هل يمكن للتعاون متعدد الأطراف أن يتعايش مع تنافس القوى العظمى؟
كمال ديرفيس، وسباستيان شتراوس
واشنطن العاصمة- لقد تقدَّمت ادارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أخيرًا بثلاث مبادرات مهمة تعكس إعادة ارتباط أمريكا بالعالم ودعمها للتعددية العالمية الشاملة، والسؤال الكبير الآن ومع سعي الولايات المتحدة الأمريكية مجددًا للعب دورٍ قياديٍّ عالميٍّ هو هل يمكن أن ينجح مثل هذا التعاون؟ وكيف ستكون ردة فعل الصين على المقترحات الأمريكية وذلك نظرًا للتوترات الثنائية المتصاعدة بينهما؟
لقد كانت المبادرة الرئيسة الأولى هي دعوة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يالين لإصدار جديد تبلغ قيمته 650 مليار دولار أمريكي من حقوق السحب الخاصة (الأصول الاحتياطية لصندوق النقد الدولي) وهو إجراء لم يكن يحظى بموافقة إدارة الرئيس دونالد ترامب.
إنَّ تفاصيل الخطة والتي اعتمدها وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظو البنوك المركزية واللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية لم يتم الانتهاء منها بعد. إنَّ هذه الخطة لن تتضمَّن فقط إصدار جديد غير مسبوق لحقوق السحب الخاصة تصل قيمتها إلى 650 مليار دولار أمريكي إلى بلدان بما يتناسب مع حصتها في صندوق النقد الدولي، بل تدعو تلك الخطة كذلك البلدان التي لا تحتاج حقوق السحب الخاصة تلك لإعادة تخصيصها بشكل طوعي لبلدان في حاجة إليها؛ فعلى سبيل المثال اقترحت الولايات المتحدة الأمريكية إقراض بعض منها إلى الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر التابع لصندوق النقد الدولي وذلك من أجل تعزيز قدرة الصندوق على الإقراض بشروط ميسرة.
إنَّ هذه الخطة تعدُّ أمرًا مهمًّا للغاية، فوجود مخصصات جديدة تصل قيمتها إلى 650 مليار دولار أمريكي سوف يزيد بأكثر من الضعف المخزون الحالي من حقوق السحب الخاصة مما يعزِّز من السيولة العالمية، إضافة إلى تحرير الموارد من أجل استخدامها في الاستثمار الذي تمسُّ الحاجة إليه، كما يمكن أن تقود إلى دعم كبير من الدول المتقدمة للدول النامية.
بينما أي إعادة تخصيص لحقوق السحب الخاصة ستكون طوعية، إلا أنَّ البلدان يمكنها أن تتجاوز النهج المجزأ من أجل تطوير آلية أكثر تنسيقًا، فعلى سبيل المثال إنَّ اقتراح الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن يمتد لتقديم مساهمات الحكومات المانحة بشكل روتيني لمؤسسات مثل بنوك التنمية متعددة الأطراف، وذلك من أجل تمويل القروض الميسَّرة للدول النامية. وإضافة إلى ذلك يمكن أن تتضمن الخطة تأسيس شركات لتحقيق غرض خاص وذلك من أجل جذب موارد القطاع الخاص.
تدعم الصين التخصيص المقترح لحقوق السحب الخاصة، ولكننا لا نعرف بعد ما إذا كانت الصين سوف تتفق مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الاقتصادات المتقدمة على تفاصيل التطبيق، وأن تعيد تخصيص بعضٍ من حقوق السحب الخاصة بها بأسلوب تعددي منسق. وسوف يكون من المثير للاهتمام أن نعرف ما الدور الذي سوف يلعبه البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية والذي تقوده الصين في مثل هذا المخطط.
إنَّ الاقتراح الرئيسي الأمريكي الثاني سوف يسمح للبلدان بفرض ضريبة على أكبر الشركات متعددة الأطراف وأكثرها ربحية (والعديد منها أمريكية) وذلك على أساس مبيعاتها في كل بلد وبغض النظر عن وجودها الفعلي، إضافة إلى تحديد نسبة 21% كحد أدنى عالمي لمعدل ضريبة الشركات. لقد أوردت صحيفة فاينينشال تايمز بتاريخ 9 إبريل خبرًا مفاده أنَّ وزارة الخزانة الأمريكية ناقشت الفكرة مع 135 بلدًا وذلك ضمن مناقشات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية/ مجموعة العشرين فيما يتعلق بما يطلق عليه تآكل القاعدة الضريبية ونقل الأرباح.
سوف تكون القواعد والأحكام المقترحة ملزمة للشركات الكبيرة في جميع القطاعات وذلك حسب مستوى الإيرادات وهامش الربح لدى تلك الشركات. إنَّ التوصُّل لاتفاقية عالمية سيكون صعبًا، ولكنها سوف تسمح لبايدن برفع معدلات الضريبة على الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك من أجل تغطية تكاليف استثمارات مخطط لها في البنية التحتية بدون أن يتمَّ فرض معدلات ضريبة أقل عالميًّا وإنهاء السباق نحو القاع الذي اتسمت به ضرائب الشركات لعقود. إن إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يقدم فرصة أخرى للتعاون متعدد الأطراف بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين فيما يتعلق بواحدة من أهم السياسات الاقتصادية العالمية وأكثرها حساسية.
