زعماء أوروبا وإفريقيا يدعون إلى صفقة جديدة لأجل إفريقيا

إيمانويل ماكرون، بول كاجامي، سيريل رامافوزا، ماكي سال

باريس ــ تَـعَـلَّـمـنا من جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) أننا لم يعد بإمكاننا أن نتعامل مع الأزمات التي تبدو بعيدة في ظاهرها على أنها مشكلات نائية لن يمتد تأثيرها إلينا. الواقع أنَّ ما يحدث في أي مكان يؤثر في الناس في كل مكان. لهذا السبب، تُـعَـدُّ معالجة تأثير الجائحة وإرثها في إفريقيا على قدر عظيم من الأهمية.

على الرغم من أنَّ إفريقيا عانت من حالات إصابة ووفاة بعدوى كوفيد-19 أقل من مناطق أخرى في العالم، فإنَّ تأثير الجائحة على القارة قد يكون أكثر استدامة وأعمق جذورًا، على النحو الذي قد يزعزع استقرار الكوكب بأسره. في غضون عام واحد، أوقفت الجائحة ربع قرن من النمو الاقتصادي المضطرد، وأربكت سلاسل القيمة، وتسبَّبت في زيادة غير مسبوقة في الفقر والتفاوت بين الناس.

لكن إفريقيا ليست وحدها المهددة بخطر فقدان الفرصة للخروج بشكل كامل من أزمة كوفيد-19. فقد يخسر الاقتصاد العالمي أحد محركات نموه في المستقبل.

تمتلك إفريقيا كلَّ ما يلزمها للتغلُّب على أزمة الجائحة وقيادة العالم نحو دورة جديدة من النمو المستدام: الشباب المبدع المقدام، والموارد الطبيعية الكفيلة بتجهيز ومساندة قاعدة صناعية محلية، ومشروع تكامل قاري شديد الطموح. لكن إفريقيا لا تملك الأدوات اللازمة للتعافي من أزمة ضخمة بقدر ما كانت غير متوقعة.

في حين تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنَّ البلدان الإفريقية ستحتاج إلى 285 مليار دولار أميركي كتمويل إضافي حتى عام 2025، فلا توجد خطة أو آلية للتعافي لتأمين هذه الموارد. ورغم أنَّ مناطق أخرى بدأت تشهد الآن علامات تدل على التعافي الاقتصادي السريع، فإنَّ عجز إفريقيا عن مكافحة الجائحة بالاستعانة بذات المزايا قد يغذي أزمة اقتصادية واجتماعية تحرم شبابها من الفرص التي يحتاجون إليها ويستحقونها.

بدأ التضامن الدولي يؤتي ثماره بعد فترة وجيزة من اندلاع الجائحة. فبموجب قرار صادر عن مجموعة العشرين، جرى تعليق أقساط الديون المستحقة على أكثر البلدان فقرًا، كما أتيحت المساعدة المالية الاستثنائية من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وغيرهما من الجهات المانحة، بما في ذلك أوروبا.

لكن المؤسَّسات التي عززت التضامن الدولي لعقود من الزمن بلغت الآن أقصى حدود قدرتها. فقد تسبَّبت في إضعافها في الأمد القريب فجوات التفاوت الهائلة المرتبطة بالقدرة على الوصول إلى اللقاحات. كما أضعفتها تناقضات اقتصادية كبرى تبدو كلَّ تدابير الطوارئ عاجزة عن وقفها.

هذا هو السبب وراء احتياجنا إلى إطار عمل جديد، صفقة جديدة طموحة وجريئة. ويجب أن تكون القدرة على الوصول إلى لقاحات كوفيد-19 أول اختبار لهذه المبادرة. من خلال كوفاكس (مبادرة الوصول العالمي للقاحات كوفيد-19)، ركيزة اللقاح في إطار مخطَّط المجتمع الدولي للتعجيل بالوصول إلى أدوات مكافحة كوفيد-19، وفريق العمل الإفريقي لاكتساب اللقاح، سيتم تسليم مئات الملايين من الجرعات إلى إفريقيا في الأشهر المقبلة. ويجري تقاسم الجرعات المطلوبة مسبقًا من اللقاحات عبر قنوات متعددة الأطراف، مع إعطاء الأولوية القصوى لحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية.

