ألـم تتعلم الأسواق المالية أي شيء؟

جيم أونيل

لندن ــ في تعليق نُـشِـرَ في شهر إبريل/نيسان حول التقلبات الجامحة التي عصفت بالأسواق المالية خلال المرحلة من فبراير/شباط إلى مارس/آذار من جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، أشرت إلى أنَّ سلوك أسواق الأسهم كان محيراً ومعقداً وآسراً كعادته دائماً. وكنت أظن أنَّ هناك منطقاً غريباً يحكم ما يدور هناك، وزعمت أن الأسواق قد تستمر في الارتفاع على الرغم من انهيار الاقتصاد العالمي. وهذا هو ما حدث بالفعل. ولكن تُـرى هل تتبدل هذه الحال؟

خلال أربعين عاماً من المراقبة والمشاركة في الأسواق المالية، تعلمت أنَّ أغسطس/آب شهر يستحق المراقبة دائماً. إنه نذير السقوط، ولأي سبب كان فقد شهد هذا الموسم بعض اللحظات الأكثر اضطراباً في التاريخ المالي، من انهيار وال ستريت في عام 1929 ثمَّ في عام 1987 إلى الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997، وعجز روسيا عن سداد ديونها في عام 1998، وبالطبع انهيار ليمان براذرز في عام 2008.

الواقع أن العديد من الأسباب تحملني على الاعتقاد بأنَّ فترة أواخر صيف 2020 وخريفه ستضاهي أو تتجاوز فوضى الأحداث السابقة. على سبيل المثال، تخيل ما قد يحدث لو بدأت معدلات الإصابة بكوفيد-19 ترتفع مرة أخرى في مختلف أنحاء أوروبا، كما فعلت في الولايات المتحدة وغيرها من البقاع الساخنة للجائحة في مختلف أنحاء العالم. هذا من شأنه أن يُـفضي إلى تجدد عمليات الإغلاق وفرض المزيد من الضغوط على أولئك الذين يحاولون الوصول إلى اللقاح. ولكن ماذا لو فشلت تجارب المرحلة الثالثة لجميع اللقاحات المرشحة الأكثر تبشيراً؟

علاوة على ذلك، لا يمكن لأي من السيناريوهات الأسوأ أن يُـغـفِـل دور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أصبح يائساً في مواجهة الإصابات المتزايدة الارتفاع وانخفاض شعبيته في استطلاعات الرأي. تخيل لو لجأ ترامب إلى تكثيف هجومه العنيف على الصين، مع فرض رسوم استيراد إضافية، وحظر فئات كاملة من السلع والخدمات الصينية، ومنع الاستثمارات الأميركية في الصين، وما إلى ذلك. غني عن القول إنَّ العواقب التي ستحل على الاقتصاد العالمي ستكون وخيمة.

ولكن لنتأمل هنا بديلاً أقل ترويعاً. إن استرسال الأزمة المتواصل، والذي تضخمه وسائط التواصل الاجتماعي دون توقف، يجب أن يجبر المزيد من الحكومات على التعامل بجدية مع ضرورة احتواء فاشيات كوفيد-19 وتعظيم قدرات الاختبار، وتتبع المخالطين، وإنتاج معدات الوقاية الشخصية.

ظهر هذا النمط مبكراً في العديد من البلدان الآسيوية ــ الصين، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، ومؤخراً في فيتنام ــ ويمكن تمييزه الآن في أوروبا. وحتى المملكة المتحدة، بعد أن ترددت في المراحل المبكرة من الجائحة، عملت على تحسين استجابتها إلى حدٍّ كبير. فقد سارعت الحكومة إلى إعادة فرض قيود الحجر الصحي على المسافرين من البلدان التي تشهد ارتفاع معدلات العدوى، وتقوم الآن بفرض تدابير احتواء جديدة في البلدات والمناطق التي بدت وكأنها تسمح لفاشيات المرض بالخروج عن السيطرة.

