المخاوف من التضخم وآثار الانتخابات
يتصدر التضخم الآن قائمة مخاوف العديد من الناخبين في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن إذا استخدم الناخبون انتخابات التجديد النصفي لهذا الشهر للاحتجاج على التضخم، فإن هذا يعني أنهم سيجعلون الكونغرس تحت سيطرة الحزب الجمهوري
وبغض النظر عما سيحدث للتضخم خلال السنة القادمة، فلن يكون لذلك ارتباط يذكر بالكونغرس، فالمهم هو السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والتطورات العالمية -مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا- والتي تؤثر في أسعار السلع وسلاسل التوريد. إن من الممكن أن تكون أسعار البنزين مصدراً رئيساً للانزعاج من التضخم لدى الناخبين الأمريكيين، ولكن ليس باستطاعة الرئيس أو الكونغرس أن يفعلا الشيء الكثير، لتخفيض تلك الأسعار على المدى القصير.
سيحاول الجمهوريون فرض أجندة، ستجعل الحياة أسوأ لمعظم الأمريكيين. إن كيفن مكارثي، والذي من المحتمل أن يصبح رئيساً لمجلس نواب يسيطر عليه الجمهوريون، قد تعهد بابتزاز جو بايدن والديمقراطيين، من أجل قبول الأجندة الجمهورية، أو المخاطرة بالتخلف عن سداد الديون الحكومية، وكما هو الحال في الماضي، فإن التهديد الجمهوري بمنع زيادة سقف الدين الفيدرالي، هو تصرف غير مسؤول إلى حد كبير، ولكنه تهديد معتبر.
إن التخلف عن السداد، سيكون له أبعاد وخيمة على الاقتصاد الأمريكي، ليس فقط بشكل فوري، ولكن للعقود القادمة كذلك. إن ملايين العائلات، بما في ذلك العسكريين، سيفقدون بشكل فوري إمكانية الاستفادة من البرامج الفيدرالية التي يعتمدون عليها في معيشتهم، كما ستكون هناك خسائر كبيرة في أسواق رأس المال العالمية، ما سيؤدي إلى توجيه ضربة قاصمة لحسابات التقاعد لملايين الأمريكيين.
إن من المرجح أن الخسائر الكبيرة في أسواق رأس المال العالمية، ستؤدي إلى حدوث ركود في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم، كما أن فقدان الثقة في ديون الولايات المتحدة الأمريكية، سيؤدي إلى إنهاء دور الدولار، باعتباره العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم، وسيواجه الأمريكيون تكاليف اقتراض وأسعار استيراد أعلى لعقود قادمة.
لكن البديل المتمثل في مجرد قبول الأجندة الجمهورية، سيكون له أيضاً عواقب وخيمة، حيث سيؤدي هذا أيضاً إلى زيادة أسعار المنتجات والخدمات التي يريدها الأمريكيون. إن الجمهوريين حريصون على التخلص من تدابير قانون تخفيض التضخم المتعلقة بالتحكم في أسعار الرعاية الطبية «ميديكير»، وأسعار الأدوية، وخفض أسعار السيارات الكهربائية، ومنتجات الطاقة النظيفة الأخرى. سوف يستهدف الجمهوريون كذلك البرامج الحكومية التي يعتمد عليها عشرات الملايين من الأمريكيين، بما في ذلك الرعاية الطبية «ميديكير»، والضمان الاجتماعي، وأوباما كير، والمساعدات الإسكانية، وبرامج تناول وجبة الغداء في المدارس والمساعدات الغذائية، كما سيمنع الجمهوريون تنفيذ برنامج الإعفاء من الديون الطلابية، الذي سيقلل من تكاليف خدمة الدين على 40 مليون أمريكي.
سوف يتبنى الكونغرس، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، بعد ذلك، استراتيجية تفتقر للمصداقية، وهي استراتيجية زيادة العرض، من أجل تعزيز النمو، وذلك من خلال تقديم المساعدات للأثرياء - وهو النهج الذي تسبب مؤخراً في انهيار مالي وسياسي في المملكة المتحدة، ما أجبر ليز تراس على الاستقالة من رئاسة الوزراء، بعد 44 يوماً فقط في الحكم. لقد تعهد الجمهوريون علانية، بخفض معدلات ضريبة الدخل على الناس الأكثر ثراءً في أمريكا، في تحدٍ لغالبية الأمريكيين الذين يعتقدون أنه ينبغي زيادة تلك المعدلات.
إن تخفيض الضرائب على الأثرياء والشركات، لن يكون بدون تكلفة، حيث سيؤدي ذلك إلى تخفيض الإيرادات الضريبية، ما يعني التعويض عن تلك الخسائر من خلال فرض رسوم وضرائب إضافية على العائلات من الطبقة المتوسطة والطبقة العاملة، أو من خلال تخفيض البرامج الحكومية، والإعانات التي تقدرها تلك العائلات.
إذا أدلى الأمريكيون بأصواتهم للجمهوريين، بدافع الغضب من التضخم، فلن يحصلوا على معدل تضخم أقل، وبدلاً من ذلك، سوف يشاهدون اختفاء للإعانات والبرامج والحقوق التي تقدرها غالبية الأمريكيين.
* رئيسة سابقة لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي خلال إدارة كلينتون.
** أستاذ للاقتصاد في كلية ذا نيو سكول للأبحاث الاجتماعية.