التمويل الأخضر الأكثر عدلاً
المصدر: هيبوليت فوفاك
يبدو أن مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «مؤتمر الأطراف 27» في مصر شكل لحظة فارقة بالنسبة للسنوات العشر المقبلة، التي ستكون بالتأكيد محورية للعمل المناخي، وفي حين أن مؤتمر الأطراف 26 في غلاسكو العام الماضي أُطلق عليه اسم «مؤتمر الأطراف للتمويل»، فقد أُطلق على هذا التجمع من قبل البعض لقب «مؤتمر الأطراف للتنفيذ»، ليعكس تركيزه على ترجمة التزامات التمويل إلى خطط ملموسة.
إن برنامج عمل «مؤتمر الأطراف 27» يعكس الحاجة إلى تعزيز التعاون متعدد الأطراف، ويسلط الضوء على أن الالتزام بتعهد المجتمع الدولي بالتصدي للفجوات في التمويل المناخي في جنوب العالم قد أصبح من الأمور الأكثر إلحاحاً. إن الفشل في عمل ذلك سوف يجعل من الصعوبة الوفاء بالهدف المركزي لاتفاقية باريس للمناخ، المتمثل في الحد من الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين بكثير مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، ما سوف يجعل من الجهود المبذولة للحد من زيادة درجة الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية عملية شبه مستحيلة.
يُعد تحويل الالتزامات المالية إلى فرص للاستثمار أمراً بالغ الأهمية لتعزيز المرونة في مواجهة تغير المناخ في أفريقيا، بينما تواجه القارة التهديد الرباعي المتمثل في تغير المناخ وتفشي الأمراض وانعدام الأمن الغذائي وعدم الاستقرار السياسي، تعاني البلدان الأفريقية أيضاً من ضغوط ضخمة على الميزانية تعيق الاستثمار على نطاق واسع في التنمية الاقتصادية.
إذا لم تتم معالجة فجوات التمويل، فسوف تستمر في تقويض فرصة القارة للتخلي عن الحاجة إلى التقنيات كثيفة الكربون من أجل إحراز تقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وإعاقة الجهود المبذولة لتجنب كارثة المناخ، ولن تقتصر العواقب على حدود أفريقيا فقط.
وفقاً لتقديرات مبادرة سياسة المناخ الأخيرة، فإن فجوة التمويل العالمي للمناخ - الفرق بين التكلفة الإجمالية لمجموع المساهمات المحددة وطنياً بموجب اتفاقية باريس للمناخ والتمويل الذي يمكن للحكومات توفيره من مواردها الخاصة لدعم الانتقال لصافي صفر انبعاثات حتى سنة 2030 - تبلغ حوالي 2.5 تريليون دولار. علاوة على ذلك، فإن تمويل برامج التكيف مع المناخ يتخلف حالياً عن ركب الاستثمار في تدابير التخفيف، على الرغم من تأكيد اتفاقية باريس للمناخ الحاجة إلى تحقيق التوازن بين الاثنين.
لكن عجز الميزانية في أفريقيا يعكس أيضاً المشكلات الهيكلية للاقتصادات الأفريقية. على وجه الخصوص، أدى فقر الطاقة تاريخياً إلى تقويض التنوع الاقتصادي، وعرّض المنطقة لصدمات عالمية سلبية. تبلغ فجوة التمويل المناخي في القارة 10 % من إجمالي ناتجها المحلي الإجمالي البالغ 2.4 تريليون دولار، وهو أكثر من ضعف إنفاقها السنوي على البرامج الصحية والاجتماعية، حيث حد العجز المزمن من قدرة الحكومات على توسيع الاستثمار العام وجذب رأس المال الخاص.
لقد سلط صندوق النقد الدولي سنة 2018 الضوء على التحديات الكثيرة التي تواجه دول منطقة جنوب الصحراء الأفريقية في سد الفجوة المالية، بما في ذلك الحاجة إلى توسيع القاعدة الضريبية، وذلك من أجل زيادة قدرة الحكومات على جمع المزيد من الدخل محلياً.
وبينما تم إحراز تقدم كبير خلال العقدين الماضيين، لا يزال أداء القارة سيئاً للغاية. يبلغ متوسط نسبة الإيرادات إلى الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا 20 %، مقارنة بـ28 % في شرق آسيا و42.3 % في أوروبا.
لقد زادت فجوة التمويل بسبب الديون السيادية التي تعكس فرق القيمة الخبيث المرتبط بالتقييم، والذي يعكس المخاطر التي تتم المبالغة في تقديرها من قبل وكالات التصنيف الائتماني في ما يتعلق بالبلدان الأفريقية، وبغض النظر عن التحسينات الاقتصادية الكلية لهذه البلدان أو آفاق النمو، ومع الفارق الكبير بين السندات السيادية الأفريقية وسندات الخزانة الأمريكية أصبحت مدفوعات خدمة الديون أكبر إنفاقاً للحكومات الأفريقية.