علاوة على ذلك، تشير تقارير حديثة إلى أنَّ أربعة لقاحات مرشحة على الأقل ربما تكون جاهزة تقريباً للتوزيع بحلول نهاية هذا العام. في ذات الوقت، يبدو من المرجح أن يستمر الدعم من السياسات المالية والنقدية الشديدة التوسع في العديد من أجزاء العالم. في الأسبوع الأخير فقط، بذل بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة قصارى جهده للتأكيد بأنه لن يرفع أسعار الفائدة في أي وقت قريب، وواصل الكونجرس الأميركي مناقشة جولة أخرى من التحفيز المالي. على نحو مماثل، وافق الاتحاد الأوروبي للتو على صندوق التعافي بقيمة 750 مليار يورو لتوفير المساعدة الإضافية للاقتصادات المتضررة بشدة في الاتحاد الأوروبي.

في هذا السيناريو الأكثر إيجابية، قد يواصل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 صعوده إلى مستوى 4000 (ارتفاعاً من 2878 في وقت نشر تعليقي في إبريل/نيسان). من المؤكد أنَّ خمسة فقط من أسهم الشركات التكنولوجية هي التي تغذي صعو مؤشر ستاندرد آند بورز 500، وقد يشير المراقبون المراهنون على الهبوط إلى الخواء المخيف في العديد من المراكز الحضرية. هنا في لندن، نجد كثافة المارة ضئيلة إلى الحد الذي يوحي بتغيير دائم إلى الأسوأ.

الواقع أنَّ المراهنين على الهبوط ليسوا مخطئين عندما يطرحون تساؤلات صعبة حول عواقب الأزمة. فمن سيتحمّل تكاليف العديد من المباني التجارية التي قد لا تعود إلى كامل طاقتها لسنوات، هذا إن عادت إلى ذلك المستوى على الإطلاق؟ على الرغم من نجاح صنّاع السياسات الواضح في الحد من احتمالية حدوث شبه انهيار مالي آخر على غرار ما حدث في عام 2008، فهل يكون انهيار العقارات التجارية في المراكز الحضرية حول العالم الكارثة التالية النادرة الحدث؟ من سيدفع التكاليف الباهظة المترتبة على البرامج المالية المقدمة لدعم اقتصاداتنا؟

ولكن ماذا عن التغييرات الدائمة إلى الأفضل؟ يتمثّل أحد الجوانب المشرقة لهذه الأزمة في أنها ربما تدفعنا أخيراً إلى احتضان الفوائد التي كان المفترض أن يقدمها الكمبيوتر المحمول والهاتف المحمول قبل سنوات. فربما تقلل هذه الأجهزة إلى حد كبير الوقت المهدر على التنقل والانتظار أثناء حركة المرور، مما يزيد بالتالي من الوقت المتاح للأسرة، والأصدقاء، والواجبات المنزلية، وما إلى ذلك. وربما تؤدي في النهاية إلى زيادة في إنتاجية قطاع الخدمات.

بالفعل، تبدو العديد من التحديات المجتمعية الكبرى التي نواجهها وكأنها على نحو مفاجئ لم تعد مثبطة للهمم كما كانت ذات يوم. وفي مختلف أنحاء العالم، اكتسبت الحكومات قدراً كبيراً من الجرأة بسبب إلحاح الأزمة الحالية في تبني سياسات واستثمارات جديدة في الاستجابة لتغير المناخ. كما بدأت حكومات كثيرة تدرك الحاجة إلى أنظمة صحية أكثر قوة. وأنا شخصياً أعلم عن العديد من اللجان والمراجعات التي تنظم لابتكار الحلول للمشكلات التي تلوح في الأفق، وجميعها تشير إلى أننا أَفَقْنا من سُـباتٍ خطير.

الآن، تُـفـسِـح أيام الصيف الحارة المجال لأيام الخريف القصيرة، وسوف تبدو السيناريوهات المتشائمة والمتفائلة الموصوفة أعلاه ضخمة في السوق. وبحكم التعريف، يتسبب الارتفاع المضطرد في الأسواق المالية في زيادة صعوبة تبرير مكاسب أكثر استدامة. ولكن لو كنا تعلمنا أي شيء من هذا العام، فهو أن لا شيء على الإطلاق ينبغي أن يكون مفاجئاً.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

جيم أونيل رئيس مجلس إدارة جولدمان ساكس لإدارة الأصول سابقاً، ووزير الخزانة الأسبق في المملكة المتحدة، ورئيس تشاثام هاوس حالياً.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org