لكن هذا لا يكفي. يُـعَـدُّ التطعيم أكثر أدوات السياسة الاقتصادية أهمية على مستوى العالم في الوقت الحالي؛ إذ تقاس فوائده بالتريليونات في حين تأتي تكلفته بالمليارات. إنه الاستثمار الأعلى عائدا في الأمد القريب. لذا، يتعيَّن علينا أن نعمل على حشد أدوات مالية مبتكرة لزيادة تمويل مخطط التعجيل بالوصول إلى أدوات مكافحة كوفيد-19، من أجل تحقيق هدف تغطية التطعيم في إفريقيا، المحدد بنسبة 60% إلى 70% من قِـبَـل المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها. ونحن ندعو صندوق النقد الدولي إلى إقرار استخدام حقوق السحب الخاصة (الوحدة الحسابية المعمول بها في صندوق النقد الدولي) لتمويل هذا الجهد.

علاوة على ذلك، كما يؤكد إعلان روما الصادر عن القمة الصحية العالمية التي انعقدت في الحادي والعشرين من مايو/أيار، يتمثَّل مفتاح مكافحة الفاشيات الـمَـرَضـية في المستقبل ليس فقط في نقل التراخيص بل وأيضًا الخبرة إلى منتجي اللقاحات في البلدان النامية. وفي انتظار إبرام اتفاقية بشأن الملكية الفكرية والتي يجري التفاوض عليها حاليًّا في منظمة التجارة العالمية، لا بدَّ أن تكون إفريقيا قادرة على إنتاج اللقاحات باستخدام تكنولوجيا الـحمض النووي الريبوزي المرسال (messenger RNA) وإبرام صفقة في إطار منظمة التجارة العالمية بشأن الجوانب المرتبطة بالتجارة في نظام حقوق الملكية الفكرية. بالاستفادة من زخم قمة باريس للقادة الأفارقة والأوروبيين والقيادات المالية في العالم، والتي انعقدت في الثامن عشر من مايو/أيار، يصبح من الممكن تمويل شراكات الإنتاج هذه والمضي قدمًا في الأشهر المقبلة.

يتمثَّل المكون الثاني للصفقة الجديدة لأجل إفريقيا في الاستثمار الواسع النطاق في الصحة، والتعليم، ومكافحة تغير المناخ. يجب أن نسمح لإفريقيا بعزل هذا الإنفاق عن أوجه الإنفاق على الأمن والبنية الأساسية، ومنع القارة من الانزلاق إلى دائرة جديدة من الديون المفرطة. في الأمد القريب، وبرغم النجاح الباهر الذي حققته بعض البلدان الإفريقية في الاستفادة من أسواق رأس المال الدولية، لن يوفّر الدائنون من القطاع الخاص الموارد المالية اللازمة.

تحتاج إفريقيا إلى صدمة ثقة إيجابية. لقد مكَّنتنا قمة باريس من توطيد اتفاق بشأن تخصيص جديد لحقوق السحب الخاصة بقيمة 650 مليار دولار، يذهب ما قيمته 33 مليار دولار منه إلى بلدان إفريقية. والآن نريد أن نذهب بتعهدين طوعيين إلى ما هو أبعد من ذلك.

أولاً، نحن في احتياج إلى التزام من جانب بلدان أخرى بتعبئة جزء من مخصصات حقوق السحب الخاصة لصالح إفريقيا. وكخطوة أولى، ستساعد إعادة توجيه الموارد على هذا النحو في تمكين تحرير عتبة أولية قدرها 100 مليار دولار لصالح إفريقيا (والبلدان المعرضة للخطر في أماكن أخرى).

