Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

البنوك المركزية ومعضلة الخفض التدريجي

باتريك دروري بيرن، سيلفان بروير

دوبلين ــ لا شكَّ أنَّ السياسات غير التقليدية التي انتهجتها البنوك المركزية أنقذت الأسواق المالية في عام 2020 عندما كانت جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) في أوجها. لكن هذه التدابير تجعل البنوك المركزية الآن شديدة الالتصاق بأسواق الائتمان، وتجعل المشاركين في السوق أكثر اعتمادًا على دعم البنوك المركزية من أي وقت مضى.

من منظور أسواق الائتمان، يُـعَـدُّ هذا موقفًا عصيبًا للغاية لكل من البنوك المركزية والمستثمرين. فكيف تستمر البنوك المركزية في دعم التعافي الاقتصادي في حين تعمل على تطوير استراتيجية خروج لا تتسبَّب في تقويض استقرار السوق؟ وكيف يتفاعل المستثمرون، الذين يثمنون الاستقرار لكنهم يسعون أيضًا إلى تحقيق عوائد أعلى، إذا تراجع صُنّاع السياسات النقدية عن تقديم الدعم المباشر للسوق؟

في ظل أسعار فائدة منخفضة طوال القسم الأعظم من العقد الماضي، كان من الواضح منذ بداية أزمة كوفيد-19 أنَّ البنوك المركزية لم يكن لديها حيز كبير للمناورة بالاستعانة بأدوات السياسة التقليدية. وسوف يكون لزامًا عليها أن تعتمد بشكل أكبر على التدابير غير التقليدية، بما في ذلك إنشاء أو توسيع برامج لشراء أصول الشركات. وفي حالة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، تزامن الإعلان عن هذه التدابير أثناء عام 2020 مع بلوغ الفوارق في سندات الشركات من الدرجة الاستثمارية ذروتها.

(الرسم البياني)

"تزامن" هي الكلمة الأساسية هنا. فليس من الواضح ما إذا كانت هذه الإجراءات تعني أنَّ الأدوات التقليدية أصبحت الآن أقلَّ فاعلية في استعادة ثقة السوق في أوقات التوتر، أو ما إذا كانت طبيعة الجائحة الخصوصية تتطلب وضع خطة دقيقة لدعم قطاع الشركات الضعيف بشكل خاص.

كان الاستخدام الواسع الانتشار لبرامج شراء الأصول لـيُـعَـدُّ ببساطة الحلقة الأخيرة في سلسلة طويلة من التدابير التي نجحت أخيرًا في السيطرة على إجهاد السوق. أو قد يمثل إعادة تقويم لمدى النشاط والقوة الذي يجب أن تكون عليه البنوك المركزية في وقت الأزمة. في أقل تقدير، سيكون من الصعب تجاهل هذه السابقة الجديدة من حيث توقُّعات السوق في المستقبل، والتي استندت إلى التدابير المتطرفة التي اتخذتها البنوك المركزية في فترات الإجهاد.

نجحت التدابير التي اتخذتها البنوك المركزية، جنبًا إلى جنب مع الدعم المالي غير المسبوق، في استعادة الاستقرار المالي في عام 2020. كما عملت بشكل غير مباشر على تعزيز إصدارات غير مسبوقة من سندات الشركات، فضلًا عن انخفاض بلغ نحو 60% في فوارق سندات الشركات ذات الدرجة الاستثمارية من أعلى مستوياتها في مارس/آذار.

تحققت استعادة الاستقرار بشق الأنفس، فقد تطلَّبت نشر برامج التيسير الكمي على نطاق واسع، وتدخلات جديدة أو ممتدة، وخاصة في أسواق الائتمان الشركاتية. من خلال مجموعة من أدوات تحديد الأسعار، والتمويل، والتيسير الكمي على نطاق واسع، تضطلع البنوك المركزية الآن بدور أكثر محورية من دورها في الماضي.

لكن ما هي خطة البنوك المركزية البعيدة الأمد؟ تستطيع البنوك المركزية أن تبقي على برامج التيسير الكمّي، كما اقترح بنك الاحتياطي الفيدرالي وكما فعل البنك المركزي الأوروبي في الماضي، لكن برامج التيسير الكمّي المطولة قد يكون من الصعب وقفها وقد تتسبَّب في الإبقاء على أسعار الفائدة أقل مما كانت لتصبح عليه. بدلًا من ذلك، يمكنها أن تسعى إلى تقليص برامج التيسير الكمّي، الأمر الذي يتطلَّب إيجاد توازن دقيق والتواصل بشكل واضح لتجنُّب ترويع المشاركين في السوق الذين لا تزال تجربة "ذعر الخفض التدريجي" لعام 2013 حية في ذاكرتهم، والتي تمثَّلت في عمليات بيع مكثفة نتيجة لإشارات من بنك الاحتياطي الفيدرالي بأنه يعتزم خفض مشترياته الشهرية من الأصول.

