«الرنمينبي» والدولار.. وسياسة «الإهمال الحميد»
المصدر: يو يونغدينغ
كانت قيمة عملة الرنمينبي الصينية تشكل جزءاً مهماً في المناقشات حول الاختلالات العالمية، وفي حين اعتبر الأجانب أنها مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية وحثوا على رفع قيمتها، أصر بنك الشعب الصيني (PBOC) على إبقاء ربط العملة بحكم الأمر الواقع بالدولار الأمريكي.
ومع ذلك في السنوات الأخيرة، حلت المخاوف التي أعربت عنها الصين من زيادة قوة عملتها محل التخوفات من حدوث انخفاض حاد في قيمة عملتها.
وعلى الرغم من حفاظ الصين على فائض الحساب الجاري لديها، إلا أن تدفقات رأس المال إلى الخارج كانت تفرض ضغوطاً نزولية متكررة على سعر الصرف، منذ عام 2015، ويمكن تقسيم مصادر الضغط إلى ثلاث فئات عامة، بناء على دوافع التدفقات الخارجية، والتي تتمثل في تضرر الأوضاع الاقتصادية المحلية، والعوامل غير الاقتصادية والموازنة.
وقد بدأ التراكم الأخير لضغط انخفاض قيمة الرنمينبي في شهر مايو عام 2022، مع انخفاض قيمة الرنمينبي مقابل الدولار بمعدل غير مسبوق، ما أدى مرة أخرى إلى كسر عتبة 7 يوان صيني في سبتمبر.
في الماضي كلما اقترب سعر صرف الرنمينبي مقابل الدولار من عتبة 7 يوان صيني كان بعض خبراء الاقتصاد يحذرون من احتمال حدوث انهيار إذا تم السماح بخرق العتبة، لكن هذه المرة، تمسك بنك الشعب الصيني بحزم برفضه للتدخل المستمر- وبطبيعة الحال لم يحدث الانهيار.
لقد كانت استجابة بنك الشعب الصيني لانخفاض قيمة الرنمينبي الأخير- سياسة «الإهمال الحميد»- جديرة بالثناء بشكل خاص. كما عمل صناع السياسة على خفض نسبة متطلبات الاحتياطي من النقد الأجنبي للبنوك، وأقنعوا البنوك التجارية بدعم الرنمينبي بطرق خفية مختلفة، لكنهم لم يتدخلوا في سوق صرف العملات الأجنبية بأي شكل من الأشكال.
قد يجادل البعض بخلاف ذلك، مستشهدين بتقارير تفيد بأن بنك الشعب الصيني باع نحو 100 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية في النصف الأول من عام 2022. ومع ذلك، إذا كانت التقارير صحيحة فهذا لم يكن تدخلاً في سوق العملات؛ لقد كان جزءاً من خطة بنك الشعب الصيني طويلة الأجل لتنويع احتياطات الصين من النقد الأجنبي.
وفي كل الأحوال تعرف الضغوط الخارجية على عملة الرنمينبي تراجعاً ملحوظاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة: فقد انخفض معدل التضخم لأربعة أشهر متتالية، وربما الأهم من ذلك، يبدو أن محافظي البنوك المركزية قد أدركوا أن تشديد السياسة النقدية بشكل حاد - رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في أربعة اجتماعات متتالية لوضع السياسات- أمر غير مقبول.
لا يحدد محافظو البنوك المركزية في الولايات المتحدة قيمة الرنمينبي. تحتفظ العملة بقوة أساسية متجذرة بثقة السوق في الاقتصاد الصيني. وهذه المرة، لم يتسبب انخفاض قيمة الرنمينبي في إثارة أي حالة من الذعر في السوق المالية الصينية، ما يعكس نضج المستثمرين الصينيين والسوق نفسها.
إذا تمكن النمو الصيني من الانتعاش بقوة في عام 2023 فسوف ينخفض صافي تدفقات رأس المال إلى الخارج أو يتراجع، ما يوفر مزيداً من الدعم للرنمينبي.
ومهما حدث، من الأفضل أن يلتزم بنك الشعب الصيني بسياسة الإهمال الحميد، ما يسمح لسعر الصرف بالعمل كونه موازناً تلقائياً، مع التعامل مع ضوابط رأس المال باعتبارها الملاذ الأخير.