤشرات يصعب قياسها والتنبؤ بها، فقد أدى إنتاجها دوماً إلى ظهور افتراضات جزافية وشكوك منهجية.
هنا أيضاً، يدفع الإطار الجديد الأمور إلى مسافة أبعد في الاتجاه الخاطئ، إذ يتعين على البلدان الأعضاء تقديم برنامج مالي متوسط الأمد استناداً إلى مسار تعديل متعدد السنوات تقدمه المفوضية بعد إجراء تحليل استدامة الدين، ثم يجري التفاوض على هذه المقترحات مع المفوضية قبل الحصول على الموافقة النهائية من مجلس الشؤون الاقتصادية والمالية.
للوهلة الأولى، يبدو هذا النهج جذاباً، لأنه يخرج عن الممارسة الحالية التي تعتمد على نهج واحد يناسب الجميع، ولكن نظراً للطبيعة الإلزامية التي تتسم بها برامج ضبط الأوضاع المالية المدعومة بعقوبات محتملة، فإن نهجاً أكثر استقلالاً وتفرداً سَيُفضي حتماً إلى مساومات أكبر كثيراً بين البلدان الأعضاء والمفوضية (وربما مجلس الشؤون الاقتصادية والمالية)، ذلك أن العديد من الافتراضات والمتغيرات المختلفة قد تكون ضالعة في المفاوضات من تحليل استدامة الدين، ومسار ضبط الأوضاع المالية، وتأثيره في النمو، إلى عوامل أخرى مثل ظروف الاقتصاد الكلي والاحتياجات المالية الخاصة (كتلك المرتبطة بالتحول إلى الاقتصاد الأخضر).
ما يزيد الأمور تعقيداً أن الإطار الإشرافي الجديد سيعمل إلى حد كبير على أساس التوقعات، في حين أن ميثاق الاستقرار والنمو القديم كان يراقب في الأساس متغيرات فِعلية، ومن الواضح أن التوقعات الاقتصادية من الممكن أن تخضع لكل أشكال الأخطاء والافتراضات المغلوطة، والأمر الأكثر أهمية عدم قدرتها على التكهن بصدمات لا يمكن توقعها.
نظراً للحاجة إلى تشكيل السياسة المالية بما يتفق مع البرامج المالية متوسطة الأمد المعتمدة (مع عقوبات محتملة لإخفاقات التسليم)، سيكون لدى البلدان الأعضاء حوافز قوية للتفاوض من أجل مسارات ضبط أقل طموحاً، واقتراح توقعات أكثر تفاؤلاً للاقتصاد الكلي، ورغم أن المفوضية ستحاول الدفع باتجاه مسارات أكثر طموحاً لتجنب خطر الأزمات المالية، فستتمتع البلدان الأعضاء بالميزة المعلوماتية في هذه العملية شديدة التعقيد، لأنها تعرف الظروف المحلية أفضل من أي جهة أخرى، ونحن نعلم بالفعل من التجربة أن البلدان الأعضاء الأكبر حجماً والأكثر نفوذاً على الصعيد السياسي ستميل إلى تلقّي معاملة أكثر مُحاباة.
السؤال الثالث يتعلق بغياب الشهية السياسية لفرض القواعد المالية. خلال الفترة من 1997 (قبل عامين من طرح عملة اليورو) إلى عام 2021، تجاوز العجز الحكومي العام 3 % من الناتج المحلي الإجمالي (المستوى الأقصى الذي حددته معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي) في بلدان منطقة اليورو في 143 من أصل 394 ملاحظة. اخترقت كل من اليونان والبرتغال سقف العجز في 18 من هذه الأعوام، في حين اخترقته فرنسا في 17 عاماً، وإسبانيا في 12 عاماً.
على نحو مماثل، تجاوز إجمالي الدين الحكومي العام حد الـ60 % من الناتج المحلي الإجمالي في 229 مرة من أصل 394 ملاحظة. ولم تسجل النمسا وبلجيكا واليونان وإيطاليا قَط إجمالي دين أقل من العتبة المحددة. وفعلت فرنسا ذلك مرتين فقط (في عام 2000 وعام 2001)، وتجاوزت ديون البرتغال الحد الأقصى طوال عشرين عاماً، وفعلت ألمانيا ذلك طوال 19 عاماً، وتنامى عدد البلدان الأعضاء في منطقة اليورو التي تجاوزت ديونها 60 % من الناتج المحلي الإجمالي بشكل مطرد، إلى 12 من أصل 19 في عام 2021.
الأمر الأكثر أهمية، على الرغم من الانتهاكات العديدة لحدود العجز والديون بموجب المعاهدة، هو أن العقوبات المالية المنصوص عليها في ميثاق الاستقرار والنمو لم تُطَبّق قَط، والواضح أن البلدان الأعضاء في منطقة اليورو تعاني من مشكلة العمل الجماعي التي يجب أن تعالجها بشكل مباشر أي مناقشة تتناول الانضباط المالي في المستقبل.
يشكل الانضباط المالي ضرورة أساسية لاستقرار اليورو، والاستقرار المالي، واستقرار الاقتصاد الكلي في الاتحاد الأوروبي في عموم الأمر، ويجب أن يكون أي إطار جديد حريصاً على تقليص خطر انتشار التداعيات والعدوى السلبية عبر الحدود، وتثبيط الركوب بالمجان، ومعالجة احتمالات المخاطر الأخلاقية، ولكن من المؤسف أن اقتراحات المفوضية الجديدة أقل كثيراً من أن تحقق الهدف المرغوب.
* زميل غير مقيم لدى مركز أبحاث بروجل، وأستاذ زائر في جامعة أوروبا الوسطى في فيينا، وزميل مركز البحوث الاجتماعية والاقتصادية في وارسو