تزداد المهمة التي تواجه صُنّاع السياسات النقدية تعقيدًا على تعقيد بفعل الحاجة المستمرة إلى دعم التعافي الاقتصادي. كان من المتوقع أن يبلغ الدين العالمي ذروته عند مستوى 267% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2020، ومن المنتظر أن يظلَّ مرتفعًا مع استمرار الحكومات في إصدار الديون لتمويل تدابير التعافي الحرجة. كانت البنوك المركزية مستثمرًا أساسيًّا في العديد من المعاملات، فزودت الحكومات، والشركات (بدرجة أقل)، باليقين فيما يتصل بالتمويل المنخفض التكلفة.

لأنَّ مشتريات البنوك المركزية من الديون السيادية من غير المرجَّح أن تتغيَّر في الأمد المتوسط، فإنَّ حيازاتها ستزداد. في أوروبا، ازداد المخزون من السندات الحكومية الطويلة الأجل المعلَّقة بنحو 25% منذ عام 2015، لكن التعويم الـحر أو الجزء القابل للتداول العام انخفض، بسبب الزيادة الحادة في الحيازات من السندات لدى البنك المركزي الأوروبي.

ورغم أنَّ البنك المركزي الأوروبي لن يبدأ فجأة تجريد محفظته الضخمة من الاستثمارات ودفع الأسعار إلى الانخفاض، فإنَّ تركَّز ملكية السندات من الممكن أن يؤثر سلبًا على بنية السوق والسيولة. ويتجلَّى هذا بوضوح بالفعل في سوق السندات المغطاة الأوروبية، حيث يحتفظ البنك المركزي الأوروبي الآن بنحو ثلث السندات المؤهلة المعلقة. ومن الممكن أن يعمل التعويم الحر الأدنى للسوق على تقليل عدد المستثمرين النشطين، وزيادة حدة التقلُّبات، والحد من القدرة على اكتشاف الأسعار في فترات الإجهاد المقبلة. وعلى هذا فإنَّ الصورة الحقيقية للسيولة وظروف التمويل في أسواق بعينها قد لا تظهر إلا إذا بدأت البنوك المركزية في تقليص محافظها الاستثمارية.

لقد استفاد المستثمرون من نجاح البنوك المركزية في تثبيت استقرار أسواق الائتمان، وكان عدد حالات التخلُّف عن السداد المرتبطة بالجائحة حتى الآن أقلَّ مما خَـشـي العديد من المشاركين في البداية. لكن أسعار الفائدة المنخفضة والتحفيز النقدي المستمر جعل من الصعب على المستثمرين من ذوي الدخل الثابت توليد العوائد المستهدفة، مع تداول ما يقرب من 90% من السندات العالمية بعائد أقل من 2% في نهاية عام 2020. وقد وفَّرت زيادة حدة انحدار منحنى العائد أخيرًا بعض الراحة، لكن دعم البنوك المركزية يظلُّ يشكل أهمية بالغة للتعافي الاقتصادي العالمي ــ وكلما طال أمد بقائه في مكانه، زاد احتمال تسبُّبه في تعريض عائدات الدخل الثابت للخطر.

يخلف انخفاض العائدات على الدخل الثابت عواقب واضحة على صناديق التقاعد والمتقاعدين في المستقبل، في حين يلاحق المستثمرون أيضًا عائدات أعلى من خلال تحمل مخاطر جديدة وأطول أمدا، أو زيادة مخاطر الائتمان، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى زعزعة استقرار النظام الذي عملت البنوك المركزية جاهدة على تعزيزه. فقد ارتفع إصدار القروض بالاستدانة من جانب مقترضين مصنفين من الفئة B-minus إلى مستويات غير مسبوقة، وفقًا لتقرير صادر في فبراير/شباط عن S&P Global Market Intelligence، في حين انخفضت تكاليف الاقتراض إلى أدنى مستوياتها منذ أزمة 2008 المالية العالمية.

من الواضح أنَّ البنوك المركزية ليست مسؤولة عن قرارات الاستثمار اليوم، ولكن كلما طال أمد دعمها للسوق، أصبح البحث عن العائد أشدَّ خطورة. والآن، يواجه صُنّاع السياسات النقدية والمستثمرون في الائتمان على حدٍّ سواء معضلة لا يُحسَدون عليها.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

باتريك دروري بيرن كبير مدراء ورئيس قطاع الممارسات الشاملة في مؤسَّسة ستاندرد آند بورز للتقييمات العالمية. سيلفان بروير كبير خبراء الاقتصاد لدى مؤسَّسة ستاندرد آند بورز للتقييمات العالمية لأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org

مرفق بهذا التعليق رسم بياني، يمكنكم تنزيله هنا.