أوروبا وضرورة تجنب سباق إعانات الدعم
كليمنس فويست
من الواضح أن أزمة الطاقة، وخاصة نقص الغاز، تدفع أوروبا إلى الانزلاق إلى الركود وتتسبب في اندلاع توترات اجتماعية وصراعات تتعلق بالتوزيع. تسعى الحكومات الأوروبية جاهدة إلى البحث عن طرق لنزع فتيل هذا الموقف، لكنها لن تنجح في ذلك إلا إذا تعاونت بشكل وثيق. يجب أن تظل سوق الطاقة عبر الحدود مفتوحة، وينبغي للاتحاد الأوروبي أن يستفيد من قوته السوقية عند شراء الغاز في بلدان ثالثة، ولكن في غياب استراتيجيات وطنية منسقة لإدارة الأزمات قد تتحول استجابة أوروبا إلى سباق إعانات دعم مضاد تماماً للغرض منه.
تسبب الارتفاع الحاد الذي طرأ على أسعار الطاقة في خفض الإنتاج والاستهلاك على حد سواء، مع استجابة الأسر لارتفاع التكاليف بتقليص نفقات أخرى. تسحب بعض الأسر من مدخراتها بالفعل، لكن أسراً أخرى كثيرة لا تريد مس احتياطياتها، خشية أن تحتاج إليها في وقت لاحق، وبطبيعة الحال لا تملك أسر أخرى أي احتياطيات على الإطلاق.
كانت أسعار الغاز المرتفعة أساسية في إثارة هذه الأزمة، لأنها تؤثر ليس فقط على فواتير التدفئة، بل أيضاً على الإنتاج الصناعي والكهربائي. عندما يكون الطلب مرتفعاً على الكهرباء تصبح مصادر الطاقة المتجددة، والفحم، والطاقة النووية، غير كافية. ولأن أكثر محطات الطاقة النشطة هي التي تحدد أسعار الكهرباء، فقد أدى ارتفاع أسعار الغاز أيضاً إلى دفع أسعار الكهرباء إلى الارتفاع بشكل حاد، ارتفعت أسعار كليهما بمقدار عشرة أضعاف تقريباً خلال الفترة من يناير 2021 إلى سبتمبر 2022.
سوف يتوقف عمق الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية إلى حد كبير على كيفية استجابة الحكومات لها، وهنا يبرز نهجان محتملان، يتلخص الأول في التدخل بشكل مباشر في أسواق الطاقة ومحاولة جعل الكهرباء والغاز والبترول أرخص من خلال التخفيضات الضريبية أو إعانات الدعم. ويُعَد دعم إسبانيا للغاز المشترى من قِـبَل شبكة الكهرباء لديها مثالاً على هذا الخيار.
ويتمثل النهج الثاني في الامتناع عن التدخلات في الأسعار والتركيز بدلاً من ذلك على مساعدة الأسر المنخفضة الدخل أو الشركات المتضررة بشدة نتيجة لتحويلات المبلغ الإجمالي. للوهلة الأولى، يبدو النهج الأول أكثر فعالية، ومن الواضح أنه جذاب في نظر السياسيين الذين يرغبون في خلق انطباع بأنهم يعالجون القضية بشكل مباشر، لكن هذا النهج لا يخلو من عيوب.
أولاً، يستفيد من انخفاض أسعار الغاز أو الكهرباء أو البترول أولئك الذين يستهلكون القدر الأعظم من الطاقة، وهذا يعني عادة الأسر ذات الدخل المرتفع، والمساكن الأكبر حجماً، والسيارات الأضخم.
المشكلة الثانية والأكثر أهمية هي أن إعانات الدعم أو التخفيضات الضريبية ستدعم الطلب من خلال إضعاف الحافز لتقليل استخدام الطاقة، ولكن لأن الطاقة أصبحت نادرة بالأرقام الحقيقية، فإن هذا الطلب المتزايد سيقابله معروض ثابت غير متغير، وسوف ترتفع الأسعار حتماً إلى أن يتطابق العرض والطلب مرة أخرى. نتيجة لهذا، سوف يتدفق جزء كبير من إعانات الدعم أو التخفيضات الضريبية إلى مزودي الطاقة، وليس المستهلكين.
إذا تصرفت كل البلدان على هذا النحو، فسوف تجد نفسها في سباق إعانات الدعم الذي سيجعل الجميع في حال أسوأ. إذا لم يكن من الممكن زيادة كمية الغاز المتاحة في أوروبا هذا الشتاء من خلال عروض أسعار أعلى، لأنه لم يعد هناك المزيد من المعروض ببساطة، فسوف يعمل الدعم على زيادة السعر بذات مقدار الدعم..في النهاية لن يشعر المستهلكون بأي تخفيف أو غوث على الإطلاق.
أما السياسة التي تقتصر على دعم الأسر الأكثر فقراً والشركات الأشد تضرراً، فإنها تتجنب المشكلتين من خلال مساعدة أولئك الذين يحتاجون بالفعل إلى المساعدة، ولكن من المؤسف، نظراً لصدمة ارتفاع أسعار الطاقة، أن الحكومات الوطنية تخضع لضغوط سياسية محلية متزايدة لحملها على التدخل بشكل مباشر لخفض الأسعار. وأغلب هذه المناقشات على المستوى الوطني لا تضع في الحسبان العواقب الأوسع المترتبة على مثل هذه السياسات.
ما يزيد الطين بلة أن التأثيرات العابرة للحدود المترتبة على إعانات الدعم ستتداخل مع تدابير أخرى مطلوبة بشدة. على سبيل المثال، تتمثل إحدى الطرق الفعالة لتثبيت استقرار أسواق الغاز والكهرباء في إعادة تنشيط محطات الطاقة التي أخرجت من الخدمة، والتي تعمل بإحراق الفحم والنفط، وإطالة عمر محطات الطاقة النووية. هذا من شأنه أن يقلل من كمية الغاز اللازمة لإنتاج الكهرباء، وسوف يعود بالفائدة على أوروبا بأسرها، وليس فقط البلد الذي يتصرف في كل حالة على حدة.
تتطلب الإدارة الفعالة لأزمة الطاقة التنسيق على المستوى الأوروبي. أما إذا تصرفت كل دولة بما يتفق مع مصالحها الخاصة فقط، فسوف يكون أداء أوروبا أسوأ كثيراً، وبدون أي سبب وجيه.