وفي حين أن أسعار الفائدة المرتفعة بشكل مبالغ فيه تمنع الاستثمار، وذلك من خلال تحديد توقعات لعوائد مرتفعة بشكل غير واقعي، فإنها تؤثر أيضاً بشكل مباشر على الإنفاق العام. عادةً ما تؤدي فجوات التمويل إلى حجب آفاق التنمية في البلدان، حيث تؤدي الاحتياجات العاجلة قصيرة الأجل إلى استبعاد أهم الاستثمارات طويلة الأجل والمطلوبة لتحويل الاقتصادات وتوسيع الفرص لصالح الأجيال القادمة. إن الوفاء بالتزامات الديون الخارجية، على سبيل المثال، سوف يتفوق دائماً على تمويل مشاريع البنية التحتية المقاومة للمناخ.
ولكن في عالم مليء بالنقود، لا ينبغي أن تضطر البلدان للاختيار بين إنقاذ الكوكب والحفاظ على قدرتها للوصول إلى أسواق رأس المال. تبلغ قيمة الأصول المالية العالمية التي تصل إلى 210 تريليونات دولار ضعف الناتج المحلي الإجمالي العالمي تقريباً. إن إطار العمل الشامل الذي يعزز التعاون متعدد الأطراف بين أصحاب المصلحة الرئيسيين، ويعزز آليات التمويل المبتكرة يمكن أن يزيل مخاطر الاستثمار لتحفيز تمويل القطاع الخاص.
إن صانعي السياسات وبنوك التنمية متعددة الأطراف بإمكانهم المساعدة في إزالة مخاطر الاستثمار في البنية التحتية الخضراء من خلال التشجيع على استخدام أدوات تمويلية مبتكرة. سيؤدي جذب المزيد من البنوك والمؤسسات الاستثمارية إلى زيادة حصة أفريقيا في تمويل المناخ العالمي، الذي يبلغ حالياً 5.5 % فقط.
إن تأمين المستثمرين ضد مخاطر محددة والتقليل من خطر الخسائر يعني أن صانعي السياسات بإمكانهم زيادة تلك الحصة، وبالمثل فإن تقديم حماية الائتمان وتمديد آجال استحقاق القروض سيساعد في جمع المزيد من رأس المال الخاص لتطوير مشاريع البنية التحتية الخضراء طويلة الأجل.
يجب أن تؤدي الجهات المانحة والمقرضون متعددو الأطراف دوراً حاسماً في التخفيف من تصورات المخاطر المفرطة وخلق حوافز للمستثمرين لتمويل المشاريع الخضراء في الاقتصادات النامية، علماً أنه من خلال الأموال الميسرة المستخدمة في التمويل والمنح المختلطة، يمكن لأصحاب المصلحة هؤلاء إنشاء مراكز الخسارة الأولى لتحسين تصنيفات المحفظة وإزالة المخاطر عن المشاريع، ومع دخول المزيد من المستثمرين إلى سوق ديون المناخ، يمكن للمؤسسات المتعددة الأطراف أيضاً تعزيز ائتمان السندات الخضراء، وبالتالي زيادة الرغبة في المخاطرة وتوجيه رأس المال الصبور إلى الجانب الذي تشتد الحاجة إليه.
إن من شأن وجود سوق كربون عالمي قوي أن يعزز الشفافية ويشجع على إزالة الكربون. وبالمثل، فإن قدرة بنوك التنمية المتعددة الأطراف على الاستفادة من مواردها المالية لدعم سوق ثانوية للسيولة في السندات السيادية للبلدان النامية ضرورية لوضع الاقتصادات الأفريقية على طريق التنمية المستدامة. إن الصلة بين أهداف التنمية المستدامة وتغير المناخ كبيرة لدرجة أن تحقيق تقدم كبير في مجال البيئة يمكن أن يضع المنطقة على مسار التنمية المستدامة.
لقد دخل سوق السندات الخضراء المزدهر في دورة نمو حميدة، وهو يقترب بسرعة من الحدث المهم الذي طال انتظاره، وهو الوصول إلى مبلغ تريليون دولار من الاستثمار الأخضر السنوي، ولكن لتشجيع التمويل المنصف للمناخ، يجب على المستثمرين تجنب وصمة العار التي لطالما ابتُليت بها سوق الدخل الثابت، حيث يتجنب المستثمرون الأجانب أفريقيا، أو يستثمرون هناك فقط بعلاوة مخاطر مرتفعة للغاية.
إن التمويل غير المنحاز يعتبر حيوياً من أجل الفوز بالمعركة العالمية ضد التغير المناخي، علماً أنه من أجل ضمان تحقيق التنمية المستدامة يجب أن نشجع مديري الأصول على أن يؤدوا دوراً قيادياً في هذا الخصوص.
* كبير الاقتصاديين ومدير الأبحاث في بنك التصدير والاستيراد الأفريقي.