أخيرًا، قام بايدن بدعوة 40 من قادة العالم إلى مؤتمر مناخ افتراضي بتاريخ 22-23 إبريل والذي سوف يتم بثه مباشرة للناس. وتشمل قائمة المدعوين قادة أكبر 17 دولة من حيث انبعاثات غاز الدفيئة، إضافة إلى قادة من بلدان أخرى تظهر " قيادة مناخية قوية "ونهج مبتكر أو قادة دول معرضة بشكل كبير لتأثيرات التغير المناخي، كما سيشارك في القمة مجموعة صغيرة من قادة الشركات والمجتمع المدني.
لقد اعتمدت إدارة بايدن أهداف تحقيق صافي صفر انبعاثات غاز الدفيئة بحلول سنة 2050 والحد من الاحتباس الحراري إلى ما لا يزيد على 1،5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة مع التركيز على الحاجة لأهداف أكثر طموحًا لتخفيض الانبعاثات بحول سنة 2030 مقارنة بما تعهدت به البدان بموجب اتفاقية باريس للمناخ. إنَّ معظم الاقتصادات المتقدمة بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية الآن تعدُّ استراتيجيات تستهدف تحقيق أهداف المناخ العالمي، على الرغم من أنَّ خطط بايدن الطموحة ستواجه معارضة شديدة من الجمهوريين.
لكن العالم لن يحقِّق انبعاثات صافي صفر أو الاقتراب من ذلك الهدف بحلول سنة 2050 بدون أن تقوم الصين والاقتصادات الناشئة بشكل عام بتبني وبشكل فوري مسارات مماثلة، علمًا أنها تمثل حاليًّا ما يقرب من ثلثي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية الناتجة عن احتراق الوقود؛ فالصين وحدها مسؤولة عن نحو 30% من تلك الانبعاثات. لقد تعهَّد الرئيس الصيني تشي جين بينج في العام الماضي بأنَّ الصين ستحقق الحياد الكربوني بحلول سنة 2060، ولكنه لم يحدد الخطوط العريضة لاستراتيجية ملموسة من أجل تحقيق ذلك الهدف. إنَّ معظم المحللين يتفقون على أنَّ السياسات والخطط الحالية في الصين (وخاصة المتعلقة بإنتاج الفحم وتوسيع شبكة خط انابيب النفط والغاز فيها) لا تتوافق مع هذا الهدف.
لقد وجَّه بايدن الدعوة لتشي لحضور القمة القادمة. لقد ذكر المبعوث الأمريكي الرئاسي الخاص للمناخ جون كيري أنه "متفائل ولكن غير واثق" بالتعاون الصيني في التصدي للتغير المناخي، علما أنه زار الصين أخيرًا في محاولة للحصول على دعم الصين لإنجاح قمة إبريل. لقد أصدر البَلدانِ بيانًا مشتركًا ذا نبرة إيجابية ولكنه لا يتضمن الكثير فيما يتعلق بالالتزامات المفصلة.
إنَّ الدول الغنية تقبل أن معظم الاقتصادات الناشئة والتي تضرَّرت بشدة من الجائحة تحتاج إلى تدفق رأسمالي كبير من أجل المساعدة على تمويل التحولات الخضراء، وعليه فإنَّ معظم المناقشات المتعلقة بالمناخ تتركز حاليًّا على كيفية استخدام ميزانيات بنوك التنمية متعددة الأطراف من أجل جذب مبالغ كبيرة من رؤوس الأموال الخاصة إضافة إلى التدفقات العامة.
لكن على الرغم من أن دخل الفرد في الصين (من حيث تعادل القوة الشرائية) لا يزال نحو ثلث معظم مستويات الاقتصادات المتقدمة، فإنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تريد من الصينيين الإعلان عن خطة محددة لخفض الانبعاثات في المستقبل القريب والمشاركة في تمويل التحوُّل الأخضر في الاقتصادات الناشئة. ومن المؤكد أن الخطط الصينية التي لا تتمتَّع بطموح كافٍ إضافة الى أفعال الصين، سوف يتم استغلالها من قبل المعارضين المحليين لسياسات بايدن المناخية.
تريد إدارة بايدن أن تتبنى مقاربة عامة ترتكز إلى أن دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان حول العالم يتوافق مع التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف مع منافسين فيما يتعلق بالتحديات المشتركة. وعلى الرغم من التوترات الحادة جدًّا مع روسيا على سبيل المثال فإنَّ الرئيس فلاديمير بوتين سوف يشارك في قمة 22-23 إبريل. إنَّ التعاون الفعّال مع المنافسين قبل مؤتمر الأطراف 26 للتغير المناخي والذي سيقام في غلاسكو في نوفمبر القادم سوف يكون امتحانًا جوهريًّا لإمكانية نجاح التعددية التي تكملها الجهود الثنائية، على الرغم من التنافس بين القوى العظمى والتنافس الشديد بين الإيدولوجيات.
كمال ديرفيس، وزير سابق للشؤون الاقتصادية في تركيا وإداري سابق في برنامج الأمم المتحدة للتنمية، ويعمل حاليًّا زميلاً تنفيذيًّا في معهد بروكنغز. سباستيان شتراوس، محلل أبحاث تنفيذي ومنسق للتواصل الاستراتيجي في معهد بروكنغز.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكت 2021
www.project-syndicate.org