النظام المالي العالمي واختبار الإجهاد الشديد
المصدر: كينيث روجوف
لم يشهد العالم أزمة مالية جهازية في عام 2022، نظراً لارتفاع التضخم وأسعار الفائدة، ناهيك عن الزيادة الهائلة في المخاطر الجيوسياسية.
ولكن مع ارتفاع الديون العامة والخاصة إلى مستويات غير مسبوقة خلال الحقبة التي انقضت الآن من أسعار الفائدة شديدة الانخفاض، وارتفاع مخاطر الركود، يواجه النظام المالي العالمي اختبار إجهاد شديد الوطأة. صحيح أن الضوابط التنظيمية الأكثر إحكاماً قللت من المخاطر التي تهدد القطاعات المصرفية الأساسية.
لكن ذلك أدى إلى انتقال المخاطر إلى مكان آخر في النظام المالي. على سبيل المثال، فرضت أسعار الفائدة متزايدة الارتفاع ضغوطاً شديدة على شركات الأسهم الخاصة التي اقترضت بكثافة لشراء العقارات.
في هذه الحالة، قد تصبح البنوك الأساسية التي قدمت قدراً كبيراً من التمويل لمشتريات شركات الأسهم الخاصة من العقارات في مأزق حقيقي. لم يحدث هذا بَـعد، وهو ما يرجع جزئياً إلى أن الشركات خفيفة التنظيم تخضع لقدر أقل من الضغوط لتقييم دفاترها تبعاً لسعر السوق.
لكن لنفترض أن أسعار الفائدة ظلت مرتفعة على نحو عنيد حتى أثناء فترة من الركود. في هذه الحالة، قد يتسبب انتشار حالات التأخر عن السداد على نطاق واسع في زيادة صعوبة الحفاظ على المظاهر.
قد تكون اليابان، حيث أبقى البنك المركزي على أسعار الفائدة عند مستوى الصِـفر أو سلبية لعقود من الزمن، الدولة الأكثر عُـرضة للخطر في العالم. بالإضافة إلى أسعار الفائدة شديدة الانخفاض، انخرط بنك اليابان أيضاً في ممارسات التحكم في منحنى العائد، فوضع حداً أقصى للسندات ذات السنوات الخمس والسنوات العشر عند مستوى الصفر تقريباً.
ونظراً لزيادة أسعار الفائدة الحقيقية في مختلف أنحاء العالَـم، وانخفاض قيمة عملة الين بشكل حاد، وارتفاع الضغوط التضخمية، فقد تخرج اليابان أخيراً من حقبة أسعار الفائدة القريبة من الصفر.
سوف تفرض أسعار الفائدة الأعلى ضغوطاً فورية على الحكومة اليابانية، مع ارتفاع ديون اليابان إلى 260% من الناتج المحلي الإجمالي.
الخبر السار هنا هو أن التوقعات اليابانية في ما يتصل بالتضخم القريب من الصفر أصبحت راسخة بعد ثلاثة عقود من معدلات الفائدة شديدة الانخفاض، وإن كان من المحتمل أن تتغير إذا تبين أن الضغوط التضخمية اليوم باقية لفترة طويلة. أما الخبر غير السار فهو أن استمرار هذه الظروف قد يدفع بسهولة بعض المستثمرين إلى الاعتقاد بأن أسعار الفائدة لن ترتفع أبداً، أو على الأقل ليس بدرجة كبيرة.
تعد إيطاليا مثالاً آخر على المخاطر الكامنة. من نواحٍ عديدة، كانت أسعار الفائدة شديدة الانخفاض الغراء الذي يربط منطقة اليورو معاً. كانت الضمانات المفتوحة للديون الإيطالية، بما يتفق مع وعد رئيس البنك الأوروبي المركزي السابق ماريو دراجي في عام 2012 بفعل «كل ما يلزم»، رخيصة عندما كان بوسع ألمانيا أن تقترض بأسعار فائدة تقترب من الصفر أو سلبية.
لكن ارتفاعات أسعار الفائدة السريع هذا العام غيرت هذه الحسابات. اليوم، يبدو أن الاقتصاد الألماني أشبه بما كان عليه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما أطلق بعض المراقبين على ألمانيا وصف «رجل أوروبا المريض».
ورغم أن أوروبا تعد جديدة نسبياً على أسعار الفائدة شديدة الانخفاض، فيجب أن يشعر المرء بالقلق من أن تكشف موجة مستمرة في إحكام السياسات النقدية عن جيوب هائلة من الضعف، كما حدث في اليابان.
* كبير خبراء الاقتصاد الأسبق لدى صندوق النقد الدولي.