الصحوة المناخية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
سايمون جونسون
واشنطن العاصمة، سوف تعقد لجنة المصارف في مجلس الشيوخ بتاريخ 3 فبراير جلسات استماع لثلاثة مرشحين لعضوية مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي: ساره بلوم راسكن وليزا كوك وفيليب جيفرسون. إنَّ الثلاثة يتمتَّعون بمؤهلات استثنائية مع خبرة عميقة ومتداخلة تتضمَّن التنظيم المصرفي والاقتصاد الدولي والسياسة المالية (لقد عملت عن قرب مع كوك فيما يتعلَّق بتلك القضايا وذلك ضمن الفريق الانتقالي للرئيس الأمريكي جو بايدن).
إنَّ إحدى القضايا التي من المؤكَّد أن تتصدَّر عناوين الأخبار هي إلى أي مدى ينبغي على الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن يشغل نفسه بالمخاطر التي يشكِّلها التغيُّر المناخي على النظام المالي. لقد ذكر رئيس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول مرارًا وتكرارًا أنَّ تلك المخاطر يجب أن تُؤخذ على محمل الجد، وكلامه في هذا الخصوص لم يؤدِّ إلى إثارة الجدل بشكل عام أو إلى خطاب حاد من قِبَل السياسيين من الحزبين. إنَّ تعيين راسكين، وهي خبير تنظيمي كنائب للرئيس لشؤون الرقابة، يعدُّ أسلوبًا جيدًا لدعم باول فيما يتعلق بتلك القضايا.
لقد استحدث الكونغرس منصب نائب الرئيس ضمن تشريع دود-فرانك للإصلاحات المالية لسنة 2010. لقد كان هذا البند بمنزلة استجابة مباشرة لأوجه الفشل التنظيمي الفعلية، وتلك التي كان هناك تصوُّر بوجودها – وخاصة عدم القدرة على رؤية المنظور الكامل للمخاطر المنهجية في الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية المدمرة التي اندلعت في سبتمبر 2008. إنَّ الاحتياطي الفيدرالي، وعلى الرغم من أنه ليس الجهة التنظيمية المالية الوحيدة، فإنَّ له تأثيرًا كبيرًا جدًّا، وعادة ما يعمل على تشكيل تفكير المسؤولين الآخرين ومستثمري القطاع الخاص فيما يتعلَّق بالمخاطر.
لقد قطعنا شوطًا طويلًا منذ الأيام السوداء لسنة 2008، ولكن الأشخاص الذين يديرون البنوك الدولية لا يزال لديهم شهية كبيرة للمخاطر، لأنَّ ما كان صحيحًا بالماضي لا يزال إلى حدٍّ كبيرٍ صحيحًا اليوم؛ فالمصرفيون يستفيدون من الانتعاش – ومن المكافآت الكبيرة – عندما تكون الأمور جيدة، والمخاطر الناتجة عن ذلك تصبح مشكلة دافعي الضرائب والبنوك المركزية. إنَّ لدى تلك البنوك نفوذًا سياسيًّا بما يكفي لتجنُّب تقسيمها إلى كيانات أكثر أمانًا أو تبسيط هياكلها المعقَّدة، مما يعني أنها لا تزال أكبر من الفشل. إنَّ الخوف من الآثار الرهيبة في العديد من الاقتصادات يضغط على الحكومات والبنوك المركزية لإنقاذها عند حدوث الأزمات، الأمر الذي يشجعها على المزيد من المجازفة المفرطة - ويزيد من خطر وقوع كارثة لملايين الناس.
إنَّ نائب الرئيس للمراقبة مسؤول عن التركيز على المخاطر الحالية الواضحة (مثل تداول ملكية البنوك أو إقراض المضاربين) مع الأخذ بعين الاعتبار أيضًا المخاطر التي قد تصبح بارزة بعد ذلك، علمًا أنه لمدة خمس سنوات في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اكتفى الاحتياطي الفيدرالي بالمشاهدة (وأحيانًا التشجيع) مع نمو سوق الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري للقطاع الخاص والمشتقات المرتبطة به بما يكفي لزعزعة استقرار النظام المالي العالمي بأكمله. لقد اعتبر مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي النظرية والتطبيق فيما يتعلَّق بتطوير تلك الأوراق المالية بأنها سليمة – الى أن بدأ السوق في الانهيار في صيف عام 2007.
