بريطانيا والتحديات الاقتصادية
هناك حقيقة تاريخية تجب مراعاتها، وهي أنه منذ ثلاثينيات القرن العشرين، تمر بريطانيا كل 15 عاماً تقريباً بأزمة مالية خريفية، وتغيير في نظام السياسة العامة يؤدي إلى حدوث اضطرابات عالمية في السنوات اللاحقة.
لقد عانت بريطانيا اضطرابات مالية تعرضت لها في الآونة الأخيرة. ومن المرجح أن يتردد صدى حالات الانهيار شبه تام للجنيه الإسترليني وسوق السندات الحكومية ونظام المعاشات التقاعدية في جميع أنحاء العالم بعدة طرائق غير متوقعة.
اليوم يبدو من غير المعقول أن نقترح أن تصبح بريطانيا نموذجاً للثورة الاقتصادية، كما كانت في عهد «تاتشر». ومع ذلك، وبغض النظر عن أخطاء «تراس» السياسية الفادحة، هناك أربع سمات لسياستها الاقتصادية الجديدة التي يمكن أن تفكر فيها الدول الأخرى إذا ما توقفت عن السخرية من بريطانيا.
أولاً، قد تكون الأولوية القصوى للسياسة الاقتصادية في زمان الحرب واضطرابات الطاقة الدولية تجنب الركود العميق، بدلاً من القلق بشأن أهداف التضخم وديناميكيات الديون. ثانياً، في ظل هذه الظروف، قد يُدار التضخم بصورة أفضل من خلال التحكم في الأسعار والإعانات المالية بدلاً من السياسات المالية المتشددة. ثالثاً، قد يمَكِّننا المزج بين سياسة التوسع المالي الجريء والتشديد النقدي المعتدل من تجنب الركود الاقتصادي مدة عام أو عامين، وتمهيد الطريق نحو تشديد السياسة النقدية بصورة منظمة على المدى الطويل. رابعاً، حينما ترتفع مستويات التضخم والديون بصورة غير متوقعة، يمكن أن يصبح تحقيق الاستدامة المالية أسهل، وليس أصعب.
إن كل هذه العبارات الأربع هرطقة، وفقاً للأرثوذكسية الاقتصادية الحالية. ومع ذلك، يمكن دعمها بحجج اقتصادية معقولة وأمثلة تاريخية (وإن كان الكثير من تلك الحجج والأمثلة مضادة).
هناك شبه إجماع بين منظمي استطلاعات الرأي على أن المحافظين سيخسرون الانتخابات المقبلة. وفي الواقع، على مدار تاريخ بريطانيا، دائماً ما كان الحزب الحاكم يخسره بعد الأزمات المالية، حتى بعد تلك التي أعقبها انتعاش اقتصادي لائق. ومن المرجح أن يتكرر هذا النمط في العامين المقبلين.
داخل بريطانيا، لن يُنسب إلى «تراس» أي فضل في تجنب كارثة اقتصادية قصيرة المدى، لأنها لم تقدم ذلك أنه هدفها الرئيس.
ومع استنفاد الفسحة المالية بسبب التخفيضات الضريبية التي فرضتها «تراس» وبسبب التضخم الذي لا يزال يمثل مشكلة خطيرة، لن يكون هناك احتمال جاد لسياسات بديلة تعتمد على المزيد من الإنفاق العام. ولكن يمكن لأي حكومة غير محافظة تخرج من الانتخابات المقبلة أن تقدم سياسة واحدة موثوقاً بها تماماً ومن شأنها تحسين آفاق النمو في بريطانيا على الفور من دون تكاليف الميزانية استعادة التعاون مع شريكها التجاري المهيمن إلى حد كبير، الاتحاد الأوروبي.
وهذه السياسة لا تتحدى «بريكسيت»؛ بل قد تعني التفاوض بشأن اتحاد جمركي جديد، ومواءمة اللوائح التنظيمية البريطانية مع السوق الموحد للاتحاد الأوروبي، والتحرك تدريجياً نحو علاقة أوثق بالاتحاد، على غرار الترتيبات السويسرية والنرويجية. وقبل شهر مضى، كان سيكون هذا خيالاً، ولكن في الوقت الراهن، وفي كل يوم تقريباً، تحدث أشياء غريبة في بريطانيا.
* كبير الاقتصاديين والرئيس المشارك لشركة «Gavekal Dragonomics».