ثانيًا، يجب أن تشارك المؤسَّسات الإفريقية في استخدام حقوق السحب الخاصة هذه لدعم التعافي في القارة والتقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. وهذا بدوره ربما يمهد الطريق إلى إصلاح شامل للبنية المالية الدولية على النحو الذي يعطي ثِـقَـلًا أكبر للمؤسَّسات الإفريقية.

نحن ندعو كلَّ أعضاء المجتمع الدولي إلى التعهد بهذا الالتزام المزدوج.

أخيرًا، يتعيَّن علينا أن نركز على الأصل الرئيس الذي تتمتع به إفريقيا: دينامية ريادة الأعمال. تُـعَـدُّ المشروعات المتناهية الـصِّـغَـر، والصغيرة، والمتوسطة، شريان الحياة الذي يغذي مستقبل النساء والشباب في إفريقيا، لكن القطاع الخاص يظل رهينة للعمل غير الرسمي ويعاني من نقص التمويل. لهذا السبب، يجب أن نركز على تحسين قدرة رواد الأعمال الأفارقة على الوصول إلى التمويل من خلال استهداف المراحل الأكثر أهمية في مشاريعهم، وخاصة المراحل البادئة.

كان الهدف من قمة باريس هو التوصل إلى اتفاق على أربعة أهداف: الوصول الشامل إلى لقاحات كوفيد-19، بما في ذلك عن طريق الإنتاج في إفريقيا؛ تعزيز مواقف وأدوار مؤسَّسات عموم إفريقيا في إطار بنية مالية دولية جديدة؛ إعادة إطلاق الاستثمار العام والخاص؛ ودعم التمويل الواسع النطاق للقطاع الخاص الإفريقي. وتتمثَّل مهمتنا في الأشهر المقبلة في تعزيز هذه الأهداف في المحافل الدولية وكجزء من فترة رئاسة فرنسا المقبلة لمدة ستة أشهر لمجلس الاتحاد الأوروبي.

وَقَّـعَ على هذا التعليق أيضا أنطونيو كوستا، رئيس وزراء البرتغال؛ بيدرو سانشيز بيريز كاستيون، رئيس وزراء إسبانيا؛ ألكسندر دي كرو، رئيس وزراء بلجيكا؛ شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي؛ أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية؛ محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية؛ محمد بن زايد، ولي عهد إمارة أبو ظبي؛ فيليكس أنطوان تشيسكيدي تشيلومبو، رئيس جمهورية الكونجو الديمقراطية ورئيس الاتحاد الإفريقي؛ فور جناسينجبي، رئيس توجو؛ الحسن واتارا، رئيس ساحل العاج؛ عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مِـصر العربية؛ فيليب نيوسي، رئيس موزمبيق؛ محمد بخاري، رئيس نيجيريا؛ روش مارك كريستيان كابوري، رئيس بوركينا فاسو؛ غزالي العثماني، رئيس جزر القمر؛ نانا أكوفو آدو، رئيس غانا؛ جواو لورينسو، رئيس أنجولا؛ سهلورق زودي، رئيسة أثيوبيا؛ محمد ولد الغزواني، رئيس موريتانيا؛ قيس سعيد، رئيس تونس؛ باه نداو، رئيس مالي السابق؛ محمد بازوم، رئيس النيجر؛ ألبرت باهيمي باداك، رئيس وزراء تشاد؛ عبد الله حمدوك، رئيس وزراء السودان؛ دينيس ساسو نجيسو، رئيس جمهورية الكونجو؛ باتريس تالون، رئيس بنين؛ بول بيا، رئيسي الكاميرون؛ موسى فقي، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

إيمانويل ماكرون رئيس جمهورية فرنسا. بول كاجامه رئيس جمهورية رواندا. سيريل رامافوزا رئيس جمهورية جنوب إفريقيا. ماكي سال رئيس جمهورية السنغال.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org