لم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي تفاجأ فيها الاحتياطي الفيدرالي بما يحدث. يوجد في الولايات المتحدة تأمين على ودائع الأفراد وذلك بفضل المؤسَّسة الفيدرالية للتأمين على الودائع. لكن صناديق أسواق المال عانت من تقلُّبات شديدة في مارس 2020، وتعرَّض سوق الخزانة بشكل عام لضغوط في وقت مبكر من الجائحة، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى الطريقة التي تُستخدَم بها الأوراق المالية الحكومية للاقتراض والإقراض في معاملات "إعادة الشراء" غير الشفّافة بين المؤسَّسات المالية. (إنَّ ليف ميناند من جامعة كولومبيا لديه كتابًا ممتازًا قادمًا يتناول هذه الموضوعات).
أمّا بالنسبة للمخاطر المالية المتعلقة بالمناخ فلقد تمكَّن باول من تأطيرها بشكل جيد في شهادته أخيرًا أمام الكونغرس:
"نحن ندرك أنَّ الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون قد يؤدي إلى إعادة تسعير مفاجئ للأصول أو صناعات بأكملها، ونحن بحاجة للتفكير بذلك بعناية وبشكل مسبق وأن نفهم ما يحصل ونكون بوضع يؤهلنا للتعامل مع كل ذلك".
أي بعبارة أخرى، قد تجد البنوك فجأة أنَّ لديها قروضًا أو أصولًا أخرى تمَّ اكتسابها بموجب مجموعة من الافتراضات التي لم تعد صالحة. لقد كانت آخر مرة انضمت فيها البنوك للموجة السائدة على نطاق واسع عندما افترضت أنَّ أسعار المنازل سوف تستمر في الارتفاع، ولقد كان افتراضًا جيدًا- إلا أن أصبح افتراضًا غير جيِّد بشكل مفاجئ.
إنَّ الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية يستخدمون السياسة النقدية لتحقيق استقرار الأسعار والتوظيف الكامل، ولكن عندما يكون النظام المالي في مأزق، فإنَّ السياسة النقدية تكافح من أجل الشراء.
وبناءً على ذلك قاد راندال كوارلز، نائب الرئيس الجمهوري السابق لشؤون المراقبة في الاحتياطي الفيدرالي أخيرًا، وبصفته رئيس مجلس الاستقرار المالي، عملية إنشاء "خريطة طريق" للبنوك المركزية على مستوى العالم لمعالجة المخاطر المالية المناخية. يعدُّ تغيُّر المناخ جزءًا مهمًّا من أجندة السياسات في العديد من البلدان، وتتزايد المخاطر التي تشكِّلها الأنواء المناخية في كثير من أنحاء العالم، علمًا أنَّ تجاهل هذه المخاطر يعدُّ تهوراً.
إنَّ سجل راسكن الحافل في العمل التنظيمي الدقيق، وكزميلة متعاونة، من المفترض أن يؤدي إلى تثبيت تعيينها من قِبَل مجلس الشيوخ، وجنبًا إلى جنب مع باول والمرشحين الآخرين، يبدو أنَّ الاحتياطي الفيدرالي قد أصبح مستعدًّا لإحراز تقدُّم معقول ضمن التوافق الحالي بشأن معالجة المخاطر التي تهدِّد استقرار النظام المالي، بما في ذلك تلك الناجمة عن تغيُّر المناخ.
سايمون جونسون، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، وأستاذ في كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ورئيس مشارك لتحالف سياسة كوفيد-19، وهو مؤلف مشارك مع جوناثان جروبر لكتاب" تنشيط أمريكا: كيف يمكن للاختراق العلمي أن يعيد إحياء النمو الاقتصادي والحلم الأمريكي (بابلك آفيرز ،2019 ).
حقوق النشر: بروجيكت سنديكت ،2022
www.project-syndicate.org